Views: 162 الهروب من معسكر التطرف .. عامي الأول – الرقة بوست-Raqqa Post

الهروب من معسكر التطرف .. عامي الأول

حسام الحمود 

ما زال صدى كلمات أمي يتردد في رأسي حتى هذه اللحظات، “لا تذهب إلى المجهول”، “لا تشترك بمعركة لا توافق مبادئك”، هذه الكلمات هي ما سمعته من أمي حين احتدم الصدام بين تنظيم الدولة وبقية الفصائل العسكرية المعارضة في مدينة الرقة.

عندما تركت جامعتي وتخليت عن دراستي في سنة تخرجي، كان لدي سبب مقنع لذلك، لن أحفر آبار النفط لنظام حكم يتفنن في قتل شعبه ليل نهار بكل السبل المتاحة له.

كانت ثورتي على القتل، فهنا لم يكن يتبقى لدي أدنى خط للعودة، لطالما صرخنا وصدحنا بأصواتنا في المظاهرات السلمية التي اعتدنا أن نخرج فيها في عامي 2011 و2012 في شوارع تل أبيض والمنصور في مركز مدينة الرقة، كنا لا نتجاوز العشرين أو خمسة وعشرين متظاهرَ في أغلب الأحيان، ولكن صوتنا كان كفيلاً لكي تستنفر أجهزة الأمن المتواجدة في مدينة الرقة كاملة، كان نظام الأسد يخشى صوت الهتاف أكثر من أزيز الرصاص، هذا ما اكتشفناه متأخرين بعد أن حملنا السلاح مجبرين أمام جرائم النظام السوري التي كانت تحصد أرواح شعب طالب بحريته يوماً بعد يوم، ولكن الذي لاحظناه أنه لا فرق لديه إذا كان سلاحه يجابه سلاح آخر فحجته موجودة بأنه يدافع عن نفسه، ولكنه عندما كان يقتل متظاهراً أعزلاً فهنا كانت تتجلى جريمته بأوضح صورها.

بعد انتزاع الرقة من يد النظام السوري، وعندما بدأت المعركة في مركز مدينة الرقة ضد تنظيم داعش بعد قرابة العام من تحرير الرقة، كنت قد تركت منذ فترة وجيزة أحد التشكيلات العسكرية التي تدعو نفسها بالإسلامية، وذلك بسبب التصرفات والقرارات غير المنطقية الكثيرة التي يتخذها أمراء أغلب التشكيلات الإسلامية، فعلى سبيل المثال كانت الفرقة السابعة عشر آخر معاقل النظام في مركز مدينة الرقة لا تبعد سوى بضعة كيلومترات، ومخازن السلاح كانت تمتلئ بأسلحة عديدة لم يكن يتخيل الكثير من أبناء الشعب أنها ستكون بحوزة المعارضة في يوم من الأيام، علاوة على أن أغلب العناصر المقاتلة على الأرض كانت تتحرق شوقاً لاقتحام الفرقة السابعة عشر، ولكن دائماً ما كانت قيادات الفصائل العسكرية (الإسلامية) هم من يعرقلون العمل بحجج واهية، اكتشفت حينها أنه لا مسلم غير الشعب في هذا البلد، فهو الوحيد الذي يملك العامل المشترك مع مسلمي هذا الزمان. “يُقتَلون بصمت” هذا هو العامل الذي تشاطره كل من أطلق عليه لقب مسلم.

بدأت المعركة ضد تنظيم داعش في الرقة وكانت الغلبة في أول يومين من المعركة للفصائل المحاربة لداعش بشكل واضح، وكانت حصون داعش تتهاوى الواحد تلو الآخر في مركز مدينة الرقة، هذا ما كنا نسمعه من أحاديث الشارع مترافقاً مع أصوات الرصاص والمدافع في شتى أنحاء المدينة، لم نكن نعلم كما لم تعلم الفصائل المقاتلة أن تنظيم داعش خلال اليومين اللاتي انكسر فيهن، كان يدرس إمكانيات الفصائل ويرسم خطة معاكسة للاستيلاء على كامل محافظة الرقة بضربة واحدة.

صباح اليوم الثالث تفاجأ الجميع بتقدم كبير للتنظيم في مركز مدينة الرقة، كما وامتلأت الشوارع بجثث مقاتلي المعارضة التي لم يستطع أحدٌ أن يسحبها كونها كانت أمام مرمى قناصة داعش المنتشرين في أغلب شوارع الرقة، حالة رعب ممزوجة برائحة الموت تسري داخل شوارع مدينتي الرقة، تشرّب منها كل من نادى بالحرية في يوم من الأيام، فهو يعلم أنه هدف محلل للقصاص في شريعة تنظيم الدولة، حتى أنا خالجني هذا الشعور، لم أكن أعلم إلى أين تسير الأمور، بوصلتي الفكرية التي كنت استدل بها إلى شمال الصواب باتت تائهة أمام كثرة الاحتمالات المطروحة، ولا مجال للمغامرة في هذه الحالة، فأي تصرف خاطئ لا مجال للندم بعده فهو التصرف الأخير في حياتي، اخترت البقاء جالساً وقد تشكلت لدي جميع الاحتمالات في عقلي وجلها كان ينتهي بالنهاية ذاتها إما الاعتقال أو الموت.

في الليلة التي سبقت سيطرة تنظيم الدولة على الرقة جاءني ما كنت انتظر وما كنت أتوقع، تهديد من أحد عناصر تنظيم داعش وتحذير في الوقت ذاته، أبلغني أنني من بين اثني عشر شخص في الرقة لا توبة لنا في دين تنظيم الدولة، وذلك كوننا كنا في وقت سابق قد شكلنا نواة التمرد على تنظيم الدولة بشق صف التنظيم وإعادة تشكيل معسكرات تتبع لما كانت تعرف بجبهة النصرة آنذاك، وذلك بسبب اكتشافنا وقتها أن الدولة شكلت بالرقة باجتهاد شخصي من شخص مجهول يكني نفسه بـ”أبي بكر البغدادي”، وأنها كانت سبباً في إراقة بحور من دماء الأبرياء في العراق أثناء حربها مع قوات التحالف الأمريكي – البريطاني.

شكل هذا التهديد السبب لدي لكي أخرج من القوقعة التي أرغمت نفسي أن أسكن فيها أثناء حرب التنظيم ضد الفصائل المقاتلة في محافظة الرقة، ولكن لم يشكل لدي الحافز المناسب لقتالهم مع فصائل أراها تتهاوى الواحد تلو الآخر أمام عيني.

فقررت المخاطرة وسارعت بالخروج من محافظة الرقة متوجهاً إلى بلدة الشدادي في ريف الحسكة شرقي سوريا، في اليوم التالي قبل أن يتعمم اسمي على مداخل ومخارج مدينة الرقة التي كان التنظيم قد سيطر عليها في صباح يوم خروجي بشكل كامل، الأمر الذي عنى أنني كنت سأقع تحت الأسر في سجون التنظيم التي لم يخرج منها أحد في وقت مضى.

كاتب سوري 


Posted

in

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »