هيئة التحرير
لعلّ ما يؤكّد تعاظم دور القوى الإقليمية في إنجاز اختراق ما في الملفّ السوري يمكن استثماره في ظل الإستراتيجيات الدولية المتصارعة، ما يجري في شمال و شرق سورية، وتحديداً ما يُحضّر لمحافظة الرقة التي أضحت؛ بسبب تناقض وتقاطع المصالح الإقليمية والدولية، المحطّة الأهمّ في تطور مآلات الوضع السوري، لذلك تعمل القوى المتصارعة على تحقيق مكاسب أخرى مستثمرة أوراقها في “شرق الفرات” من الساحة السورية.
ولايغيب الدور الأمريكي والدور الروسي بعد التصعيد التركي الأخير قولاً وفعلاً، إذ عبرت تركيا عن استعدادها لعمليات عسكرية شرق نهر الفرات، وترى أن اتفاق منبج يشتت انتباهها عن مستنقع الإرهاب، وأنها خسرت من الوقت في منبج ما يكفي، وفي الوقت ذاته تمّ تسيير الدوريات المشتركة تنفيذاً لاتفاق منبج، الذي يعدّ إقراراً لأولويات تركيا الأمنية، التي ترى في ذلك وضعاً جديداً له هيكلية سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية لكيان على حدودها برعاية أمريكية، وخمسة نقاط مراقبة ودوريات مشتركة مع قسد، وهو ما يفسّر شغل تركيا على حشدٍ عسكري من فصائل الجيش الحرّ تحت إشرافها،وحشد مناصرة من المجتمعات المحلية العشائرية أو امتداداتها في تركيا؛ لتفعيل دورها المرتقب.
لن تكون عملية تركيا إلا محدودة- إن وقعت- ولغاية استثمار سياسي مزدوج، تحقق من خلاله صفقات عدّة، منها إضعاف سيطرة منظمتي الإرهاب ( PYD – PKK ) على منطقة ذات موقع جيوسياسي مهمّ في الصراع على سورية، وهي كذلك تدرك أن الإستراتيجية الأمريكية في مواجهة المدّ الإيراني لن تنجح دون الدورالتركي، بالإضافة إلى معرفتها عميقاً لإرادة الروس دفعها وتشجيعها بغية عرقلة المسعى الأمريكي في القضية السورية، وبذلك تكسب من تنافس القطبين وتحسّن مواقع نفوذها في سورية الجديدة، وتضغط على الجميع للإقرار بدورها، وتنفيذ طلباتها، وهو مانجده من تمهّل الروس والإيرانيين في إدلب، وتحريك الأمريكان لملفّ غولن، وهو ماتعرفه قسد ( PYD) التي ترى سرور الروس من التهديدات التركية، وتشجب تخاذل النظام في الدفاع عن حدود سورية!
فالرقة لن تغيب عن صراع الإستراتيجيات حولها، وتحديداً الأمريكية؛ إذ لا يمكن أن يتحقق من دونها القضاء على داعش، و تقليم أظافر إيران، والضغط على النظام، وتحجيم الامتداد الروسي ودوره، فهي حجر الزاوية في تحقيق التوازن بين مختلف القوى المتصارعة التي تعمل على حشد قواها واستطالاتها إثباتاً لقدرتها على الكسب الأكبر، وهذا ما عبّرعنه تحذير الاتحاد الأوروبي من مغبّة قيام تركيا بعملية “أحادية الجانب”.
في الفترة القادمة ستكون الرقة نقطة استقطاب مركزية، إذا ما بدأ زحف الشمال صوبها، وماسيحدث حولها من توافقات إقليمية ودولية، يقتضي اليقظة وإعمال العقل، والعمل بعيداًعن الارتهان لأجندات لا تعرف غير مصالحها، في ظلّ تغييب أهل الرقة وأبنائها وقواها الفاعلة.
اترك تعليقاً