أدرك أن ما هو أمامي شيء كريه جدا، لكن نادرا ما أشعر بمدى بشاعة ما أتعرض له.
لكن في يوم 4 يوليو/ تموز، فشلت آليات الدفاع العادية في القيام بعملها بسبب أحد مقاطع الفيديو.
فقد اصطفت فيه مجموعة من الأطفال المراهقين (يعرفون بأشبال الخلافة) أمام 25 من الجنود المقيدين الموالين للأسد وهم يجلسون القرفصاء. كان الأطفال يشهرون أسلحتهم الرشاشة في مؤخرة رؤوس هؤلاء الجنود الأسرى. وكانت منصة إعدام هؤلاء الجنود – على نحو تقشعر له الأبدان – المسرح الروماني في مدينة تدمر الأثرية.
أوقفت كالعادة مقطع الفيديو قبل البدء في قتل هؤلاء الجنود. لقد تعودت على العنف المفرط الذي يمارسه “الدولة الإسلامية”. لكن هذا الفيديو كان مختلفا، لأنه كانت توجد صورة معلقة في مكتبي، حيث أنجز أبحاثي، تصورني أنا والمرأة التي ستصبح زوجتي، وأبي، وزوجة أبي. التقطت هذه الصورة في المكان ذاته من المسرح الروماني في مدينة تدمر الأثرية قبل نحو خمس سنوات.
في ذلك الوقت، كنت أعيش في سوريا، وكان هؤلاء الأشخاص من أواخر من زارني قبل أن أغادر البلد، قبل انزلاقه إلى الحرب الأهلية. في ذلك الوقت، لم أكن أعرف ما الذي يخبؤه المستقبل لسوريا.
وأخذت، منذ ذلك الوقت، أركز اهتمامي على ما يجري في سوريا، وأدرس مسار الفصائل الجهادية. وعادة ما أنظر إلى الأماكن التي زرتها والمعالم الأثرية التي شاهدتها، والرهبة تحدوني بسبب الوحشية التي تميز هذه الحرب الفظيعة سواء في قلعة حلب، أم في مدرج بصرى الشام، أم في قلعة الصليبيين، التي لا تزال تحافظ على معالمها على نحو لا يمكن تصديقه، وقلعة الحصن. لم أر في حياتي شيئا يشبه عمليات إعدام فيها شماتة مثلما رأيت في مقطع فيديو تدمر. لم تكن المقارنة صارخة بين الأمس واليوم، كما هي الآن.
وفي الأيام التي أعقبت عمليات الإعدام في تدمر، لم أكف عن التفكير في ما حدث: في الأشخاص الذين أعدموا رميا بالرصاص، وفي الأطفال الذين استخدموا لإطلاق النار عليهم. وبالرغم من أنني كنت متأكدا من سبب إنتاج تنظيم “الدولة الإسلامية” لمقطع الفيديو، فإنني لم أكن أملك جوابا على السؤال بيقين كامل قائم على أدلة. ولذلك قررت أنني أحتاج – بالإضافة إلى الأبحاث التي أنجزتها – إلى توفر بيانات تساعدني على فهم كيف يفكر المسؤولون عن إنتاج الأفلام الدعائية في التنظيم.
وأردت أن أنغمس في عالم هؤلاء المسؤولين، وأنا مسلح بما أعرفه عن التنظيم، حتى أعرف لمن تنتج هذه المقاطع من الفيديو، وكيف يصور التنظيم نفسه فيها. نعرف أن أنصار التنظيم الذين يشاطرونه إيديولوجيته ينجذبون إليه ويشعرون بالامتنان بسبب نزعته العسكرية الطاغية والعنف المفرط في دعايته، لكن ماذا عن الأمور الأخرى؟ ماذا عن آلاف من المدنيين، رجالا ونساء وفتيات، غادروا منازلهم من أجل العيش في خلافة تنظيم “الدولة الإسلامية”؟
أول شيء قمت به، وأنا أدرك أن “الانغماس” سيستغرق الكثير من الوقت، هو أن أضع بعض القيود على عملي.
وقررت بداية أن أدرس مقاطع الفيديو التي أنتجت على مدى شهر واحد على الأقل بدلا من ترك الأمور مفتوحة بدون نهاية. ولهذا، عكفت، خلال شهر شوال أي لمدة 30 يوما، الذي بدأ – بحسب الرزنامة التي يعتمدها تنظيم “الدولة الإسلامية” – من 17 يوليو/ تموز إلى 15 أغسطس/ آب، ولمدة ساعتين كل يوم، على فحص المواد الإعلانية التي أنتجها التنظيم باللغة العربية على شبكة التواصل الاجتماعي، تويتر. وتنقلت بين مختلف أشكال الدعاية، مع استخدام الهاشتاغات التي لا تحصى كمفاتيح للإحاطة بجوانب هذه الدعاية.
وكان ما اكتشفته يبعث على الصدمة، ليس فقط بسبب الوحشية التي تنطوي عليها المواد الإعلانية. فعلى مدى 30 يوما، أنتج ونشر القائمون على الدعاية في تنظيم “الدولة الإسلامية” 1246 مادة منفصلة: مقالات معززة بالصور، ومقاطع فيديو، وبيانات بالصوت، ونشرات أخبار إذاعية، ومواجز أخبار مكتوبة، ومجلات، وملصقات إعلانية، وكراسات، ودراسات في العقيدة الإسلامية، وهلم جرا.
وبعدما صنفت النسخ المعدة بلغات مختلفة من المادة ذاتها (نشرات إذاعية ومواجز أخبار مكتوبة بست لغات)، كان هناك 892 مادة. وجميع هذه المواد الإعلانية أنتجت مع مراعاة أرقى درجات الجودة وأدق التفاصيل.
وكنت أتوقع الكثير من الجودة، لكن لم أتصور أن أصادف هذا الكم الكبير من التفاصيل والجودة. كنت حريصا على معرفة آراء خبراء آخرين في الموضوع. اتصلت بالسفير ألبرتو فرنانديز، المدير السابق لمركز الاتصالات الاستراتيجي لمكافحة الإرهاب، وهو فريق تابع لوزارة الخارجية الأمريكية متخصص في مكافحة دعاية تنظيم “الدولة الإسلامية” في الإنترنت. وكان رده سريعا، إذ قال إن الأمر “لم يشكل مفاجأة كبيرة بالنسبة إليه … أكثر مما توقعه”.
إنه مستوى مذهل من النشاط الدعائي، وربما لا مثيل له في أي حركة متطرفة تنتهج العنف أو أساليب أخرى.
وعكفت على تحليل البيانات بدقة كبيرة. في البداية، بدت كمية المواد الإعلانية المنتجة خلال شهر شوال مألوفة.
كانت هناك مواد رأيتها مرارا وتكرارا، مثل نشرات الأخبار المسموعة والمكتوبة التي تلخص الإنجازات العسكرية التي حققوها خلال اليوم السابق. وبدا أنها أعمال يومية تسير بطريقة منتظمة وسلسة. ثم هناك تركيز على تصوير حياة المدنيين والأعمال العسكرية وتصوير أنفسهم على أنهم ضحايا واستخدام العنف المفرط، وإيراد أمثلة على الرحمة وتصوير مشاعر الأخوة التي يقال إنها تسود بين المقاتلين الأجانب في تنظيم “الدولة الإسلامية”. وتبرز مواضيع، في بعض الأيام، أكثر من مواضيع أخرى.
وكانت هذه المواد الدعائية تؤكد في الغالب الأعم على فكرة المدينة الفاضلة وما فيها، مثل العدالة الاجتماعية، والاقتصاد، و”الصفاء” الديني، والتمدد المستمر “للخلافة”. وفي أيام أخرى، برز التدريب العسكري أكثر من غيره إذ انتشرت مقاطع فيديو ومقالات معززة بالصور تصور الحياة العسكرية للمقاتلين والاستعراضات العسكرية، إضافة إلى تصوير العمليات العسكرية.
وفضلا عن هذه الملاحظات الفضفاضة والسطحية، فإن المحتوى كان غزيرا جدا وعرضة للتغيير بحيث إنه تعذر العثور على خصائص مشتركة. مثلا، ففي يوم عادي نسبيا، وهو يوم 23 شوال، كان هناك 50 مادة دعائية متفردة. وشملت التقارير المصورة ومقاطع الفيديو تصوير هجوم لمقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” في شمال سوريا، ورثاء للقتلى في صلاح الدين (العراق). وأظهرت الصور التي تناولت “الظلم” نتائج “الضربات الجوية الصليبية الصفوية” في محافظتي الأنبار وكركوك بالعراق. وكان القائمون على الدعاية في التنظيم حريصين أشد ما يكون الحرص على تصوير أوجه الحياة “العادية”.
وأظهرت 32 مادة دعائية من بين 50 مادة أنشطة مدنية: ورشة تجصيص في الموصل، وصحف توزع في الفلوجة، وأرصفة توضع في تلعفر، ووضع خطوط هواتف في القيارة، ومصادرة وإحراق سجائر في الشرقاط وجمال ترعى في بير القصب.
إن تصنيف هذه المواد الدعائية تمرين لا نهاية له حقا. وبرزت مواضيع محددة وروايات رئيسية، لكن لم يكن بالإمكان رصد اتجاهات محددة إلا عندما شارف الشهر على الانتهاء. وتمكنت، آنذاك، من أن التقط سر الاستراتيجية الإعلامية لتنظيم “الدولة الإسلامية” المتمثل في “أنتج، أنتج، أنتج”، أي إنتاج مواد كثيرة بحيث يستحيل عمليا تتبع المسار العقلي لتنظيم “الدولة الإسلامية”.
ويحاول القائمون على الاستراتيجية الإعلامية في التنظيم أن يمنعونا من فهم ما يقومون به. فهم يغرقون الإنترنت بكم هائل من المعلومات، بحيث يتعذر فك شفرة الصنف الذي يبنونه. إنهم يحاولون إبهار خصومهم إلى حد الإرباك واجتذاب أنصار جدد ممن يحبون الاستطلاع ومن يسهل التأثير فيهم.
وبعدما تسلحت بالبيانات المستمدة من أنشطة شهر شوال وميزة استعادة أحداث الماضي، استطعت أن أشق طريقي وأرصد الاتجاهات. لقد تمكنت من فك خيوط متاهة هذا الخطاب الدعائي. وأدركت أن المشروع الذي بدأته في مجال التحقيق، محاولا استشراف طريقة تفكير مسؤول دعائي في تنظيم “الدولة الإسلامية”، تحول إلى شيء أعمق بكثير.
وعندما حصلت على الأرشيف المطلوب، أخذت في رصد الاتجاهات والأنماط والحالات التي تشذ عن القاعدة. ومن البداية، كانت الوحشية طاغية ولافتة. كنت أعرف من الأبحاث التي أنجزتها في الماضي أن تنظيم “الدولة الإسلامية” حريص على سمعته أكثر من حرصه على إراقة دماء أعدائه. لكن كان هناك غياب تام لهذه السمعة خلال الأيام الأولى من شهر شوال. وعند تأمل هذه التجربة، نعرف لماذا.
ويبتدئ شهر شوال باحتفالات عيد الفطر. وبطبيعة الحال، يرغب تنظيم “الدولة الإسلامية” – كما يبدو – في أن يبرز هذا العنصر. وأراد الفريق الإعلامي في التنظيم أن يظهر للمتلقي – سواء من يعيش داخل ما يسمى بـ”الخلافة”، أم من لا يعيش في إطارها أن “العيد بطعم الدولة الإسلامية” لا يمكن أن يقارن بأعياد الآخرين. وانصب التركيز على إبراز عنصرين في المدينة الفاضلة “للدولة الإسلامية” وهما تدين “مواطنيها” الذين يعيشون فيها، وحياتهم الاجتماعية.
وركز المسؤولون عن الدعاية في تنظيم “الدولة الإسلامية” على إبراز توزيع الصدقات على الفقراء في سوريا وليبيا. وأمضوا وقتا طويلا في التركيز على الصلوات و”الأجواء” التي تميز هذه الاحتفالات: أطفال يلعبون في ساحة ألعاب، ولعب وحلويات توزع على الأيتام، ومقاتلون في الخطوط الأمامية يرددون الأناشيد وهم يشربون الشاي ويضحكون. وبمناسبة العيد، أنتجت إذاعة البيان التابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية” برنامجا سألت فيه مارة “مختارين عشوائيا” بشأن تجاربهم في عيد الفطر التي كانت دائما تتسم بالبهجة.
ومع تقدم الشهر وانتهاء رمضان، يبدأ الانشغال بفكرة صلاة الكبار، ولعب الأطفال تتحول يوما بعد يوم إلى الاهتمام بالأمور العسكرية.
وتظهر المقالات المصورة، زراعة البطيخ، والصناعات اليدوية، والحيوانات البرية، والسجائر المصادرة، وتنظيف الشوارع، منشورة جنبا إلى جنب مجموعة أخرى من الصور تظهر مقاتلين يرتدون الأقنعة، وهم يطلقون قذائف الهاون في الهواء، ويفرزون أكوام القتلى من “الأعداء”، ويفتشون عن الغنائم.
وإضافة إلى تلك المقالات المصورة المدبجة بعناية فائقة (والتي توفر منها 696 مقالة)، نشر 64 مقطع فيديو تصور عن قرب وظائف مختلفة في “الدولة” في تنظيم “الدولة الإسلامية”، بدءا من إدارات مكاتب الزواج، والمخابز العامة، وحتى التدمير الذي لا هوادة فيه للمواقع “الوثنية” على أيدي الشرطة الدينية، والعقاب العلني المروع لأشخاص اتهموا بارتكاب “جرائم دينية” – في إحداها اتهم رجل بأنه مثلي جنسيا، فألقي من فوق سطح منزل، ثم رجمه جمهور من الناس، كانوا يتجمعون حوله، بالحجارة.
ومن بين كل مقطعَي فيديو يصوران الحياة المدنية، يوجد مقطع آخر يركز على الجانب العسكري لعمليات التنظيم: من قبيل تدريب المجندين على استخدام بنادق القنص، و”الشهداء” وهم يقرأون وصاياهم قبل تفجير أنفسهم بقليل، ومواقع العدو وهي تهاجم، في غارات صورت عناصرها بعناية فائقة.
ووسط هذا التلاحم بين الحياة المدنية والعسكرية، يركز مسؤولو الدعاية باستمرار على خطاب الضحية، فيعرضون بشكل روتيني صورا للقتلى، ومبتوري الأطراف من الأطفال، والنساء، وكبار السن، أمام آلات التصوير، من أجل تضخيم القيمة السياسية للأضرار الجانبية التي تسببها غارات العدو الجوية.
والصور في تلك التقارير – سواء أكانت تصور تبعات غارات النظام السوري الجوية، أم تلك التي ينفذها التحالف الدولي المعادي للتنظيم – تتسم باطراد بأنها مروعة، وهي تستخدم للتأكيد على شرعية وجود تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي أعلن الخلافة من جانب واحد، ولتبرير الجرائم المتعددة لأعضائه النشطاء.
وعلى عكس التقارير الكثيرة التي ظهرت في يوليو/ تموز، وادعت أن التنظيم يخفف من فظائعه، فإن شبح العنف المفرط لم يختف أبدا.
وبعد خمسة أيام فقط من بدء شهر شوال، نشر مقطع فيديو ظهر فيه جندي سوري من قوات الحكومة، وقد أُطلق النار على ظهره ثم ألقي من فوق حافة منطقة مرتفعة في حماة.
وبعد أربعة أيام ظهرت مقاطع تصور قطع رؤوس ثلاثة “جواسيس” في العراق، ثم نشر مقطع فيديو آخر بعد فترة قصيرة، يظهر مجموعة من “الأعداء” للتنظيم في أفغانستان وهم مقيدون، وقد قتلوا بواسطة متفجرات مدفونة أجبروا على الجلوس فوقها.
ومع توالي أيام الشهر، يتضح أكثر فأكثر الدافع وراء القتل الذي يرتكبه أعضاء التنظيم.
فقد أرسل تحذيرا محليا، وليس للمجتمع الدولي. وكان المستهدف بمقاطع الفيديو الخاصة بهذا التحذير هم الأشخاص المحتمل انشقاقهم، ممن يعيشون في الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم.
وكانت الرسالة المستفادة هي أنه لا تسامح: إذا أردتم التمتع بالمدينة الفاضلة للتنظيم، فعليكم أن تلتزموا بالقواعد، وإذا ساعدتم العدو فسوف تواجهون الموت بطريقة وحشية مروعة.
ومن المهم أن ندرك أن هذه التحذيرات لا تأتي إلا بقلة – صحيح أن مسؤولي دعاية التنظيم يسعون إلى تخويف وترويع الناس، لكنهم لا يريدون أن يُفقدوهم الإحساس بالمرة.
بل إنهم، كما يتضح، يسعون – ويحتاجون – إلى توصيل رسالة ذات أبعاد مختلفة، أكثر مما يمكن أن يحققه العنف وحده.
غير أن هناك شيئا لم أكن أتوقعه – يناقض تناقضا صارخا الأمور المعتادة التي لاحظتها خلال عام من إعلان التنظيم “الخلافة” – وهو أن وقتا قصيرا جدا كرس لنقل فكرتي الرحمة، والانتماء، اللتين ظلتا الدعامة الأساسية لدبلوماسية التنظيم على الملأ.
ولم يلفت مسؤولو الدعاية الانتباه، إلا مرتين فقط، إلى جذب المقاتلين الأجانب بوعود تتعلق بالعلاقات الحميمة، والصداقة. إذ إن التركيز الأساسي، بالنسبة للمجندين الجدد، هو الإغراءات الدينية.
ولم تحتل وعود العفو عن النادمين من الخصوم سوى نسبة ضئيلة جدا من إنتاج الشهر الدعائي – وهذه هي السياسة التي كثيرا ما يتباهى بها التنظيم.
ويشير هذا إلى أن مسؤولي الدعاية يصوغون رسالتهم بما يتناسب مع استراتيجية قيادة التنظيم المركزية، العريضة.
ولم يمر يوم واحد بدون إنتاج آلة الدعاية في تنظيم “الدولة الإسلامية” لمواد دعائية. وإذا أخذتَ الدعايات منفردة، وعلى حدة، فإنها لا تعني الكثير. لكنها إن أخذت ككل، فإنها تقدم لمحة شاملة عن الحياة في ظل التنظيم، حيث يوجد ما يرضي كل فرد: فالعقوبات الوحشية التي تطبق على الخصوم، ترمي إلى إرضاء المناصرين وترهيب الأعداء، وازدهار الزراعة والصناعة يرمي إلى إغراء من يسعون إلى الرخاء الاقتصادي، والتطبيق الحاد لقطع الأطراف، والرجم، وقطع الرؤوس، يهدف إلى جذب من يريدون تنفيذ القانون والنظام، ودع جانبا الجهاديين الأجانب الذين تدفعهم الأيدويولوجية إلى العيش في ظل تفسيرات للشريعة ترجع إلى العصور الوسطى.
ومع كل ذلك، فإن تصوير المناظر الطبيعية الجميلة، والحيوانات البرية، يهدف إلى رسم تصور للجنة. وأحد أكثر الأمور تأكيدا هو أن خلافة تنظيم “الدولة الإسلامية” شاملة لكل شيء.
وعندما قيّمت المواد التي جمعتها أدركت أن الدعاية في التنظيم لا تقتصر فقط على ترويجه في الخارج، وجذب أنصار جدد إليه، والحفاظ على المتعاطفين، وجلب المزيد من المتبرعين، بل إنها تسعى أيضا إلى الحفاظ على الصورة في الداخل أيضا.
لكن ضع نفسك في مكان أي مدني عادي يعيش في أي قرية أو مدينة من الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم. وإذا فعلت ذلك فستجد أنك لا تستطيع الوصول إلى الإنترنت، وإن تمكنت من ذلك أحيانا، فإن هناك مقاتلا من مقاتلي التنظيم يراقب كل حركة لك.
وليس هناك حرية معلومات في ظل التنظيم، ولا خطاب مخالف، ولا يوجد تحد للمعلومات السائدة، إذ ليس هناك أي شيء آخر إلا “الأخبار” التي يوفرها مسؤولو الدعاية، وتنشرها “نقاط الإعلام” المؤقتة المنتشرة عبر الأراضي.
وفي المنشورات التي توزعها تلك النقاط، ومقاطع الفيديو التي تبث عبر الشاشات الكبيرة، والبيانات والنشرات التي تتردد أصداؤها عبر مكبرات الصوت، تجد الصورة المثالية “للخلافة”، كما رسمها مسؤولو الدعاية، وقد تسمرت الجماهير لسماعها.
وهذا أيضا ما يحدث على الإنترنت.
لقد ركزت على الدعاية من أجل أهداف البحث، غير أن الدعاية، بالنسبة إلى كثير من أنصار تنظيم “الدولة الإسلامية”، هي سبيل الأخبار والمعلومات الوحيد.
أما وسائل التواصل الاجتماعي التي تعرف بغرفها الكبيرة المرددة للأصداء، فإن المطاف ينتهي بمستخدميها إلى اختيار كيان إلكتروني، لا يختلف كثيرا عن الآخرين من المستخدمين.
وعندما ترتبط تلك الوسائل الدينامية بالدعاية المسممة، مثل تلك التي ينتجها تنظيم “الدولة الإسلامية” فإنها تصبح أكثر قوة.
وعلى الرغم من إمكانية وصول أنصار التنظيم إلى أفكار أخرى مخالفة، فإنهم نادرا ما يبحثون عنها. فقد أصبحوا من حيث الأهداف والمقاصد مدمنين على نموذج التنظيم التسويقي.
لقد بدأت هذا البحث في يوليو/ تموز بهدف التوصل إلى سبر أعمق لاستراتيجية التنظيم في الدعاية. ومع ذلك فإن ما خرجت به كان شيئا آخر أكثر فائدة.
إذ إن النظرة الشاملة لما ينتجه التنظيم من إنتاج دعائي، حتى وإن كان خلال شهر واحد، مكنتني من تشريح وتقييم السبل التي يستخدمها التنظيم في عرض نفسه، في الداخل والخارج. ومع استمرار المشروع، والتسلح بمعرفة الصورة التي يسعى متخذو القرار في التنظيم إلى ترويجها، وتوقيت ترويجها، فربما يستطيع من ينخرطون في قتال التنظيم تحدي احتكاره للمعلومات بطريقة أكثر كفاءة.
تشارلي وينتر أحد كبار الباحثين في مؤسسة كوليام في لندن(<http://www.quilliamfoundation.org/>)
“bbc”
اترك تعليقاً