في روايتها الأولى، «ولد مامبا الأسود»، كتبت نظيفة محمد عن رحلة أبيها الشاقة من شرق أفريقيا إلى أوروبا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. روايتها الثانية «حديقة الأرواح الضائعة» تدون حيوات ثلاث من النساء في الصومال على أعتاب الحرب الأهلية. لكن في كتابتها لروايتها الأخيرة، «رجال الحظ»، كما تقول نظيفة، اتضحت معالم الأشياء بصفة نهائية.
تسرد الرواية الحكاية الحقيقية لمحمود متان، وهو بحار صومالي في ويلز شنق عام 1952 بعد أن اتهم ظلماً بقتل صاحب دكان.
كانت كتابة رواية «رجال الحظ» بالنسبة لنظيفة محمد، التي ولدت في الصومال ونشأت في إنجلترا، «تطهرية»، فرصة للعودة إلى عالم والدها إلى جانب كونها طريقة لمعالجة موت أحد أخوالها الذي قتل خارج دكانه في (مدينة) هارغيسا. الرواية واحدة من ست روايات تضمنتها القائمة القصيرة لجائزة البوكر لهذا العام، ونظيفة محمد أول كاتبة صومالية بريطانية تصل إلى القائمة النهائية. قررت دار نشر نوبف، ناشرتها الأميركية، تقديم موعد إطلاق الرواية إلى ديسمبر (كانون الأول) بدلاً من مارس (آذار) 2022.
في محادثة بالفيديو من منزلها في لندن أوائل هذا الشهر تحدثت نظيفة، التي بلغت الأربعين، عن الدافع وراء كتابتها هذه القصة، عن صلة القصة بحياتها وكيف مكنتها الكتابة من الاتصال بماضي أسرتها. وفيما يلي مقاطع محررة من الحوار معها:
> ولدت في الصومال وعشت في بريطانيا مذ كنت طفلة. كيف شكلت حياتك الرواية إن كان ذلك قد حدث فعلاً؟
– لم تكن متسقة لأنني عشت حياة يمكن وصفها بالسهلة. لكنها لم تكن أيضاً بالسهلة. لقد وصلت بريطانيا في الثمانينيات وجربت تصاعد العنف العنصري في أوائل التسعينيات حين كانت هناك تفجيرات وحوادث طعن وقتل من كل نوع، كان هناك إحساس بالعزلة التي يحس بها الأجنبي. لقد درنا دورة كاملة.
الإحساس بأنها بيئة غير آمنة، بيئة لا قيمة لك فيها، بل بيئة تحتقر فيها، ذلك ما أتفهمه. لم أجربها بالقدر الذي جربها محمود أو أبي أو أي شخص مثل أولئك. لكنها أيضاً بيئة لم تتغير بالطريقة التي يريد بها الناس أن تتغير.
> بموضوعات مثل الظلم العنصري والعنصرية المؤسسية وعنف الدولة، يتموضع كتابك في ماض يمكن المجادلة بقوة بأنه لا يزال معنا، لا سيما أن إنجلترا لا تزال تواجه، كما رأينا العام الماضي، ما يعنيه أن يكون المرء أسود وبريطانياً. هل كان هذا الكتاب محاولة لاستعادة العدالة أو المجادلة ضد ذلك التصور؟
– جاء هذا الكتاب سابقاً لأحداث العام الماضي وعلى نحو ما كان ثمة شعور بأن كل شخص كان ينتقل ليقف إلى جانبي، لأنني كنت دائماً أصرخ أو أهذي حول أوضاع مختلفة. فسواء كان ذلك ديفيد أولويل، الذي طارده البوليس حتى الموت عام 1969، أو جو غاردنر، الذي قتله الضباط أثناء ترحيله، أو جمي موبينغا، الذي قتل على رحلة للخطوط البريطانية، هذه الأشياء كانت دائماً تضغط علي بقوة. لم يكن صحواً مفاجئاً.
لقد كنت دائماً أرى هذا الجانب من الوضع، وهو ربما الذي مكنني من مواصلة الاهتمام بقصة محمود متان عبر كل تلك الأعوام، لأني كنت أعلم أن الوضع لن يتغير بسرعة. حتى في الوقت الحاضر حين أتحدث إلى الأطفال في أسرتي ويخبرونني عن تجاربهم مع العنصرية، الطريقة التي يتحدث بها المعلمون إليهم أو عنهم، يمكنك أن ترى أنهم جيل آخر مضطر لمواصلة الكفاح.
> قلت إنك وجدت بطريقة غريبة أن ثمة تشابهاً كبيراً بينك وبين محمود. هلا أوضحت ذلك؟
– وعيه السياسي انطلق من تجربة حية، وأظن أن ذلك ربما يصدق علي أيضاً. لا أستل مواقفي السياسية من النظريات النقدية، أستلها من تجربتي المعاشة بوصفي امرأة، امرأة سوداء، امرأة مسلمة سوداء. كل هذه تمكنني من التقاط القوة، حيث تكمن وحيث لا تكمن.
> كما أن لديه مسحة من التمرد قلت إنك تتماهين معها. كيف تتمظهر مسحتك أنت؟
– أظن أن ذلك يتمظهر في كوني كاتبة أولاً، وهو ما يتعارض نوعاً ما مع ما كانت أسرتي ستقول إنه إفادة جيدة من حياتي بوصفي خريجة أكسفورد وشخصاً أفاد من النظام التعليمي هنا بأكمله ولديها خيارات أخرى.
إن كونك كاتباً ترك الجامعة وتبدو عاطلاً ستكون موظفاً بذهنك ولكن على السطح تبدو كما لو أنك لا تفعل شيئاً. ومع ذلك فإن ثمة شيئاً تحرك فشعرت كما لو أنني عدت إلى الحياة. حين أكتب أشعر كما لو أنني أحيا.
إنني شديدة المقاومة للطريقة التي تعامل بها النساء في مجتمع الصومال وقوانينها. إن الصومال وأرض الصومال مختلفان جداً على عدة مستويات ولكنهما يتوحدان على مستوى معين، ذلك هو الرغبة في الإبقاء على النساء مواطنات من الدرجة الثانية. وذلك أمر لا يعجبني مطلقاً. وأشعر أنني ملزمة بأن أقول إنني «لست مخطئة، وإنكم مخطئون أيها الرجال وستدركون يوماً أنكم لا تستطيعون التصرف بهذا الشكل».
ذلك أنه من السهل أن تكون محبوباً إن التزمت الصمت. أعتقد أنني أفضل أن يستمع إلي بدلاً من أن أكون محبوبة… الشيء الذي استدعى اهتمامي أكثر من غيره في محمود كانت ثقته الخاطئة بالعدالة البريطانية.
> هل كان من الصعب عليك معالجة هذا الأمر؟
– حاولت أن أساير كل شيء فكر به، حتى لو لم تكن لدي ثقة مثله بالمؤسسات البريطانية. لكن علي أن أفهم لم فعل ذلك.
> هل وضحت ما تقصدين؟
– حسناً، إنني أعرف أكثر من ذلك. لقد مررت عبر النظام التعليمي، وأعرف حالات متنوعة من فشل العدالة، حالات تحتاج بطبيعة الحالات زمناً طويلاً قبل أن تكشف. لذا سواء كانت حالة أربعة غيلد فورد أو ستة برمنغهام أو حالة محمود متان، فقد كان هناك صدق أو صراحة أكبر حول حالات الفشل المؤسسي الذي لم يحدث بالطريقة نفسها في خمسينيات القرن الماضي.
غير أنني أعرف أن أي أشياء سيئة تحدث الآن لن نعرف عنها إلا بعد خمسين عاماً. حتى (حريق برج) غرينفيل، كانت لدي ثقة بأن الحريق حين حدث سينتهي إلى حل. كانت لدي ثقة بالأنظمة. ثقة بفرق الإطفاء، بكل شيء. ومع ذلك فإن تواجه بـ72 شخصاً بريئاً خسروا حياتهم. كان ذلك فقدانا هائلا للثقة بالمؤسسات بالنسبة لي.
> جئت إلى بريطانيا صغيرة جداً. كم كان عمرك؟
– أربعة أعوام.
> في أثناء كل ذلك الوقت كانت هناك حرب أهلية في الوطن. كيف تعاملت مع كل ذلك في تلك السنوات المبكرة من حياتك؟
– كان الوضع صعباً جداً لأن ماما رفضت الخروج، ونحن لم نرد الخروج، كان أجدادي هناك، كل أسرتي كانت هناك. لذا أنت تدخل بلاداً لا ترحب بك. ولم يعرف عن بريطانيا أنها بلاد ترحب. ولم يكن الطقس مرحباً. هناك من يعتني بك، لديك الخدمة الصحية الوطنية، التعليم المجاني، لديك كل ذلك، لكنها صلة شديدة البرودة. يستغرق الأمر وقتاً طويلاً تحتاجها الحميمية لكي تنمو مع بريطانيا، كما أظن. لكننا كنا نتوق إلى هذا المكان الذي تركناه، وفجأة ها أنت تراه على التلفزيون. اختفت الصومال عن الأعين بالنسبة لنا – ثم عاودت الظهور في حالة من الفوضى. في جوع. في عملية إعادة الأمل. في عنف. لكن جداتي صرن لاجئات، فقدت خالاً في مخيم للاجئين أصابه التيفوئيد أو التايفوس، وقتل خال آخر، وكان ذلك رابطاً. إنك لا تفهم تلك الروابط حتى يكون الوقت قد تأخر كثيراً، لكن خالي قتل خارج دكانه.
انتظر، لقد أدركت أن القتل الذي يحدث في «رجال الحظ» شبيه بما حدث لخالي، وهي فيما يبدو الطريقة التي يأخذك بها عقلك إلى أماكن تحتاج للذهاب إليها.
> ماذا يعني لك أن تكوني في القائمة القصيرة للبوكر؟
– معناه أن روايتي منحت هذه الحياة الإضافية، هذا الجمهور العالمي، ومعناه أن اهتماماً أكبر سيتجه إلى ما حدث لمحمود وكما أرجو للظلم المتكرر. وهناك شيء أود توضيحه، هو أنه كان فعلاً ضحية للظلم والتحيز العنصري، ولكن هذا الشيء يحدث للآخرين لأسباب مختلفة.
هذه الأنظمة موجودة في كل مكان من العالم، وتجد تبرير وجودها على أسس مختلفة. اتصلت بي مؤخراً منظمة في زيمبابوي تشن حملة من أجل إلغاء عقوبة الإعدام. لذا إن توفر لي أي نوع من الاتصال أو أي جزء من هذه الحوارات، فإن القيام بذلك يبدو بالنسبة لي شيئاً رائعاً وإنجازاً كبيراً ينجزه كتاب.
اترك تعليقاً