الرقة بوست
بعد سنة من حملة تدمير الرقة، التي نجم عنها طرد تنظيم الدولة الإسلامية، الذي كان يتخذ منها عاصمة لدولته المزعومة، الحملة العسكرية تم تنفيذها بقيادة قوات سورية الديمقراطية، والتي تشكل قوات حماية الشعب وحماية المرأة (YPG) ذراعها الرئيسي، المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش، أسفرت عن قتل نحو 3000 مدني، استطاعت مراكز التوثيق تسجيل وتوثيق نحو 2000 ضحية بالاسم، قضوا تحت نيران قصف الطيران الحربي والمروحي والقصف المدفعي من المدفعية التي تمركزت شمال الرقة وشمال غربها وشرقها، وتدمير ما نسبته 80% من أبنيتها وتدمير كامل بنيتها التحتية.

سيطرة :قسد” على القرار العسكري قبل السيطرة على الرقة
تحييد قوات النخبة بعد لواء ثوار الرقة :
بدأت الحملة مع دعوة لتحييد لواء ثوار الرقة من المشاركة فيها، واكتفت قوات سورية الديمقراطية بمشاركة قوات النخبة التابعة لتيار الغد الذي أسّسه ويقوده أحمد الجربا، الرئيس السابق للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والذي كان يمنّي النفس بإدارة محافظة الرقة بعد “تحريرها”، ولكن مع اشتداد العمليات العسكرية التي بدأت من محاور متعددة وخاضت خلاله قوات النخبة معارك شرسة مع قوات داعش في مناطق شرق الرقة، وتحديداً في أحياء المشلب والصناعة والسكن الشبابي، نشب نزاع بين الطرفين أسفر عن تحييد هذه القوات وإبعادها إلى حدود قرى الحمرات شرق الرقة بنحو 15 كم، واكتفت قوات قسد بعناصرها العربية والكردية المدعومة من أمريكا، التي وفّرت الغطاء الجوي اللازم والقصف المدفعي لدخول هذه القوات بعد اشتباكات عنيفة مع عناصر داعش في محاور متعددة من المدينة بدءاً من أطرافها والتمركز في مداخلها، وبعد التدمير الممنهج لمدينة الرقة وقتل وتهجير سكانها، أبرمت قوات سورية الديمقراطية اتفاقات مع القوات المتبقية من داعش، تقضي بخروج مقاتلي داعش من الرقة باتجاه شرق دير الزور بحماية أمريكية، ثم دخلت قوات سورية الديمقراطية (قسد) إلى الرقة بعد الإعلان عن “تحريرها” بالكامل، كما تدّعي قوات قسد وحليفها التحالف الدولي لمحاربة داعش.
تفكيك لواء ثوار الرقة وطيّ راية الجيش الحرّ :

العقبة الأساسية التي واجهت قوات سورية الديمقراطية هو لواء ثوار الرقة، الشريك الرئيس لقوات البيدا بـ” تحرير ” عين العرب وتل أبيض من تنظيم داعش، وأن لا بد من تفكيكه وتصفية المكوّن العربي الوحيد الذي ينتمي للجيش الحر، ويحمل راية الثورة السورية، وهو ما عملت عليه بدءاً من حصار قائد اللواء أبو عيسى، واعتقال عناصره من معقلهم في حي الرميلة وبعض قرى المركز القريبة من مدينة الرقة، وبذلك دانت السيطرة لقوات سورية الديمقراطية على عموم مدينة الرقة وريفها.
“قسد” في مواجهة الدمار والألغام والمقابر الجماعية :
واجهت قوات قسد تحديات كبيرة أوّلها حجم الدمار، في ظل تراجع وعود إعادة الإعمار، وعدم اعتراف التحالف الدولي بعدد الضحايا الكبير الناجم عن القصف المتواصل، واكتفت أمريكا بالاعتراف بقتل أقل من مئة مدني في العمليات الحربية التي نفّذتها في الرقة. والمشكلة الثانية تمثلت بالألغام المزروعة في بيوت المدنيين ونجم عنها ضحايا كثيرون قضوا نتيجة انفجار الألغام، وتشير الأخبار والتقارير الواردة من الرقة بأن الألغام المزروعة في الرقة تم على أيدي عناصر داعش، بينما تشير بعضها إلى قيام ميليشيات قسد بزراعتها في أماكن متعددة من المدينة. أما المشكلة الثالثة فتمثّلت باكتشاف مقابر جماعية في عدد من المواقع في مدينة الرقة، قالت على إثرها منظمة هيومن رايتس ووتش إن الرقة تحتوي على أكثر من تسع مقابر جماعية لم يتم تحديدها بالضبط، وذلك إثر انتشال ما بين 300 ـ 500 جثة من المقبرة الجماعية في ملعب ثانوية الرشيد، ثم أعقبها مقبرة حديقة الحيوانات، وآخرها توقع انتشال أكثر من ألف جثة، وربما تصل إلى 1500 جثة من مقبرة البانوراما الجماعية، ومقبرة البانوراما هي الأكبر من المقابر الجماعية .

وتقوم فرق محلية بمساعدة المجلس المحلي الذي تشرف عليه قوات سورية الديمقراطية بانتشال جثث الضحايا الذين يشكل أغلبهم من المدنيين العزل، ومن بينهم أطفال ونساء، ويقوم عناصر الفرق بتحديد أسباب الوفاة المحتملة، والإصابات الظاهرة على أجساد الضحايا، وتحديد الجنس ولون الشعر والطول واللباس والعمر التقريبي، وتوثيق المتعلقات الشخصية الموجودة مع الجثث، وهذه الفرق تفتقد للخبرات الفنية والتقنية، وغير مزودة بتقنيات تحديد هويات وبيانات الضحايا، وغير قادرة على الحفاظ على الأدلة التي من الممكن إدانة القتلة على هذه الجرائم، إضافة إلى نقص الخبرة في مجالات الطب الشرعي، كما وضحت ذلك منظمة هيومن رايتس ووتش، والتي طالبت المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بتوفير الدعم اللازم لفرق انتشال الجثث، وقالت المنظمة “يجب دعم المجموعات المحلية التي تعمل على الكشف على المقابر الجماعية في شمال شرق سورية كانت تحت سيطرة داعش وتقديم المساعدة التقنية لها لحفظ الأدلة على جرائم محتملة”.
معاناة الأهلين وفشل الإدارة في تحقيق الحدّ الأدنى من الخدمات( الكهرباء والماء والصحة والتعليم) :
من المشاكل التي تواجه أهل الرقة افتقادهم الكهرباء، والاكتفاء بالأمبيرات التي تباع بأسعار عالية ليست بمتناول الجميع، إضافة لافتقادهم للمياه النقية، وانتشار ظاهرة بيع الماء في شوارع وأحياء الرقة، كما أن القصف العنيف والمتواصل على أحياء الرقة أدّى إلى تدمير معظم شبكة الصرف الصحي، والتي نجم عنها مشاكل عدة، أوّلها التلوث الحاصل نتيجة اختلاط مياه الصرف الصحي مع شبكة مياه الشرب، إضافة لانتشار الفئران والجرذان بأعداد هائلة.

أيضاً في الجانب التعليم، تم تأهيل عدد قليل من المدارس، وفّرت فرص التعليم لعدد محدود من التلاميذ، وأعادتهم إلى مقاعد الدراسة، واكتفى أغلب المواطنين بدفع أبنائهم للعمل لتأمين سبل العيش في مدينة تفتقد لمقومات الحياة، كما أشار معظم العائدين أو الزائرين لمدينة الرقة، أما في الجانب الصحي، فمازالت المدينة تشكو من انتشار الأمراض والأوبئة في ظل فقدان الدواء والمستلزمات الطبية، مع الإشارة إلى افتتاح العديد من المشافي، وعودة عدد قليل من الأطباء والممرضين والفنيين إلى الرقة، وهي لا تكاد تقدم إلا جزءاً يسيراً من الخدمة الطبية اللازمة لسكان الرقة الحاليين.
الاهتمام بمشاريع الترفيه والتغاضي عن تجارة وتعاطي المخدرات وانتشار زراعة الحشيش :
تشهد مدينة الرقة عودة الحياة لعدد من المقاهي، والتي يشمل عدد منها الخدمة النسائية، وانتشار ظاهرة الاتجار وتعاطي المخدرات، كما تشير بعض التقارير إلى اهتمام قوات سورية الديمقراطية بزراعة الحشيش المخدر، والإشراف على تجارة المخدرات بأنواعها من قبل بعض أمراء الحرب، المنضوين تحت لواء قوات قسد، إضافة إلى كل ذلك ما زالت قوى الأمر الواقع تقوم باعتقال المواطنين وترهيبهم، وسوق شبابهم إلى الخدمة العسكرية، كما تنتشر ظاهرة السرقة والسلب، دون أن يكون هناك رقيب أو حسيب.

بيئة زراعية لا تجد من يلبّي احتياجاتها ودعمها لإنهاضها :
المشاكل التي تواجه الرقة وأهلها لا تنتهي، وربما تأتي في مقدمتها المشاكل الزراعية، التي كان من الممكن أن تكون البيئة الصحيحة التي تنهض بالبلد، لكن مشاكل الري وآفات القطن، وفقدان المبيدات والسماد والبذار، وارتفاع تكاليف الزراعة، قضت على بصيص الأمل، الذي كان يعوّل عليه الكثير لإعادة الحياة إلى الرقة.
احتفالات بـ “التحرير” تغطية للإخفاق :

في ظل معاناة أهالي الرقة المريرة، دعت قوات الأمر الواقع إلى الاحتفال بمرور سنة على “تحرير” مدينة الرقة، وأوعزت إلى أصحاب المحلات بإغلاق محالهم للاحتفال بيوم “التحرير” المزعوم، وبدأت بواكير أعمالهم الاحتفالية بإقامة الحواجز وإغلاق بعض الطرق المؤدية إلى موقع الاحتفال، وكأن ما ينقص أهل الرقة ونهاية آمالهم باحتفالات خلّبية لا تضيف شيئاً إيجابياً لحياتهم القاسية، وما عليهم إلا التصفيق والتهليل للمحتل الجديد لمدينتهم المدمرة.
اترك تعليقاً