هيئة التحرير
يعاني مدنيو محافظة الرقة قسوة تردّي الحياة المعيشية اليومية في ظل راية قَسَد وقوانينها السارية كقوة أمر واقع، ولا يقتصر الأمر على غلاء المواد الأساسية للاحتياجات اليومية أو فقدانها، أو عدم القدرة على تأمينها لقلّة أو انعدام الموارد الاقتصادية، بل إن استشراء الفساد في كل مناحي الحياة، واستقواء الإدارة على الناس الذي أدى إلى سياسة تمييزية واضحة، كان لها أثرها في شدة المعاناة وعمقها واستمرارها، وهو ما ينعكس بوضوح في التململ الذي تشهده المدينة بين الحين والآخر، وقد تجلّى، خاصة، في رفض التجنيد الإجباري والاعتقالات العشوائية، بالإضافة إلى اختراقات عديدة أو تسيّب أمنيّ أودى بحياة أحد شيوخ العشائر البارزين، وكثير من المدنيين. وفي مواجهتها لهذا الوضع كانت سياسة غضّ البصر عن تجارة الحشيش والمخدرات بأنواعها، والإهمال المتعمّد في إعادة ترميم البنية التحتية لمدينة دمّرها التحالف الدولي وقسد بدعوى محاربة داعش والإرهاب. ولم يقف الأمر عند ذلك بل تعدّاه إلى إغراق السوق بالمواد الإيرانية عبر كوردستان العراق، لتكون بذلك سمساراً لإيران، ومتنفّساً للعقوبات المفروضة عليها، إذ تفتح الباب لمختلف البضائع والسلع، ورواج التهريب الذي يعدّ أساس اقتصاد الحرب، في الوقت الذي هي سمسار للنظام في صفقات تجارة النفط والمحاصيل الزراعية والسلع المختلفة.
ولأن السمسرة والابتزاز عنوان قسد الدائم؛ فإنها ما انفكت تقايض مواقفها بمزيد من الارتهان لما يُحاك للشمال وشرق الفرات، ففي مواجهتها داعش تبتزّ الأمريكان بداعي التحرّش التركي بمواقعها، فتعلن امتناعها عن متابعة التصدي لداعش لتحصد تفاهماً مع أمريكا لإقامة نقاط تفتيش ومراقبة على الحدود مع تركيا، وتدريب 30ألف مقاتل تحت إمرتها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تعمل سمساراً للنظام، إذ أعلن مجلس سورية الديمقراطي “مَسَد” ذراع قوات سورية الديمقراطية “قَسَد” عن ترتيبات تجري لعقد مؤتمر سوري ثان في عين عيسى في 28 و29 من الشهر الحالي بمشاركة ممثلي كتل سياسية رئيسية لبحث الواقع الاقتصادي والسياسي ودور المرأة والمفاوضات وتصورات سورية المستقبل! ولأن السمسرة بلا حدود، فليس غريباً أن تكون ” PYD” سمساراً للروس وإيران والحشد الشيعي وداعش أيضاً.
إن الموقع الجيوسياسي للرقة يفرض على القوى المتصارعة في كل المنعطفات الهامة في القضية السورية الالتفات إلى الرقة وعقد الصفقات حولها، والتفاهمات والتحالفات المرحلية بانتظار نضج الظروف الدولية، وتقاسم المواقع وتبادل المنافع، قبل فرض الحل على الجميع في القضية السورية، ولهذا ستبقى سوقاً لا للسمسرة التجارية وحسب بل سوقاً للسمسرة السياسية.
وأخيراً.. لا بد أن نلامس الحقيقة التي لا مفرّ منها، ونسأل مع المتسائلين: أين أهل الرقة وأبناؤها عمّا يجري؟ أليس من أضعف الإيمان وجوب فضح النخّاسين والعمل على الاستعداد لمواجهتهم قبل فوات الأوان؟
اترك تعليقاً