فاقم استمرار إغلاق قوات النظام وحكومة إقليم كردستان العراق المعابر الواصلة مع مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، الأوضاع المعيشية والإنسانية الصعبة لقاطني شمال شرق سوريا، بسبب توقف حركة عبور المدنيين والبضائع التجارية.
منتصف كانون الأول/ديسمبر، قامت الحواجز العسكرية التابعة للفرقة الرابعة بإغلاق معبر الطبقة الذي يربط مناطق سيطرتها بمدينة الرقة شمال شرق سوريا دون سابق إنذار، تبعه إغلاقها معبر السبخة الذي يصل الرقة مع مدينة دير الزور. وبالرغم من محاولات قيادة قوات “قسد” التواصل مع قوات النظام، إلا أنها لم تتمكن من إعادة افتتاح المعابر.
وتزامن ذلك مع إعلان حكومة إقليم كردستان العراق الأحد، إغلاق منفذ الوليد الحدودي مع سوريا، بعد أيام من إغلاقها معبر “سيمالكا” (فيش خابور) المائي، رداً على اعتداء عناصر “الشبيبة الثورية” التابعة لحزب العمال الكردستاني على أمن المعبر وحرس الحدود.
الإدارة الذاتية محاصرة
ورغم تأثر عموم سكان شرق سوريا من الإجراءات الأخيرة، التي عمقت من مشاكلهم الاقتصادية والمعيشية، إلا أن اللافت تفاوت الضرر الذي لحق بكل منطقة، حسب موقعها الجغرافي ودرجة اعتمادها على المناطق المجاورة في تأمين مستلزماتها.
وتعتمد سوق مدينة الرقة على البضائع الواردة من مناطق سيطرة النظام، من مواد غذائية وأدوية، بالنظر إلى بعد المسافة بين المدينة ومركز سلطة قوات سوريا الديمقراطية ومؤسساتها في مدينة الحسكة، فضلاً عن اعتماد غالبية تجار المواشي على سوق النظام في تصريف الأغنام والمشتقات الحيوانية واستيراد الأعلاف.
ويوضح الناشط أنس الحاج عبد أن أسواق مدينة الرقة مثل باقي مناطق سيطرة قسد شرق سوريا، تشهد ارتفاعاً كبيراً في أسعار السلع الغذائية، إلا أن الآثار التي سببها إغلاق قوات النظام لبعض المعابر، ظهرت بشكل رئيسي على المستوى الإنساني والصحي، متمثلة في فقدان العديد من أصناف الأدوية واللوازم الطبية، إضافة إلى تفاقم مشكلة الخبز والكهرباء.
ويقول: “تسببت إجراءات النظام في حرمان عشرات الطلاب من الالتحاق بجامعاتهم ومدارسهم، ومنع أصحاب الأمراض المزمنة من التوجه إلى المشافي المركزية في العاصمة دمشق وفي حلب لتلقي العلاج، مقابل تضاعف أسعار الأدوية وفقدان الكثير من الأصناف خاصة أدوية الأمراض المزمنة، ما يهدد حياة الآلاف من المرضى”.
ويضيف “كما تسبب إغلاق معبر الطبقة بانخفاض أسعار المواشي بشكل كبير، مقابل ارتفاع تسعيرة الأعلاف، وذلك بعد توقف حركة تهريب المواشي التي تعتبر أهم خطوط التصريف التي يعتمد عليها التجار في البيع”.
ويشير الحاج عبد إلى أن “المعابر التي تصل مدينة الرقة والمدن المحيطة بها مغلقة بطلب روسي، من دون معرفة الأسباب حتى اللحظة، إلا أن الحديث يدور حول ضغوط روسية على قسد، بعد فشل المفاوضات مع النظام وعودة انتشار قوات قسد في ريف الرقة ومدينة عين عيسى على وجه الخصوص”.
وترتبط مناطق سيطرة قسد شرق الفرات بأكثر من 24 معبراً مائياً وبرياً مع مناطق النظام السوري، تمتد من مدينة منبج شرق حلب إلى مدينة دير الزور، أغلقت جميعها الأربعاء بوجه المدنيين والشاحنات التجارية.
الحسكة تضررت من إجراءات الإقليم
وأكد عبود العليوي، وهو تاجر تجزئة من مدينة الحسكة، أن سوق المدينة يعتمد على إقليم كردستان العراق بشكل أساسي في تأمين السلع الغذائية وغيرها، وفي مقدمتها السكر الذي يتم استيراده عن طريق معبر “سيمالكا” الحدودي. كما أن مديرية التموين التابعة للإدارة الذاتية هي المتحكم والمورد لهذه المادة، على عكس بقية المناطق التي يسيطر عليها التجار، نتيجة نشاط حركة التهريب مع النظام.
ويضيف أنه “بعد يومين فقط من قرار إغلاق معبر سيمالكا فُقد السكر من السوق، وبدأت أسعار البضائع بالارتفاع من شاي ومعلبات وزيوت، خاصة المستوردة من الإقليم، دون تدخل المؤسسات المحلية، أو حتى تقديم ضمانات بتوفير المواد أو إجبار التجار على فتح مستودعاتهم، وما زاد من الأزمة هو الحديث عن استمرار إغلاق المعبر حتى شهر شباط/فبراير 2022، وهذا الأمر قد دفع تجار الجملة إلى الامتناع عن البيع”.
ويُعتبر إقليم كردستان المصدر الأول والرئيس للمواد الغذائية بالنسبة إلى أسواق منطقة شمال شرق سوريا، ومنفذ المنطقة إلى العالم الخارجي، وخاصة معبر سيمالكا المائي، الذي تحول إلى معبر تجاري بعد توقف عملية تدفق اللاجئين إلى شمال العراق.
ويتهم ناشطون محليون الإدارة الذاتية المسيطرة على مناطق شرق الفرات، في “تسييس” قضية إغلاق المنافذ والمعابر التجارية مع مناطقها، حيث صعدت من لهجتها مع حكومة الإقليم، مقابل التغاضي عن إجراءات النظام، خاصة وأنها لا تزال تسمح بمرور الشاحنات المحملة بالنفط والتي تتبع لمجموعة القاطرجي، إلى النظام، رغم إغلاقه المعابر المدنية معها.
ويتفق السياسي السوري رديف مصطفى في حديثه ل”المدن”، مع هذه النظرة، حيث يرى أن “قسد تحاول الضغط على الإقليم في ملف المعابر لتحصيل تنازلات سياسية لصالح حزب العمال الكردستاني في العراق”.
ويقول: “من يدير هذا الملف هو العمال الكردستاني وعبر قسد، والموضوع لا يتعلق فقط بافتعال وتضخيم الأزمات مع الإقليم، سواء السياسية أو الإنسانية، بل يتعلق بما يجري في سنجار ومحاولات سيطرة حزب العمال الكردستاني عليها، وبالتالي بقاء قواته في العديد من مناطق الإقليم”.
ويضيف “كما يهدف أيضاً إلى الضغط على الإقليم لغض النظر عن عمليات التهريب التي تجري على حدوده، وبالتالي خلق أزمة إنسانية يتضرر منها السوريون بشكل أساسي وتصب في مصلحة النظام”، معتبراً أن “تصرفات وسلوكيات قسد ومسد و(بي واي دي) في غالبيتها لا تنتمي للعقل والواقع، خاصة التعاطي مع هذا الملف الذي تضرر منه مئات الآلاف من سكان شرق الفرات”.
وبينما تسكت قسد عن إغلاق النظام المعابر مع مناطقها من دون أي مبرر، تهاجم إقليم كردستان بشدة لإقفاله معبرين تعرضت فيهما قوات الإقليم لهجمات شبيبة حزب الاتحاد الذي يهيمن على الإدارة، الأمر الذي يعزز من الشكوك حول العلاقات والأهداف التي تقف وراء تصرفات الحزب رغم الأضرار الكبيرة التي تلحق بالسكان جراء ذلك.
“منصور حسين – المدن”
اترك تعليقاً