L
تُفَضِّل الولايات المتحدة أن تستعرض مشروعها الاحتلالي للمنطقة الشرقية من سوريا(المحافظات الشرقية الثلاث)، على شكل دراما غير بهيجة؛ دراما تحاول أن تقول بأن ثمة حرباً “شرسة” تُخاض ضد تنظيم إرهابي مفترس، وأن هذه الحرب سوف تدار كلفتها دون بذل أية ضمانات للمدنيين العالقين، حيث لاخط آمن للفارين المدنيين من جحيم الحرب ولا طرق إمداد إنسانية تكفل الحد الأدنى لعيش السكان الذين يعيشون تحت خطوط النار وعلى نقاط الاشتباك، وأن لهذه الحرب كلفتها الزمانية المتمادية، فضلاً عن كلفتها العسكرية الطبيعية.. بالطبع هذه رسالة مفهومة، لا داعي لأن تفسر لنا أو تبرر نتائج الكلفة البشرية والإنسانية الأكثر من فادحة، وأكثر من ذلك، فلا مقاتلين “شجعان” في الميدان يستحقون الجدارة سوى ميليشيات صالح مسلم، التي تقف مع العالم الحر والمتمدن، وحامل رسائل الحضارة والحرية والديمقراطية في وجه طغيان داعش المتوحش، التي ألهمها اللهُ فجورها وما ألهمها تقواها..
أما المدنيون الذين ضاق بهم العراء الرحب، وهم يسيرون في كل حدبٍ وصوبٍ، ينشدون منافذ النجاة من القصف المتعدد الجنسيات، والفوسفور الأبيض والمجاعة الفاشية والأمراض التي تفتك بهم، والموت المتعدد الوجوه الذي أحاط بهم من كل جانب، فما هم سوى كومبارس ضروري لكمال مشهد”الحرب الرائعة”، التي تستأصل شأفة الإرهاب كما خُطط لها، وليسوا أكثر من حشوة استكمالية على هامش التاريخ لتمام المشهد، وفضاء أشخاص جانبيين يُكَمِّلُ مشهد البطولة الدرامية الذي يمثله تنظيم داعش، أقذر لمامة بشرية عرفها تاريخ الإنسان الطويل، إلى جانب الأبطال الأسطوريين: الكاوبوي الامريكي وهو يسوق أمامه”فُتَّاك اسبارطة” من الميليشيات القنديلية، تتقدمهم(آلهة الميدوزا) التي تُحَوِّل بنظرة عينيها السحريتين كلَّ من ترمقه بنظرة إلى تمثال من حجر أصم**..
وللأمانة والصدق مع التاريخ والذات، وقبل استشفاف أي نقد فني لفيلم”الأكشن” البليد والمترهل هذا، والمُفظِع بالأخطاء الإخراجية ودمامة الأداء غير المسؤول، يجب أن نؤكد، لا أن نتأكد، بأن الولايات المتحدة ليس لديها خطة أبعد من أرنبة أنفها، إذا كان مفهوماً من أرنبة أنفها هو (مرحلة مابعد التنظيم الأسود)، وعلى خلاف ما يظنه ويعتقده ويُروّج له كثيرون؛ من أن الدولة العظمى جاهزة وأكثر من متجهزة لأدق التفاصيل التالية لمشهد مرحلة مابعد داعش الوشيكة، وحاضرة في المستوى المدني الإداري الذي يقتضي الإعمار بعد الدمار، ليس المشهد هو ما ينذر بذلك فحسب، بل مجمل تفاصيل المقروء والمنقول والمسرب غير الرسمي أيضاً..
في العموم، يلام أيضاً أطراف التحالف الدولي الأخرى المتطامنة الصوت والخفيضة الحركة والأداء: الاتحاد الاوربي بصورة خاصة ومباشرة، على هذا التنحي في الأداء والاستقالة في تحمل واجب المسؤولية ولو في حدها الأدنى، ولم تعد كثرة اللغو السياسي والخطاب التبريري عن أداء تركي أو خليجي أو روسي أو إيراني أو عربي مجدياً سياسياً أو حتى إنسانياً، والأفضل أن يتم تقسيم العالم ـ على الأقل في الملف السوري ـ إلى كتلتين متدخلتين (ومتداخلتين): “دول سيدة” و”دول من العبيد”، ولا شيء ثالث وراء هذا التقسيم، ولا معنى لتحميل أي طرف فوق ما يحتمله مركزه ووظيفته في عالم اليوم، في مسؤوليته عما جرى في سوريا في الماضي، وعما سيجري في قادم الأيام.
معبد الحسون 12/ 6/ 2017
ـــــــ
*العنوان تحوير كنائي عن قصة “فرانز كافكا”:(بنات آوى ويهود وعرب)
** الميدوزا: آلهة يونانية تحول مباشرة كل من ينظر اليها الى تمثال بشري من الحجر.
افتتاحية الرقة بوست: بنات آوى، وpkk.. وعرب*
by
Tags:
اترك تعليقاً