ماجد رشيد العويد
لم تكن الرقة يوماً مدينة محافظة، وبالمقابل هي من أكثر المدن تمتعاً بحس شعبي أصيل أضفى على فكرة التدين ليونة قلّصت المسافة ما بين الرّقي ودينه، وبينه وبين الآخرين. حال هذه المدينة لا يحتمل، مجرد الذكر، فكرة الدعشنة، فكيف بها تُقسر على احتضانهم لتتهم فيما بعد بما ليس فيها.؟
أيضاً، عُرفت الرقةُ على مدى تاريخها المعاصر باحتضان السوريين من كافة المدن. مدينة مفتوحة لا تسكنها عقد بعض المدن، ولعل هذا من الأسباب التي جعلتها في بؤرة تفكير النظام، وغيره من صانعي داعش.
بالعودة الى عام 2013 و”تحرير” الرقة يرى من عاش تلك الأيام، وإلى حين سيطرة الدواعش على البلد، أن نهج الكتائب لم يكن نهج تحرير بقدر ما كان يمثل فكرة الغزو في أبشع تجلّ لها. ساعد هذا على جعل المدينة لقمة سائغة لداعش.
اليوم يندحر داعش على أرضها. ثمة قوتان تحاصران المدينة، من جهة الغرب والشمال قوات قسد، ومن جهة الشرق قوات النخبة التابعة لتيار الغد برئاسة أحمد الجربا. في الأفق أهداف متباينة للقوتين المحررتين، وعلى الأرض تسعى أطراف إقليمية ودولية لتمكين غاياتها، وتنشيط أهدافها.
قوات النخبة تسعى لتمكين وجودها في منطقة الجزيرة باتجاه الهدف البعيد رئاسة سورية، ولا بأس من استراحة مؤقتة بصناعة إقليم يدار مع الكرد الذين يحلمون باستقلال وهمي تعارضه قوى إقليمية من مثل تركيا التي تسعى بدورها لحيازة شرق الفرات مع غربه منعاً لقيام كيان كردي على حدوها. روسيا بدورها مع إيران والنظام السوري تسعى إلى التدخل من بعيد بقصد المقايضة أرض بأرض.
ثمة أوجه متعددة للصراع تشرف عليها أمريكا بشكل مباشر وغير مباشر. الذي يدفع ثمن هذا الصراع، وهذه الرغبات هم أهالي الرقة، حيث التدمير الشامل لبنيتها التحتية، مع قتل المدنيين وتدمير منازلهم. ثمة أيضاً ما يخشى منه، وهو نشوء صراع كردي عربي في المحافظة، وتعمل قوى إقليمية ودولية على إدارته خدمة لأهدافها المختلفة. هذا إلى جانب بقايا مؤمنة بنظام الأسد ستعمل بدورها على تأجيج الصراع ما لم تتحقق مصالح نظامها على الأرض أو في مكان آخر من سوريا.
هذه الانتقالات من نظام استبداد بلبوس علماني، إلى آخر مستبد وحشي خرافي بلبوس ديني إلى ساحة أخرى مفتوحة على صراعات جديدة ذات طبيعة قومية تشير إلى أن الرقة، وإن اندحر داعش قريباً، تنتظر احتلالاً جديداً، وحياة ضنك أخرى بمسميات مختلفة، وسيظل حالها كذلك إلى حين وضع سورية على درب الحل.
بالطبع ليس في الأفق ما يشير إلى هذا، فمصالح الدول غير ناجزة الآن، وهذا ما يعزز فكرة أن الرقة مفتوح بابها للمليشيات، وعلى أرضها ستنشأ صراعات أخرى.
اترك تعليقاً