Views: 304 الذكرى العشرين لمعتقل غوانتانامو.. هل يُصلِح بايدن ما أفسده ترمب وأخفق فيه أوباما؟! – الرقة بوست-Raqqa Post

الذكرى العشرين لمعتقل غوانتانامو.. هل يُصلِح بايدن ما أفسده ترمب وأخفق فيه أوباما؟!

انطلقت حملة دولية تقودها منظمة العفو “أمنيستي” وغيرها من جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان، لتذكير العالم بمرور عشرين عاما كاملة على فتح أكبر مركز اعتقال في العالم وأسوئها سمعة “غوانتانامو”.

ففي الحادي عشر من يناير/كانون الثاني عام 2002، وبعد بضعة أشهر من وقوع هجمات 11 سبتمبر/أيلول التي أسقطت برجَي مركز التجارة العالمي في نيويورك وقتلت نحو ثلاثة آلاف في الولايات المتحدة، افتتح الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش معتقلاً داخل قاعدة بحرية عسكرية في خليج غوانتانامو الكوبي لاحتجاز أسرى ومعتقلي “الحرب على الإرهاب”.

غوانتانامو.. انتهاكات متواصلة

وشهد ذلك اليوم وصول أول فوج من نحو عشرين شخصاً نقلتهم القوات الأمريكية من أفغانستان وباكستان إلى “كامب إكس راي” (أو معسكر أشعة إكس)، وهي منشأة محصنة بأسلاك شائكة وأبراج مراقبة، استُخدمت لبضعة أشهر في احتجاز المعتقلين، قبل أن تُشيَّد لاحقاً منشآت اعتقال دائمة مجهزة بأحدث تقنيات المراقبة.

ومنذ نشر الصور الأولى للمعتقلين في ستراتهم البرتقالية معصوبي الأعين مصفَّدين بالأغلال داخل زنزانات أشبه بأقفاص الحيوانات، اقترن اسم غوانتانامو بأبشع الانتهاكات التي لا يمكن تصوُّر أن تُرتكب، برعاية قوة عظمى تتباهى بديمقراطيتها وتتشدق بالدفاع عن حقوق الإنسان في أنحاء العالم.

تقول الأرقام الرسمية إن إجمالي عدد من ضمَّتهم معسكرات خليج غوانتانامو (أشهرها معسكر دلتا المؤلَّف من 612 زنزانة تخضع لإشراف الشرطة العسكرية الأمريكية) بلغ 779 سجيناً على مدى عشرين عاماً، أغلبهم من العرب والأفغان والباكستانيين.

ووفقاً لأحدث تقرير صادر عن معهد واتسون الدولي التابع لجامعة “براون” الأمريكية، فإن تكلفة إدارة وتشغيل المعتقل المقدرة بنحو 540 مليون دولار “سنوياً” لا تشمل المصاريف السرية بما في ذلك أنشطة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) هناك، فضلاً عن تكاليف بناء المنشآت الجديدة.

ويعود تاريخ قاعدة غوانتانامو العسكرية إلى عام 1898 حين أنشئت على مساحة 45 ميلاً مربعاً، بعد سيطرة البحرية الأمريكية على الخليج الذي سُميت باسمه والمحاذي للسواحل الكوبية، في أثناء الحرب ضد “الاحتلال” الإسباني.

وعرفاناً بالجميل، وقّعَت حكومة كوبا مع واشنطن عام 1903 عقد إيجار لذلك “الجيب الجغرافي” داخل شطآنها إلى أجل غير مسمى، ثم عزَّزَته بمعاهدة في 1934 منحت الأمريكيين “حق امتياز” لا يمكن تغييره إلا بموافقة الطرفين. وترفض هافانا منذ عام 1960 تلقّي الإيجار السنوي الرمزي (نحو 4 آلاف دولار) الذي ترسله الولايات المتحدة، مطالبة باستعادة السيادة على أرضها.

“أغلِقوا غوانتانامو”.. حملة دولية

أما الحملة الإعلامية أو المسيرة الافتراضية التي تقودها المنظمات الحقوقية الدولية تحت شعار “أغلقوا غوانتانامو” فهدفها الضغط على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإغلاق السجن العسكري (بمنشآته المؤقتة والدائمة) الذي ما زال يضمّ بين جدرانه 39 معتقلاً مسلماً، أغلبهم لم تُوجَّه إليه اتهامات بصفة رسمية، وجميعهم لم يحظوا بمحاكمة عادلة.

بل وتكشف الأدلة القانونية أن العديد منهم تعرض للتعذيب بمعرفة السلطات الأمريكية، ومن بينهم ثلاثة عشر معتقَلاً لم تثبت إدانتهم قط، ومع ذلك فما زالوا خلف القضبان في انتظار ترحيلهم إلى بلدان أخرى.

ووفقاً لمنظمة العفو “أمنيستي”، فإن أحد معتقلي غوانتانامو “المبرَّئين نظرياً” مواطن سعودي اسمه توفيق نصار أحمد البيهاني (مواليد 1972م)، محتجز منذ 7 فبراير/شباط 2003، دون توجيه اتهام رسمي إليه. وقد أكّد تقرير لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأمريكي استخدام وكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه” أساليب التعذيب في أثناء استجوابه في أحد “المواقع السوداء” (السرية) التابعة للوكالة.

ويتّهم تقرير “المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان” الحكومة الأمريكية باختيار المعسكر المعزول جغرافياً من منطلق أنه الموقع الأنسب للتعامل مع المعتقلين “بعيداً عن أعين القانون”.

وكان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أصدر في اليوم الثاني من دخوله البيت الأبيض عام 2009 (خلفاً لجورج دبليو بوش) أمراً تنفيذياً بإغلاق غوانتانامو، لكن بقي التنفيذ حبراً على ورق، خصوصاً مع إقرار الكونغرس عام 2011 قانون “إجازة الدفاع الوطني” الذي يضع قيوداً صارمة على إمكانية السماح بنقل السجناء إلى بلدانهم أو إلى داخل الولايات المتحدة للمحاكمة.

ورغم محاولات أوباما التعجيل بالإفراج “استثنائياً” عن أكبر عدد من معتقَلي المعسكر في السنة الأخيرة من ولايته 2016، فقد كان فوز الجمهوري دونالد ترمب بالبيت الأبيض نهاية العام انتكاسة لتلك الجهود، وهو الذي تَعهَّد في أثناء حملته الانتخابية بإبقاء غوانتانامو مفتوحاً في زمن السلم وزيادة عدد المعتقلين وقت الحرب، ولم يُفرَج عن أي من السجناء في عهده.

وقُبيل إحياء الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر/أيلول في العام الماضي، وقّع عشرات النواب الديمقراطيين في الكونغرس رسالة جماعية تطالب الرئيس جو بايدن بالوفاء بتعهُّد إغلاق المعتقَل الذي وصفوه بـ”وصمة تلطخ سمعة أمريكا”. وكانت الحملة الانتخابية لبايدن (قبل أن يفوز على ترمب ويصبح رئيساً) ردّت على سؤال عن رأيه في غوانتانامو، ببيان جاء فيه أن بايدن “يؤيد إغلاق مركز الاعتقال لأنه يقوّض الأمن القومي الأمريكي ويتعارض مع قيم الدولة الأمريكية”.

لكن الواقع يقول إنه على مدى عام كامل في البيت الأبيض، لم يستطِع بايدن الإفراج إلا عن معتقل واحد من سجن غوانتانامو العسكري حين أعادت واشنطن في يوليو/تموز 2021 السجين المغربي الخمسيني عبد اللطيف ناصر إلى بلاده بعد خمس سنوات من توصية مجلس المراجعة الدورية بإخلاء سبيله.

ويتناقل الإعلام الأمريكي عن مسؤولين في إدارة بايدن بأنهم يعملون في هدوء وخلف الكواليس لتجنُّب “أخطاء وقعت فيها إدارة أوباما، وحالت دون إغلاق معتقل غوانتانامو”. ويمكن تفسير ذلك بأن مساعدي الرئيس يخشون من أن تعرقل المعارضة المتوقعة من أعضاء في الكونغرس -بمن فيهم أعضاء من الحزب الديمقراطي- خططَ إغلاق المعتقل مشروعات أخرى، مهمةً على أجندة بايدن يعتمد فيها على الأغلبية “الضئيلة” للديمقراطيين في مجلسَي الشيوخ والنواب.

وطبقاً لتقرير عن شبكة “إيه بي سي” الأمريكية فإن إدارة بايدن تأمل في “نقل عدد من معتقلي غوانتانامو إلى دول أجنبية، ومن ثم إقناع الكونغرس بالسماح بنقل البقية -بمن فيهم المشتبه بتخطيطهم لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001- إلى مراكز اعتقال داخل الأراضي الأمريكية، بعد إبرام “صفقات إقرار بالذنب” سيستمر بموجبها احتجازهم مدى الحياة، وتجنبهم عقوبة الإعدام”.

وقد ردّد أكثر من وسيلة إعلام أمريكية مؤخراً أن بايدن يعتزم تسمية “مبعوث خاصّ” من وزارة الخارجية للإشراف على إغلاق معسكر خليج غوانتانامو والتنسيق مع الكونغرس لرفع الحظر المفروض على نقل السجناء المتبقين فيه. لكن خطوة كهذه ستتطلب “إجرائياً” أن يُصدِر الرئيس “أمراً تنفيذياً جديداً” يقضي بإغلاق المعتقل، ما قد يعني تكراراً لسيناريو أوباما الذي انتهى “عملياً” بالفشل. فهل في جعبة بايدن ما يمكّنه من معالجة “عقلية الجلاد العسكري القديمة” على حد تعبير المحامية الأمريكية للمُسِنّ العراقي عبد الهادي الذي أصيب مؤخراً بالشلل، وما زال قيد الاعتقال في غوانتانامو منذ عام 2006، دون إدانة قانونية؟!

إن إغلاق معتقل غوانتانامو سيبقى تنفيذه معضلة “قانونية” أمام أي رئيس أمريكي، لأسباب تتعلق بتعقيدات “فنية” أقرَّها الكونغرس في عهد غالبيته الجمهورية. وهناك من يتحدث عن خلل “سياسي” نتيجة انقسام حزبي ومجتمعي متفاقم يَحُول دون التوافق على مخرج مقبول. لكنني أرى أن التكلفة “الأخلاقية” لازدواجية معايير عدالة العم سام الموثَّقة بالأدلة والشهود، والوصمة التي لطخت “صورة الديمقراطية” الأمريكية التي لا تكلّ المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام المستقلة عن إبقاء الضوء مسلطاً عليها في كل مناسبة، هي الأكثر إلحاحاً وضغطاً على واشنطن لإنزال الستار على فصل “عبثي” في رواية ميلودرامية فقدت -بمرور السنوات العشرين- الكثير من حماس جمهورها، في الداخل والخارج.

TRTعربي

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »