باشرت القوات الخاصة التركية العمل على تشكيل جيش منظم من فصائل الجيش السوري الحر في الشمال السوري، وتحديداً في مناطق سيطرة غرفة عمليات “درع الفرات” المحررة من تنظيم “الدولة الإسلامية”، في محاولة لصهر اكثر من 17 فصيلاً ودمجها ضمن قيادة مركزية منظمة، والتخلص من حالة الفوضى في الشمال السوري.
وتداولت صحف ووكالات أنباء تركية، الثلاثاء، أنباءً عن تشكيل هذا الجيش، بهدف “إدارة وحفظ المناطق” التي طرد منها تنظيم “الدولة الإسلامية” والمشاركة في عمليات عسكرية أخرى. ومن المفترض أن يطلق على هذا الجيش اسم “الفيلق السوري الأول”، بقوام نحو 10 آلاف مقاتل مدرب ومجهز بكافة الأسلحة والمعدات اللازمة، ممن خضعوا لتدريبات مكثفة من قبل الوحدات الخاصة في الجيش التركي.
“الفيلق السوري” كان قد حاز في نيسان/إبريل، على مباركة “مجلس شورى أهل العلم في الشام” الذي أصدر بياناً “بتأييد تشكيل جيش وطني بدعم الجمهورية التركية”. وجاء في البيان أن “المسلمين يحتاج بعضهم بعضاً في شؤونهم الدنيوية والدينية، ولذلك كان التعاون بينهم أمراً جللاً، وقد أوجبه الله تعالى، وجعل به قيام دين الناس ودنياهم..”. ووصف البيان ما قامت به تركيا بـ”خطوة رائدة وموفقة.. في الاتجاه الصحيح..”. وأكد البيان على ضرورة مراعاة المشروع لـ”قتال العصابة المجرمة المحتلة في دمشق ومن يساندها، والخوارج المارقين (داعش) وكل من يستهدف وحدة واستقلال سوريا وحرية أهلها..”، وكذلك “تشكيل هذا الجيش ممن يرغب من الضباط وأفراد الجيش السوريين المنشقين.. وكذا من الثوار المجاهدين المخلصين..”، وأن يتم “رفد هذا الجيش بطلاب العلم الشرعي الموثوقين، لتوجيه وإرشاد عناصر وقادة الجيش لما فيه الخير والنفع في الدنيا والآخرة”، وحثّ “الحكومة التركية على تقديم كافة أشكال الدعم لهذا الجيش…ليكون نواة جيش سوري وطني..”.
وتتعارض مطالب “مجلس شورى أهل العلم في الشام” مع فكرة “الوطنية” التي يقوم عليها “الفيلق” إذ يتم مزجها مع صبغة إسلامية. وإذا كانت حيازة “الفيلق” على موافقة “مجلس الشورى” ضرورية لمواجهة “تكفير” فصائل السلفية الجهادية المحتمل، بسبب التعامل مع دولة علمانية كتركيا، إلا أنه يحمّل “الفيلق” ما لا يحتمله، في المنظور “الوطني”، المتعلق بكامل سوريا، ولكامل أهلها.
العمل على تشكيل “الفيلق” بدأ منذ 6 شهور، بدورات متتالية في قواعد عسكرية داخل الأراضي التركية، لفصائل عسكرية تتلقى دعماً مباشراً من تركيا. ومن هذه الفصائل: “جيش طلائع النصر” و”جيش الأحفاد” و”لواء سمرقند” و”لواء المنتصر بالله” و”لواء السلطان محمد الفاتح”، والتي تتراوح أعداد مقاتلي كل منها بين 500 و1000. وألحقت بهم فصائل ذات تعداد عسكري قليل كـ”جيش الشرقية” و”اللواء 115″ و”لواء 101 شرقية” و”القوة 24″ و”اللواء الثالث” و”لواء الوقاص”، وبعض هذه الفصائل قد تشكّل مع بداية عملية “درع الفرات”.
قائد “جيش طلائع النصر” الرائد محمد العلي، قال لـ”المدن”، إن “عملية إنشاء جيش منظم بدأت منذ ستة شهور تقريباً بهدف الوصول إلى تشكيل عسكري منظم ومحترف، مشابه للجيوش النظامية، تكون مهامه حماية أمن الوطن والمواطنين ولا يتدخل إطلاقاً بالإدارة المدنية والسياسية، بل يكون رديفاً لها في تحقيق مهامها”. وأوضح العلي، أن الجيش “سيشارك في عمليات عسكرية تطلب منا، كعملية الرقة اذا ما تم التوافق عليها، كذلك باتجاه المنطقة الشرقية. كما ستكون أحد أبرز مهامه محاربة التنظيمات الإرهابية المتمثلة بنظام الأسد المتهالك، وبتنظيمي داعش ومليشيات (قوات سوريا الديموقراطية) التي لا تقل إرهاباً عن داعش وله أهداف عابرة للحدود، مثله مثل كافة التنظيمات الطائفية”.
واعتبر العلي، أن إيران وروسيا هي دول محتلة، بحسب رؤية وتوجه التشكيل الجديد، كما يرفض الفيلق أي عمليات تقسيم وانفصال، ويؤمن بسوريا موحدة للجميع. وبحسب العلي، فإن لجنة مكلفة باجراء اختبارات جسدية وعقلية، للتحقق من أهلية المقاتلين للانضمام للتشكيل. كما أن هناك عزماً على بناء قوات “تتمتع بحس وطني بعيداً عن الولاءات الأجنبية”، كذلك الحزم مع كل العناصر بما يتضمن فصل أي شخص يصدر إساءة ضمن القواعد العسكرية أو خارجها، ويتم تجريده من العتاد الذي تسلمه. ويشترط على العناصر عدم دخول المناطق المدنية بأسلحتهم وزيهم العسكري، وفي حال ارتكاب مخالفة يحال المخالف إلى محكمة عسكرية.
ويتلقى التشكيل الجديد دعماً مباشراً من تركيا، مالياً ولوجستياً وعسكرياً، وتتلقى قوات “الفيلق السوري الأول” تدريبات شهرية، ويتم تخريج تلك الدفعات وإرسالها مباشرة إلى الداخل السوري. ومن المفترض أن تكون رواتب المجندين ضمن التشكيل نحو 300 دولار أميركي، بينما سيتلقى الضباط رواتب تترواح بين 400–500 دولار. ويشير القائمون على “الفيلق” إلى أن تلك الرواتب هي لضبط العناصر وتأمين كفايتهم المادية وتخطي عقبة تبدل الولاء بحسب الحاجة. ويطمح المشاركون في هذه التشكيل لإلغاء كافة المسميات الفصائلية والعقلية التفتيتية، والانتقال إلى بعد وطني، واحترام العمل المؤسساتي المنظم، والتخلص من حالة التشرذم والتفرق والفوضى التي تعب منها السوريون.
لكن “الفيلق السوري الأول” يواجه مصاعب كثيرة، ليس أقلها غياب حس المسؤولية لدى بعض العناصر، ممن قاموا بالاستحواذ على السلاح الذي سلم لهم وبيعه لاحقاً، أو ممن انشقوا بعد التدريب مفضلين الالتحاق بفصائل أخرى لاعتبارات مختلفة، أهمها المكافئات المالية. وتسبب ذلك في أزمة أثناء الشهور الأولى من تأسيس “الفيلق”، وهو ما دفع لاتخاذ تركيا تدابر احترازية لمنع تكرار ذلك في برنامج التدريب الجديد. غياب الولاء عند بعض العناصر لفكرة “الجيش الوطني” ليست بأقل حدة، فالبعض بات يعتقد بأن بقاء الوضع على حاله أفضل من التوحد.
إحدى أكبر المعضلات التي يواجهها “الفيلق” هي مشكلة تأسيسية، تتعلق بفكرة انشاء “جيش وطني” تشرف عليه دولة إقليمية كتركيا، لها أيضاً في سوريا أهداف تخص أمنها القومي. إلا أن حالة التشتت التي تعيشها الفصائل في الشمال السوري، وتعدد الداعمين وأجنداتهم المتنافرة، والتهديد من فصائل السلفية الجهادية، ومن مشاريع انفصالية، تجعل من العرض التركي، بحسب المدافعين عن المشروع، فرصة لالتقاط الأنفاس، ومحاولة لبلورة نواة لما يمكن أن يكون “جيشاً وطنياً” في مرحلة لاحقة.
وتمتاز الدورات التدريبية التي تخضع لها فصائل عسكرية، بالتدريبات المكثفة على معظم الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وتقديم كافة الخدمات للمتدربين، ولا يتم تسليم السلاح إلى العناصر إذا ما غادروا قواعدهم، إنما تعاد إلى مستودع مخصص شبيه بمستودعات الجيوش النظامية.
وتشكّلت قواعد عسكرية لـ”الفيلق” في محيط مدينتي أخترين والغندورة وبلدة الراعي، في ريف حلب الشمالي، ومنها ستنطلق القوات إلى المعارك وإليها تعود. كما سينتشر لـ”الفيلق” مقار متقدمة عند الجبهات العسكرية.
المدن
اترك تعليقاً