محمد صبحي
تشكل الظاهرة العنيفة بشقيها الفكري والسلوكي محوراً رئيساً يوجه النظام الاجتماعي والسياسي، الملازم قديما وحديثا لحياة الشعوب في الشرق، والذي مازال ينظمها (دولا ومجتمعات) في دورة من الصراع العنيف.
إن أهم الأخطار التي تهددنا باعتبارنا نعيش في هذه البقعة من العالم، هي حيازة الأنظمة المتعاقبة على وسائل وأدوات ذلك الصراع وقدرتها على تسخير وعي قاصر لدى مجتمعاتنا وزجها في كل مرة لخدمة الأنظمة وبنيتها التقليدية كما تواجه الأنظمة في المنطقة تحديات وإشكاليات العولمة الاقتصادية والثقافية ومقتضيات الحداثة التي فرضتها حركة المجتمعات في أنظمة الغرب ومحاولات العبور لهذا التأثير على مجتمعات الشرق.
إن أول رد فعل عنيف تواجه به مجتمعات الشرق هو محاولة منعها من التغيير وتجريمها عندما تبادر إليه وهو الرهان الذي خاضه السوريون منذ العام 2011م
استمرت مشروعات التغيير في سوريا بالتجدد عبر أطوار وتعبيرات عنيفة لدى أطراف النزاع حاكماً ومحكومين، وأوصل هذا النوع من النزاع المعارضة المسلحة والنظام إلى ترويج فكرة الاستباحة للدولة السورية ومؤسساتها والمقدرات الاقتصادية بغية التمويل لهذا العنف المسلح.
تلمست الواقع السوري، أطراف ذات فاعلية ونفوذ دوليين بمفاعيله وتناقضاته الجديدة، ثم أمسكت تاليا بحلبة الصراع الذي أخفى وراءه خارطة النفوذ والمصالح والشراكات وادارتها من خلال حلفاء محليين أمسكوا تلابيب الواقع المحلي بإحكام شديد.
تعتبر محافظة الرقة إحدى دوائر الصراع في المنطقة حين تلتقي فيها محاور وأحلاف دولية طرحت من وجهة نظرها عدة مشاريع لإدارة الرقة، خدمة لمصالحها من جهة، والتهيئة لإيجاد أرضية مشتركة تستوعب الجميع وتزيد من فرص الاستقرار لمجتمع عانى ما عاناه خلال سنوات ماضية قاربت على عقد من الزمن، تخللها الكثير من القصف العشوائي والتطرف، والموت، والانتهاكات الحقوقية، والتخريب والفوضى، والدمار. ولم يعد بإمكان المجتمع سوى الركون لأي بارقة أمل يمكن أن تبث فيه شيئا من التنظيم والإدارة وإمكانية العمل على استثمار الموارد المحلية لخدمة المجتمع فيها.
بعد خروج التنظيم (داعش) من المحافظة، تدخلت العديد من الوكالات الإنسانية والدولية وصممت مشاريع الاستجابة الأولية، فدعمت القطاع الإنساني، والخدمي، والصحي، والتعليمي، بالتعاون مع فرق ومنظمات محلية، لكنها ماتزال غير كافية، وهناك أصوات كثيرة من المجتمع مازالت تقول: أن فرص الاستقرار، والسلم الأهلي في المحافظة مهددة، ولا تكتمل إلا إذا توفرت آليات مقنعة من العدالة الانتقالية، والمشاركة السياسية الواسعة، والضغط على أطراف النزاع لنزع أي فتيل أو انفجار يمكن أن يقود إلى عنف جديد قد يوسع دائرة التهديد وضرب الأمان في المجتمع المحلي كشرط رئيسي في الاستقرار.
وإذا كانت الرقة والحالة هذه فإن سؤالا ملحاً قد يطرحه الكثيرون. أما ضروراته ومبرراته، فهو الغموض الذي يكتنف الحالة السورية بالعموم، وهل الحلول التفاوضية تتضمن فعلاً على حلول انتقالية من شأنه أن تنهي النزاعات في كامل سوريا، وكم سينتظر مجتمع الرقة ومكوناته الأهلية والسياسية من الوقت لإنجاز حلول سوريا التفاوضية خاصة وأن طاولة المفاوضات في جنيف تشي بالكثير من التعثر والفشل في تقديم الضمانات لهذه المحافظة وغيرها من المحافظات السورية بحلول جديرة على إنهاء فوضى السلاح وفوضى الإدارة والتنظيم في سوريا لتستقر حالة الدولة السورية الجديدة ؟؟!!.
ما يقلق الكثيرين من أوساط المجتمع السوري ومنه المجتمع المحلي في الرقة أن صيغ التفاوض وآلياته مازالت قاصرة عن إنجاز الحلول العامة وتحتاج لكثير من الانتظار والوقت، مما يجعل دوائر محلية، أصبحت تقتسم النفوذ على الجغرافيا السورية، إعطاء ذاتها الحق في تنظيم وإدارة المجتمعات في مناطق النفوذ اعتمادا على غطاء دولي أو إقليمي في الإسناد العسكري والدعم والمتابعة الادارية لتطورات الحالة.
طرحت الإدارة الذاتية في الرقة نفسها أسلوبا لتقرير مصير المحافظة إداريا وسياسيا بديلا عن النظام بشكلها المستقل، مع ترك باب التفاوض مع النظام والمعارضة موارباً لإنجاز شكل نهائي ينظم علاقتها بالجوار والمركز دون الرجوع إلى المركزية التي كان النظام فيها تلك المناطق.
هذه الآلية الذاتية في التنظيم السياسي والإداري تشير إلى فشل النمط التفاوضي القائم بين النظام والمعارضة كطرفي نزاع يسيطران على جغرافيا محددة ليبرز فيما بعد بديلا عنه نمط جديد يعطي للأطراف الداخلية الفاعلة في مناطق النفوذ السورية القدرة على إنجاز حلول تفاوضية على الأرض تجمع بين النظام ومعارضته في غرب الفرات والإدارة الذاتية في شرق الفرات كطرف ثالث خاصة وأن ملامح المنطقة الأمنية التي تنهي النزاع بين الإدارة الذاتية والجانب التركي باتت واضحة وهي ذات مفاعيل سلمية يمكن أن تساهم باستقرار الرقة إن استطعنا الادراك الجيد للوقائع السياسية، وفهمها جيدا ثم التعاطي معها من خلال ضماناتها الدولية والإقليمية والمحلية بذلك فقط نحسن شروط الاستقرار في الرقة دون اللجوء لحروب جديدة قد تكون مجرد هدرا للوقت والطاقات معا.
اترك تعليقاً