Views: 127 الرقة: قبرك تحت قدميك – الرقة بوست-Raqqa Post

الرقة: قبرك تحت قدميك

في حادثة هي الأولى من نوعها، أسقطت القوات الأميركية طائرة سوخوي لقوات النظام كانت تحلق على أطراف مدينة الطبقة، ليل الأحد/الإثنين، واندلعت بعدها اشتباكات عنيفة بين قوات النظام ومليشياته و”قوات سوريا الديموقراطية” المدعومة أميركياً، على تخوم قرية الرصافة جنوبي مدينة الطبقة. وذلك، بعدما سيطرت مليشيات النظام، خلال الأيام الماضية، على عشرات القرى في البادية السورية بالقرب من الطبقة، قادمة من ريف حلب الجنوبي. وقال نائب وزير الخارجية الروسية لوكالة “إنترفاكس”، الإثنين، إن “إسقاط الولايات المتحدة لطائرة حربية تابعة للحكومة السورية خطوة صوب تصعيد خطير”، وأضاف أن موسكو تحذر واشنطن من استخدام القوة ضد قوات الحكومة السورية”.

وأصبحت بذلك مليشيات النظام على بعد 5 كيلومترات من مطار الطبقة، من جهة الجنوب، وهو الذي اتخذته القوات الأميركية قاعدة عسكرية لها. اشتباك “قسد” وقوات النظام بعد تدخل أميركي مباشر، زاد من تعقيد المشهد العسكري السوري على أطراف البادية، حيث تنظيم “الدولة الإسلامية” ما زال حاضراً.

وفيما تزداد معركة السيطرة على الرقة عنفاً ودموية بعد تقلّص المساحة الجغرافية لسيطرة التنظيم، أصبح حساب التقدم يُقاس بالساعات لا الأيام؛ فقد خسر التنظيم 5 أحياء من أصل 26 حياً يسيطر عليها في الرقة، لتصبح المساحة المتبقية للتنظيم داخل المدينة أقل من 20 كيلومتراً مربعاً. وتحاول “قسد” و”قوات النخبة” قطع المدينة من جهة الشمال لعزل “الفرقة 17” بعد أن فشلتا في السيطرة عليها. “قوات النخبة” كانت قد وقعت في كمين نصبه التنظيم عند باب بغداد الأثري، السبت، ما أودى بحياة عشرات المقاتلين. كما استشرس التنظيم مؤخراً بالدفاع عن المدينة، مستخدماً العربات المفخخة والأحزمة الناسفة بالإضافة إلى الانغماسيين الذين تسللوا إلى ضاحية السباهية، قبل يومين، وأوقعوا قتلى في صفوف “وحدات حماية الشعب” الكردية قبل أن يتدخل طيران “التحالف الدولي” لمساندتهم ورد الهجوم. “قسد” قامت بعد ذلك بالانتقام، عبر قصف المدينة بشكل هستيري ووحشي وعشوائي، ومن دون تمييز، بمساعدة طيران “التحالف” الذي بات يقصف أي جسم يتحرك داخل المدينة. وأصبح الدمار جلياً في أحياء الرقة، حتى قبل أن تبدأ عملية اقتحامها.


(المصدر: LM)

التقدم الأهم كان الأحد، إذ جرت اشتباكات عند اطراف فرع “أمن الدولة” بعد طرد التنظيم من مرآب “شركة التعمير”، لتدخل الاشتباكات حي الدرعية الذي يحوي مساكن وأبنية طابقية، وهو من أكبر أحياء المدينة.

وتمتد خطوط الاشتباك الحالية من الجهات الثلاث للمدينة، وتترسم على طول الاوتستراد “المحلق الدائري” الذي يلف المدينة من جهاتها الثلاث. أما الجنوب حيث نهر الفرات، فقد أصبح قاب قوسين أو أدنى من الحصار، بعدما تقدمت “قوات مجلس منبج العسكري” و”وحدات حماية الشعب” من قرية “كسرة شيخ الجمعة” في الجنوب الغربي، لتصبح على مسافة أقل من كيلومتر واحد عن مدخل المدينة “المقص”. وفي حال تمت السيطرة على “المقص، كما هو متوقع، فيكون الطوق قد اكتمل حول المدينة، وأطبق على مقاتلي التنظيم داخلها.

من جهته، لا يبدو التنظيم مكترثاً لهذه االمسألة، فقد حسم أمره بالقتال حتى النهاية، متبعاً سياسته في حرب الكمائن والأنفاق لاستنزاف خصومه وتأخير تقدمهم. “التحالف الدولي” أيضاً حسم أمره بتدمير المدينة على روؤس أهلها، وذلك للقضاء على التنظيم والحرص على عدم ترك أحد منه يخرج من المدينة حيّاً. ويبدو أن قرار “التحالف” قد اتخذ بعد فشل المفاوضات الجارية لتسليم المدينة، ويضاف إلى ذلك العرقلة الروسية لخروج المقاتلين عبر “تسوية” ما، وأيضاً لعدم رغبة الروس بإضافة عبء جديد بقتال عناصر “داعش” المنسحبين من الرقة، في البادية مترامية الاطراف.

وفي الأحياء والقرى التي سيطرت عليها “قوات النخبة” و”قسد”، فقد عاد بعض الأهل لتفقد بيوتهم بعد السماح لهم بدخولها، وقد أكد عبدالله، لـ”المدن”، أنه عاد إلى بيته في حي المشلب الذي تسيطر عليه “قوات النخبة” فلم يجد شيئاً من أثاثه. وتكررت حالات النهب التي تقوم بها “قسد”، واحتج الأهالي في مزرعة حطين شمالي الرقة بعدما عادوا ليجدوا أن بيوتهم قد نهبت عن آخرها. وتبادلت “وحدات حماية الشعب” و”قوات الصناديد” التابعة للشيخ حميدي دهام الجربا، الاتهامات بالسرقة والتشليح، عبر مقاطع مصورة، بثها الحليفان.

في قرية حاوي الهوى، وردت معلومات موثقة بالصور، عن اقتحام البيوت الخالية من السكان، واستخدامها كثكنات عسكرية بعد نهبها.

وفي داخل الرقة المحاصرة، انقطعت المياه بعد استهداف الطيران للخط الرئيسي، ولجأ الأهالي إلى الآبار للتزود بماء الشرب. وتغط المدينة في الظلام، فلا كهرباء منذ 25 يوماً ولا وقود لتشغيل المولدات، وسط عجز كبير للكادر الطبي بعد النقص الهائل في الأدوية والمواد الإسعافية، في ظل وجود أكثر من مائة حالة مرضية مزمنة وأخرى جراحية خطيرة، تستوجب علاجاً خاصاً، كحالات فقد الأطراف. التنظيم ورغم انحسار سيطرته، ما زال يعربد، وفرض على مكاتب الصيرفة تسليم الحوالات بـ”الدينار الاسلامي” الذي يُعادل بحسب تسعيرة التنظيم 155 دولاراً، بينما هو بالحقيقة لا يساوي إلا قيمته التذكارية من حقبة سوداء مرت على المدينة. وساهم ذلك في توقف تدفق الحوالات من الأهالي خارج المدينة لذويهم المُحاصرين، لمساعدتهم على الصمود أمام الجوع والموت.

أحد السكان المُحاصرين داخل المدينة، قال لـ”المدن” إن أغلب مقاتلي التنظيم المحليين هربوا، ولم يبق منهم إلا القلة، ويخوض المعارك الحالية المقاتلون الأجانب. وأضاف أن بعض المهاجرين أو أبناءهم من الفتية، يطلقون من بين الأحياء المُحاصرة، طائرات من دون طيار، للقصف أو التصوير، و”ما هي إلا لحظات حتى تزمجر فوق رؤوسنا الاباتشي وتنهمر فوقنا القذائف، فنغادر بيوتنا إلى حي اخر هاربين، ليتكرر المشهد ذاته، وهكذا ضمن لعبة العبث هذه”.

وانتشرت في المدينة “فيالق” من “العسس” والمخبرين و”المؤمنين”، للتجسس وجمع الحسنات والأمر بالمعروف في شوارع فارغة إلا من الموت وعشوائية القصف. وقد شوهد “أبو البراء” التونسي، يجر سبيّة مقيدة بالسلاسل خلفه، من بيت الى آخر، أكثر أمنّاً.

الدفن في المقابر أصبح ترفاً، بعدما تحولت الحدائق والساحات إلى مدافن، وبعدما فاضت المقابر بالقتلى وصار الوصول إليها مستحيلاً لانهمار القذائف المتواصل. القتيل بات يدفن حيث يقف، لصعوبة نقله. وقد وردت معلومات مؤكدة عن دفن أشخاص داخل حدائق منازلهم، بلا مشيعين، ولا شواهد، ولا صلاة وتراتيل.

وبات حال الرقة كارثياً؛ إن بقيت في بيتك قُتلت، وإن هربت قُتلت، وإن عبرت النهر قُتلت. فلم يترك العالم لهذه المدينة المسكينة إلا عزف القذائف، ونواح النائحات، والموت المتربص بالجميع.

عبد القادر ليلا – المدن


Posted

in

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »