قاسم الهندي
العنوان عادة ما يكون هو المدخل لما يَرِد في مقالة أو مدخلاً لكلام .لكن حتى المدخل يحتاج لمدخل آخر للولوج إليه، ليعرفه، ليصار إلى معرفة ما نلج إليه، و كأننا ندخل منزلاً تتوزّع على مداخله حجرات المنزل، لكننا لا بدّ لنا من إنارة هذا المدخل قبل أن نلج حجراته .
الإنارة هي مدخل المدخل
في كتاب (غاستون باشلار) (التحليل النفسي للنار)، يطرح مقولة حول الفكر :(إن الفكر قبل العلمي يظل زمناً طويلاً قائماً في اللغة، بل إنه يظل زمناً طويلاً قائماً في الأدب) البقاء الما قبل علمي في الفكر الذي يتكلّم عنه (باشلار)، هو نفسه الذي يسمح بتجذّر مفاهيم علمية، وجديدة، و حداثية في اللغة .
من حيث نفس شروط التجذّر للفكر الما قبل علمي فيها أي اللغة.
كلام باشلار يسمح لنا بالتعامل بأن للغة شروطها الخاصة في التعبير، ليس بصفتها كائناً قائماً بذاته، بقدر ما أن لها كياناً خاصاً بها، قد لا نتحكّم بهذا الكيان، لكننا نستطيع العودة إليه متى شئنا، و أخذ منه ما نريد، بعد أن نضيف له ما نريد أيضاً، لكنه أخذ استعارة (عدم نضوب)أو إيجاد/تزويد نسخ لا محدودة لمن يريد أن يستعير من (خزانة)اللغة.
يحوّل باشلار اللغة إلى خزانة بأرفف، دائماً هناك أرفف فارغة فيها، نستطيع أن نملأها بما يناسب احتياجاتنا.
فنستطيع أن ننحت من لفظة(أنثى) ،مفهوم(أنثنة). المعنون بها هذه المقالة، و نضعها بجانب مفهوم (أنسنة) معبّراً عن الأنثى و الأنوثة، لا كتمييز لهما من ناحية المفارقة مع (الذكورة)، بقدر ما هو مقابل للمفهوم (أنسنة) مكمّلاً و متمّماً له.
ليصار استحضار المفهوم (أنثنة) مستدعياً بنفس الوقت معه مفهوم (أنسنة)، تماشياً مع ما تحيل إليه اللغة العربية في الجناس و السجع و الطباق في عملية الربط و التذكّر، لتؤدّي اللفظتان المعنى نفسه بمجرّد استحضار أحدهما.
(أنثنة) تتجاوز طرح النسويات نفسه، من حيث تغييب أنسنة المصطلح، عندما يوضع مقابل مفهوم آخر (ذكورة)، و كأن تعريف (أنوثة) يستمدّ تعريفه من عكس تعريف مفهوم (ذكورة)، بعد تحميله، أي الذكورة كل تلك الحمولات السلبية(استبداد ظلم قهر!).
لنصل (بالأنثنة) إلى تجاوز ثنائية التفكير، ذكر /أنثى،خير/شر،ظلام /نور.
فكّ ارتباطية التعريف العكسي، تساعد في التخلص من حمولة تفكير الأنثى “الضحية” ،من حيث أن المقابل للذكورة “المتوحّشة” هو أنوثة “منتَهكة” “مضطهَدة” .
ليتمّ التعريف وقتها منطلقاً من الذات(الأنثوية)، و معيداً تعريف(الذكورة)، أيضاً خارج تقابلية الأضداد، التي تعرّف نفسها على أنها مجرّد نقيض للآخر.
أهمية محاولة الفصل التعريفيّ و إعادة التعريف، لها علاقة بتحييد عنف السلطة نفسها، من حيث أنها لا تمثل سوى نفسها ، فهي ليست سلطة عنف(ذكورية)، و لا يُفترَض لتحقيق المساواة اأن يمارس العنف(عنف السلطة)، باسم الأنوثة مزيّناً و مزيّفاً بشعار “المساواة”، و هذا ما يحدث حالياً.
فإن عدنا للتعريف المقابلاتي من حيث أن العنف هو صفة “ذكورية”! فإن المساواة التي تحقّقت للنساء على المستوى السياسي مثلاً، من حيث تسلّم النساء لمناصب قيادية، ما هو إلا تبادلية عنف للسلطة مع الذكور، و أقرب اسم يُطلق عليهنّ هو “تذكير النساء”، و ليس مساواتهنّ مع الرجال في ممارستهنّ لنفس عنف السلطة، (هيلاري كلينتون)، و(إنجيلا ميركل)، و لا ننسى (مارغريت تاتشر)، الملقّبة المرأة الحديدية(لقب عنفيّ) ،و التي أحد قراراتها كان بمنع حليب الأطفال من المدارس!.
بينما (كارول م . كونيهان) في كتابها (اأنثروبولوجيا الطعام و الجسد ،النوع المعنى ، و القوة) تورد (بأنه تاريخياً لم تحرم النساء عائلاتهم من الطعام)، بينما السياسيون يفعلون ذلك، و(تاتشر) ليست من النساء بل من السياسيين.
فنحن نحتاج (لأنثنة) السياسة و ليس “تذكير النساء”، طبعاً هذا الكلام هو ما قبل الفصل التعريفيّ، أمّا بعد الفصل ،و عزل السلطة عن التعريف، نستطيع الوصول إلى استخدام مصطلح ذكورة دون تلك الحمولات السلبية التي أنتجتها السلطة، و لم تنتجها الذكورة كذكورة، لكن ليتمّ هذا التحقّق فلنسعَ لأنثنة الحياة و بعث الروح في الأنسنة نفسها.
نعم لعالم أكثر أنثنة/أنسنة.
اترك تعليقاً