Views: 125 المصير المجهول. – الرقة بوست-Raqqa Post

المصير المجهول.

عبد الكريم البليخ -الرقة بوست
لم يكن عبد الودود قادراً على أن يجد الملاذ الآمن له ولأسرته، ولزوجته المريضة التي تعاني من مرض عضال حيال واقع الحذر الشديد الذي انتابه، وبدء العد التنازلي، والخوف من التشرّد الذي حل بمن عرفهم عن قرب من أصدقائه الذين تشاء الصدف أن يكونوا قد حضّروا أنفسهم للرحيل القسري عن المدينة التي يقيمون فيها، والتي اجتاحها المتمردون، واللجوء إلى مكان قصي أكثر أمناً، وبعد أن دخلها هؤلاء دبَّ الرعب في قلوب أهلها، حيث فوجؤوا بما حدث، وعلى غير العادة، فكانت شارة البدء، وترك الأهالي أماكن تواجدهم بعد أن أصابهم الذعر والهلع، والخوف من المجهول!
بادروا إلى الرحيل، ونقلوا ماخفَّ وزنه وغلا ثمنه، وبسرعة تخطف الأبصار، هبَّ معهم الكثير من أهالي المدينة، لمن رغب في الهرب، والنجاة بنفسه خوفاً من القادم الأعظم.
في اليوم التالي من رحيلهم، هاجمت الطائرات مواقع تمركز هؤلاء المتمردون، ما دفع بقية الأهالي، الذين فضلوا الإقامة بدلاً من الرحيل، إلى مغادرة مدينتهم، وعلى عجل مرغمين!
ندرة، ممن بقي من الرجال والشباب في منازلهم، الذين لم يحاولوا الهرب، بل ظلوا متواجدين فيها تحسباً من تعرضّها للسرقة والنهب!.
ساءت أحوال المدينة، ولم ترَ في الشوارع إلا نسبة ضئيلة جداً من الأهالي، فصارت شوارعها تعيش حالة من الهوان، والرجاء.
غياب الأهالي بهذه الطريقة غير المتوقعة حوّل مدينتهم الهادئة إلى مدينة أشباح حقيقية، ونادراً ما تجد في الشوارع التي خلت من سكانها، ممن تعرفه سواء لجهة جار عزيز أو صديق حميم، أو حتى عابر سبيل.
الخوف والرعب سيطرا على قلوب الناس، حيث صاروا يضربون أخماساً بأسداس، والمدينة تعيش حالة من الحزن والكآبة، والمحال التجارية تستعرض واقع الحياة اليومي المهمّش، وارتفاع غير مسبوق لأسعار المواد الاستهلاكية الضرورية التي يحتاجها المواطن، والتي بدت تختفي تارةً وتظهر للعلن تارة أخرى.
الأسعار الكاوية أحرقت جيب المستهلك، وارتفعت بشكلٍ لافت، والسبب، كما يقول البعض، الارتفاع الجنوني للدولار الذي أخذ أبعاداً شتى، وشمل المواد غير المستهلكة، والتي لم يكن في يوم ما تلقى رواجاً أو رغبة لدى المواطن في اقتنائها، وهكذا دواليك.
استمرت المسامرات والأحاديث الجانبية تنقل الواقع المجهول لمدينة حالمة، وترى أشياء غريبة كل يوم، ومناظر جديدة مقزّزة تلفت النظر، وعبارات مكتوبة على الجدران، وواجهات المحال التجارية، أينما كانت وجهتك، ومسمّيات لها أوّل وليس لها آخر.. وو وهذا ما كان يخشاه المواطن، الذي شلّه الواقع، والمصير الذي رافقه انقطاع مستمر للحاجات الرئيسة من ماء وكهرباء، وحتى الاتصالات!.
فالفأس وقع بالرأس، وبداية الخيط لاحت في الأفق، وهذه الصورة جميعها لم ينفع معها أي فتيل آخر.. غير أنَّ الواقع الذي حل بالمدينة، حوّلها إلى بؤرة ملطخة بالشماتة، وتحوّل حال أهلها إلى إقامة مآتم عزاء من نوع آخر !.
صراع بين الموت والحياة، وصور لغرائب جديدة صارت تظهر في حياتهم، في الشوارع، في الأحياء، في الأماكن العامة، وفي المتنزهات.
صور غَالبها واقع جديد حاول الناس أن يُحْسَمْ وينتهي بأي شكلٍ كان، وتزول هذه البقع التي لازمت الناس، وحوّلت حياتهم الآمنة إلى تشرد وضياع وحرمان وفقر مدقع!.

صحافي سوري مقيم في النمسا


Posted

in

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »