في طهران حضرت سوريا بقوة في القمة الثلاثية، وغاب السوريون، وكالعادة منذ أن أصبح قرار دمشق بيد إيران وروسيا، فلا صوت لسوريا في ما يخصها، ولا دور لشعبها في تحديد مستقبله، وكل ذلك يجري تحت شعار الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها.
جرت قمة طهران التي جمعت رؤساء إيران وتركيا وروسيا وسط سياق خاص جداً، فدولتان ضمن القمة، تدعمان نظام الأسد عسكرياً وسياسياً، وهما كذلك تشتركان في مواجهة مفتوحة مع المجتمع الدولي سواء بسبب الموضوع النووي أو حرب أوكرانيا، بينما لا تعيش تركيا أفضل أوقاتها مع الولايات المتحدة شريكتها في الناتو والأقرب الى الخصم منها الى الحليف، وهي كذلك من أبرز دول الجوار خصومة مع النظام في دمشق، والأكثر دعما للمعارضة واستقبالاً للاجئين على أراضيها.
هذا الثلاثي اعتمد دوماً على المصلحة الطارئة المشتركة ليقيم نمطاً من التفاهم حول سوريا منذ بدء مسار أستانة مطلع العام 2017، ورغم أنه فرض نمطاً من التهدئة في الحرب، ألا أنه فشل بعد 15 جولة من المشاورات بين وفود النظام والمعارضة، من إيجاد فرص الحل او تحقيق العدالة.
وقد تبدو تركيا مختلفة عن شريكيها في العلاقة مع القضية السورية، لكن ذلك مقصود أيضاً، فهي بحكم قربها من المعارضة يمكن أن توفر الشريك التفاوضي للنظام، وربما تقوم بالضغط من أجل تحقيق اختراقات معينة، لكن أي جهد تقوم به أنقرة لإقناع المعارضة بقبول العروض الواقعية، سيصطدم بدعم الطرفين الآخرين روسيا وإيران لنظام الأسد مما يكسبه صلافة وتنمراً إضافياً على شعبه، ويمدّه بالمزيد من أسباب الحياة.
وحتى الآن بعد أكثر من خمس سنوات من بدء مسار أستانة، لم يحصل أكثر من التهدئة، فيما بقيت القضية السورية معلقة، يطاولها الإهمال، وتتعرض تداعيات الصراع فيها إلى حقائق أمر واقع على الأرض، وسط فشل دولي وتخلٍ عن متابعة تنفيذ القرارات الدولية، فيما يبدو أن القوى السياسية والمسلحة التي تشكل هيئات وقوى المعارضة السورية وسلطتها التمثيلية، فشلت بدورها في تعزيز وجودها، أو حتى الحفاظ على توّحدها، وظهرت انشقاقات واتهامات متبادلة كان النظام يراقبها وهو شديد الاستمتاع.
لكن مشكلة هذه الترويكا أن بينها من المشكلات والتعقيدات ولها من المصالح الذاتية ما يجعل من وضع الأوراق السورية في عهدتها أقرب منه إلى تعزيز الصراع وليس حلّه، فمن جانب لا يمكن أن تقبل ايران بأي حل سياسي لا يكون الأسد في مركزه، فيما يمكن لروسيا أن تقبل بآلية تدريجية، أكثر خداعاً، تصل في نهايتها إلى الأهداف الإيرانية ذاتها، أما تركيا، فقد استحال هدفها اليوم إلى إيجاد تسوية سياسية تنهي التوتر على حدودها الجنوبية، وكحل آني سريع، فهي تسعى إلى شريط حدودي آمن شمال سوريا، يكون مأوى لنحو مليون سوري يقيمون حالياً في تركيا، ويمكن أن تخفف عودتهم من حدة أزمة اللاجئين في السياق الانتخابي الشرس خلال العام المقبل.
مثل هذه المواقف لا يمكن أن تنتج حلاً للقضية السورية قابلاً للحياة، ذلك أن القبول باستمرار الأسد في السلطة بعد كل ما ارتكبه من جرائم حتى لو لفترة انتقالية، هو نمط من العبث والاستهانة بالشعب السوري ودماء أبنائه، ناهيك عن خياراته والثورة التي قدّم الكثير جداً من أجلها. ولذلك، لا يمكن أبداً توقع أن تشهد جولات أستانة المقبلة التي دعا المؤتمر إلى تكثيفها، أي اختراق حقيقي يمكن أن يتضمن حلاً أو خريطة حل.
وعدا عن ذلك، فإن إيران وروسيا بشكل خاص، تجمعهما مصلحة مشتركة في روسيا سوى دعم النظام، وهي استثمار الورقة السورية في الصراع مع الولايات المتحدة والغرب، سواء في سياق التنافس الإقليمي أو في قضية المفاوضات النووية بالنسبة لإيران، وفي الحرب الباردة الجديدة مع الغرب في سياق الحرب الأوكرانية بالنسبة لروسيا. كلاهما يريدان تحقيق مصالح خاصة بهما، وهو ما يفسر اتفاقهما خلال هذه القمة على “طرد” القوات الأميركية من مناطق شرقي نهر الفرات، علماً أن البلدين لم يصدر عنهما هذا الخطاب بهذا الشكل، برغم الوجود الأميركي في سوريا منذ سنوات.
لا تبدو القضية السورية في طريق حل حقيقي، عادل وناجز وقابل للحياة، ومع غياب أية رؤية دولية جادة، فإن ما فعلته قمة طهران، أنها أكدت “احتكار” القضية السورية من جانب، وكررت أولوية المصالح المرتبطة بكل من دولها الثلاث بما في ذلك أهمية بقاء نظام دمشق بالنسبة لدولتين منها، مع ما يعنيه ذلك من لا جدوى أيّ من الحلول، بل وخطورتها، لا سيما في ظل سلبية المجتمع الدولي وانشغاله بأولوياته التي لم تعد سوريا جزءاً منها.
المدن
اترك تعليقاً