هيئة التحرير
ليس صدفة أن تتحرّك القوى المتصارعة بتوقيتات متقاربة صوب شرق الفرات، وليس اعتباطاً رهان البعض على تحقيق نصر ما، أو انزلاق تجاه مكسب من هذا الطرف أو ذاك في حلبة الصراع. فالكلّ يعمل لتكون له موطئ قدم، يقايض مع المقايضين في بازار لمّا ينتهِ بعد. نقول بازاراً؛ لأن مَن يدفع المال يُؤتى إليه بسلعته حسب الطلب، فهو الداعم، أي الطاعم الكاسي، و المسلّح المذخّر، و الحاكم المخطّط.
فما هدف تردّد ترامب وتحالفه في شمال شرق سورية، سوى ذرّ رماد في العيون، بل بالونات اختبار لترسيم طريق تحقّق لهم رغائبهم. إذ عبّر عن ذلك أخيراً بالقول والفعل: ( أنهت الولايات المتحدة الدفع السنوي المثير للسخرية بقيمة 230 مليون دولار لسورية. ستبدأ المملكة العربية السعودية والدول الغنية الأخرى في الشرق الأوسط في سداد المدفوعات بدلاً من الولايات المتحدة ). ويلحق ذلك بتعيين مبعوث خاصّ “روباك” يُطمْئِن قسد، ويؤكد بقاء أمريكا في سورية، ثم يسارع بومبيو بتعيين “جيمس جيفري” مستشاراً للتسوية في سورية، فيما الفرنسيّون والطليان يدفعون بقواتهم ومستشاريهم على الأرض حول النفط والغاز، والخليجيون يتدافعون لدفع ما عليهم دفعاً لبلاء قد يصيبهم. أمّا على المقلب الآخر فضخّ الدعمّ ليس دولاراً وحسب، بل أوهاماً يرونها قابلة للتحقيق؛ فما انفكّ الأتراك يناورون لحيازة ما يريدون حماية لحدودهم، ويتشبّثون بضمّ الرقة إلى منطقة نفوذهم، ولو تعهداً استثمارياً طويل الأجل، فيما الإيرانيون يطمحون للوصول إلى نقطة ارتكاز مرتَسم هلالهم العتيد، نشراً لوهمهم الفارسي، وتوسيعاً لانتشار حسيّنياتهم. وعلى المقلب الثالث تجد النظام وميليشياته رأس حربة لداعميه الروس يتحرك بمشيئتهم، ويترجم إستراتيجيتهم فعلاً لا قولاً. وبين ذا وذاك وذلك تُدعم قسد بالمال والسلاح والمستشارين والخبراء و”المخبرين”، وتُغطّى سياسياً تثقيلاً لدورها ورقة ضغط في مواجهة كافة الأطراف. فتفاهمات قسد والنظام في اجتماعهما العلني السابق أظهر سلوكات جديدة في الرقة من اعتقال وسرقة وتحرّش وقتل، أمّا اجتماعهما الثاني فلم يرشح عنه أي شيء، ولم يأخذ مساحة إعلامية، وكأنما يستعين الطرفان على تنفيذ ما اتّفقا عليه بالكتمان. وكذلك تضخيم ما من شأن “قسد – مَسد” فعله أو تفعيله في مستقبل ربع مساحة سورية التي تسيطر عليها.
وبانتقالنا من داعم إلى داعم لا شيء جوهريّ يتغيّر على الأرض! فهل إيصال الماء والكهرباء تحتاج ملايين الدولارات؟ أم أن بعض المنظمات التي أُنشئت أو زُرعت لغاية ما تستهلك هذه الملايين؟ ثم لماذا البحث عن دعم وداعمين مادامت المنطقة سلّة الغذاء وخزّان النفط؟ بل أين أموال النفط والغاز والقمح والقطن؟ وأين مردود التجارة والتهريب والضرائب والأتاوات؟
يبدو أن دعم الداعمين قسيمة رهن لبضاعة لمّا يُتّفق حول أثمانها الجيوسياسية، والرقة درّة البازار، فهل من مجيب؟
اترك تعليقاً