الرقة بوست ـ قاسم الهندي
من المتعارف عليه منطقيا، أن التعميم مشكلة معرفية، أي أن له علاقة بالبنية الفكرية، التي تجعل من الإنسان قادرا على إصدار مجموعة من الأحكام تعطي صفة المطلق حول مجموعة بشرية معينة،ليسهل على عقله تنميطها، و استدعائها متى شاء، دون الحاجة إلى تمحيص بهذه الأحكام. فالتعميم آلية يمارسها العقل ،تسهل عليه استصدار الأحكام، لكن دون تعقل ، لكن بالمقابل هناك سلوك عام لمجموعة من البشر، يعطيهم صفات متقاربة من بعضها ، ليصار إلى نعتها نسبيا باسم “هوية”، تعطيها”تمايزا” أيضا نسبي بالنسبة لمجموعات بشرية أخرى. و لا إشكال ضمن التمايز الاجتماعي بين المجتمعات ، فالهوية “التمايزية” لا تلغي هوية الآخر بل تؤكد أيضا على هذه “التمايزية ” لدى الغير. الإشكال هو في التميز و التمييز ،على أساس الهوية المختلفة أي المتمايزة عن الآخر. فالتمايز صفة المجتمعات المتحضرة و المنفتحة على الغير ،و التي لا تخاف من ذوبان هويتها أو تأثرها باحتكاكها مع الغير ،بل هي تبحث عن اغناء هويتها عن طريق هذا الآخر “المختلف” (المجتمعات الغربية عموما) . أما التميز و التمييز ) ، فهي صفة محصورة بالمجتمعات الضعيفة و المغلقة على نفسها ،بحجة “الخصوصية” النابعة من التميز و التي تؤدي إلى التمييز، فمثلا أكثر الأشياء خصوصية هي أكثرها عمومية، فالإسلام مثلا و رغم كل ما يطرح من خصوصية نحوه من جانب معتقديه الا انه يحمل في طياته رسالة عالمية لكل البشر و ليس لمعتنقيه فقط ، كما العروبة أيضا و خصوصيتها ،التي لم تغتني قبل التلاقح مع العديد من الثقافات (الرومانية و الفارسية و غيرها) ،لكن المجتمعات المغلقة عندما لا تستطيع التفاعل مع غيرها تنطوي على ذاتها، و تجتر من تراثها و تاريخها حتى ليتساوى لديها الماضي بالحاضر ،و يصبح المستقبل استعادة لماضي على شكل حاضر، و زيادة على هذا الاجترار التاريخي و التراثي تبدأ هذه المجتمعات بنسج توهمي لهوية “متفوقة” عما عداها من المجتمعات،عن طريق توهم خصوصية هوياتية بالأصل لا وجود لها، إلى أن يتضخم هذا التوهم بشكل متضخم ، يبتلع هذه الشخصية المعبرة عن المجتمع ،و يصبح هو المعبر عن هذه المجتمعات، و يصبح الشخص المعبر عن هكذا مجتمعات اقرب للمريض النفسي الذي يتباهي بهلوساته ،و يستهزئ ممن يلامس نقاط مرض هذا الشخصية المشوهة أخلاقيا. و ضمن التميز و التمييز ،تتربع المجتمعات العربية على قمة هرم التشوه الأخلاقي ،لكن بشكل متفاوت في هذا التشوه بين مجتمع و آخر(التفاوت لا يعني الخلو من التشوه)، و ضمن تميز و تمييز عالي الوتيرة، تعبر الشخصية اللبنانية عن درجة عالية من التشوه الأخلاقي باتجاه الآخر المختلف(الأقل سوءا في المجتمعات العربية ليس يعني انه ليس سيئا،و ربما الظروف لم ظهور هذا التشوه كما بدا واضحا و جليا في الشخصية اللبنانية)الشخصية اللبنانية ممثلة بالجيش اللبناني ، قبل أن تهين اللاجئ السوري ،هي شخصية مهانة أصلا في بلدها، كمعظم المجتمعات العربية.مهانة الشخصية اللبنانية من حزب الله في في استيلاءه على قرارات لبنان و اللبنانيين، و مهانة من تحالفات تجاوز اللبنانيين لتنفيهم عن لبنان،و لتعبر هذه التحالفات عن متعاقديها فقط، و الشخصية اللبنانية لا تشعر بالأمان ،فلا وجود لدولة ينتمي لها لتعبر عنه( و أن كانت إشكال باقي الدول في المجتمعات العربية شكلانية)، لكن في لبنان الانتماءات ما قبل الوطنية ،من تحاصص طائفي يتقاسم الدولة و يلغيها بنفس الوقت، إلى استشراء الفساد ، إلى توهم شخصية منتمية للغرب ، و منزعة من محيطها العربي ضمن هذا التوهم “الاستغرابي” على منوال استشراق،فلا هي صارت ابنة الغرب ، و لا عادت تمثل جزءا حيويا من محيطها، لتصير إلى شكل غائم الملامح و غير واضحه. لينتفي لبنان الوطن لدى الكثير من اللبنانيين كمفهوم سياسي قائم على المواطنة ، و ليستحضر بدلا منه لبنان خاص بداخل اللبناني، لا يمثل لبنان لكنه يتحد مع لبنانات كثيرة تميزية و تميزية ب،اتجاه الاخر لكنها لا تؤكد على لبنان الوطن . لتصبح اهانة اللاجئ السوري في لبنان انتصارا لذاك اللبناني “المتميز” باتجاه الاخر المختلف ، و النافي بنفس الوقت للبنان الوطن،هذه الاهانة هي رد فعل على اللا مقدرة و اللا فعل و اللا سياسة باتجاه لبنان قبل أن تكون موجهة للاجئ السوري، هي رد فعل طفولي يستشعر القوة باتجاه الأضعف ،لكنه يشيطنه (دعشنة و غيرها) كي يعطي نفسه كل مبررات الأذى ، باتجاه هذا الشيطان (ليس الضعيف) . و لم تخرج أيضا الكثير من ردود السوريين الرافضة للسلوك اللبناني ،عن طفولية و شيطنة متبادلة ، فكما تشيطن اللاجئين السوريين أيضا تشيطن اللبنانيين من قبل بعض السوريين ،فالتعميم بأن كل اللبنانيين سيئين ،بمقابل كل السوريين جيديين ،هذا تعميم خاطئ و لا يجوز،فهناك الكثير من اللبنانيين ممن دفعوا أثمانا باهظة بسبب مساندتهم للسوريين و لثورتهم ضد النظام ، و ضد ذراعه الضاربة في لبنان حزب الله في نفس الوقت. فان كان هناك من تعميم منطقي، و لا يدخل ضمن أشكال معرفي ،فهو بجمع كل السوريين و اللبنانيين بتعريف واحد ،و هو: أنهم الاثنين ظروفهم سيئة ، فطوبى لمن تحاوزها منهم.
اترك تعليقاً