باسم دباغ
تستمر تبعات انتصار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية، في منتصف الشهر الماضي، والتي يبدو أنها دعمت موقفه على مستوى السياسة الخارجية، سواء في ما يخص العلاقات مع روسيا التي دخلت فصلاً جديداً خصوصاً على مستوى الحرب السورية، أو في ما يخص العلاقات مع الأوروبيين والأميركيين.
إضافة إلى انتهاء مرحلة تطبيع العلاقات التركية الروسية ورفع معظم العقوبات الروسية عن تركيا باستثناء تصدير الطماطم التركية أو الحبوب الروسية، كان للقمة التي عُقدت بين أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في سوشي الروسية، يوم أمس الأول الأربعاء، أهمية كبيرة في الدفع نحو حل سوري يستنسخ التجربة القبرصية، لكنه يبدو أكثر تعقيداً لكثرة اللاعبين الدوليين على الأرض.
استمر الرئيسان في الدفع باتجاه اتفاق الضامنين المستنسخ عن الحالة القبرصية، والذي أنشأته مؤتمرات أستانة المتوالية، على الرغم من فشل هذا الاتفاق حتى الآن في الحفاظ على وقف إطلاق النار والبدء بالحل السياسي، وذلك وسط مباركة أميركية أعلن عنها بوتين، أو على الأقل من دون إبداء أي مسؤول أميركي اعتراضه عليها حتى الآن.
مصطلح الخط الأخضر في الوعي السياسي التركي لا يمكن إخراجه من الخط الأخضر في الجزيرة القبرصية، والذي يشكّل منطقة عازلة بين مناطق سيطرة القبارصة الأتراك والقبارصة اليونانيين ويقسم العاصمة القبرصية نيقوسيا إلى قسمين. وتم الإعلان عن الخط الأخضر القبرصي لأول مرة في عام 1964 على يد القوات البريطانية، وذلك لوقف الاشتباكات بين الأتراك واليونانيين فيها، ليتم تمديده في 16 أغسطس/آب 1974 بعد التدخّل التركي في الجزيرة إثر الانقلاب المدعوم من أثينا، بموافقة مجلس الأمن وبقوات أممية وضمان الدول الضامنة الثلاث أي اليونان وتركيا والمملكة المتحدة. ودخلت القضية القبرصية بعد ذلك في فترة تبريد كبير للصراع، وانتقلت من أزمة ساخنة تحتاج إلى حلول فورية لوقف الحرب، إلى أزمة باردة لا شيء يستدعي التعجيل في حلها، وبدأت مفاوضات ماراتونية على مدار أكثر من خمسين عاماً، لم تنتهِ حتى الآن ولم تتمكن من التوصل إلى أي اتفاق سلام، بينما تستمر الحياة طبيعية على جانبي الخط.
ومما يعزز إمكانية نجاح الخطة، كون الإدارة الأميركية الجديدة منفتحة على التعاون مع روسيا في ما يخص الملف السوري، بما يشبه النموذج الذي حصل مع الصين بعد التصعيد بين بكين وواشنطن، والذي تلاه تعاون مشترك حول ملف كوريا الشمالية.
ولكن على الرغم من ذلك، من غير المعروف حتى الآن مدى استجابة مختلف الدول المؤثرة بشكل مباشر على الأرض السورية، للحلول التي يطرحها الروس والأتراك. ولكن من الناحية النظرية، فإن التوصل إلى اتفاق سوري على الطريقة القبرصية، سيمنح الضامنين الهدوء الكافي لإعادة ترتيب الصفوف الداخلية، وتفرغ النظام السوري بشكل أساسي للتوسع على حساب تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
من جهة المعارضة، قد يكون ذلك فاتحة لمرحلة دموية جداً تعيد ترتيب أوراق الفاعلين الداخليين، وتؤمن دعماً دولياً لضرب “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، سواء في إدلب أو في درعا أو ريف دمشق، قد تليها مراحل تصفية داخلية على مستوى الفصائل، بدأت أولى نذرها في غوطة دمشق، وكذلك البدء بعمليات إعادة الأمن وإعادة إعمار على مستويات محدودة، التي قد تجعل من تركيا في إدلب المسيطر الوحيد على المنطقة إضافة إلى سيطرتها على منطقة جرابلس. بينما تتفرغ أنقرة لإدارة صراعها مع “الاتحاد الديمقراطي” (الجناح السوري للعمال الكردستاني)، سواء عبر اتفاق يكسر تحالف الأخير مع واشنطن، الأمر الذي يبدو بعيداً حتى الآن على الرغم من التفاؤل التركي بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، أو عبر استمرار الضغط على هذه القوات للدفع باتجاه سيناريوهات شبيهة بسيناريو منبج وبعض المناطق في مدينة حلب، عندما اضطر “العمال الكردستاني” لتسليم مناطق سيطرته للنظام لحمايتها.
أما على مستوى النظام السوري، فلا يبدو أن المرحلة المقبلة ستكون أقل دموية، فمن جهة سيتفرغ إلى إعادة ترتيب مليشياته المقسمة بين ولاء روسي وآخر إيراني، مما قد يجعل الاشتباك أمراً لا بد منه في حال ضغط الأميركيون لتحجيم الدور الإيراني، ومن جهة أخرى، سيتجه نظام بشار الأسد للتوسع على حساب “داعش”، خصوصاً أنه بات الآن صاحب الجبهات الأكبر مع التنظيم، سواء في البادية السورية أو في ريفي حماة وحلب.
العربي الجديد
اترك تعليقاً