باسم دباغ
لا تبدو الحملات حول الاستفتاء على التعديلات الدستورية حامية الوطيس، بل باردة تماماً كطقس المدينة، في ساحة “قزل أي ميلي إراداة”، أي ساحة الهلال الأحمر والإرادة الوطنية، الاسم الذي أضيف إلى الساحة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو/تموز الماضي، كما للكثير من الأماكن والشوارع والساحات في البلاد في ذكرى أول إفشال لانقلاب عسكري في تاريخ الجمهورية التركية.
على جانبي الساحة تتنافس الحملات، وتتوزّع الصور الكبيرة لرئيس الوزراء ورئيس الجمهورية في معظم أركان المدينة، سواء على الأبنية الكبيرة أو في لوحات الإعلانات، بينما تغيب حملة “الشعب الجمهوري” عن كل لوحات الإعلانات الرسمية. على جانبي ساحة “قزل أي” تتنافس حملتا “العدالة والتنمية” و”الشعب الجمهوري”، ليظهر الفارق بين ميزانيتيهما واضحاً. تتكوّن حملة “العدالة والتنمية” من حافلة كبيرة لا تتوقف عن بث أغاني الحملة وبعض أغاني الحملات الانتخابية السابقة وكذلك أحد المارشات العثمانية، إضافة إلى حافلتين صغيرتين وخيمة كبيرة، لا تكتفي بتوزيع “بروشورات” صغيرة فحسب ولكن أيضاً توزع على الناس جريدة كاملة تشرح التعديلات الدستورية بالتفاصيل. تؤمن الساحة ثلاث سيارات للشرطة، فيما يعبر طفل الشارع الفاصل بين الحملتين، لينتقل من الرقص والغناء على أغنية حملة “العدالة والتنمية” إلى غناء “مارش إزمير”، بينما يجتمع العشرات حول فرقة من الغجر وهي تغني “مارش إزمير”.
تقود غول (54 عاماً) حملة “العدالة والتنمية” في المنطقة، خصوصاً أنها قائدة التنظيم النسائي التابع للحزب في الحي، يشاركها عدد من الفتيات والنسوة وبعض الشبان أيضاً. وعن أسباب دعمها الحملة، تقول لـ”العربي الجديد”: “أنا أعمل في التنظيم النسائي منذ 14 عاماً، وأعرف تماماً أين كنا وأين بتنا، كانت مدننا خراباً وباتت أفضل من أهم المدن الأوروبية”، مضيفة: “انظر إلى حال الاقتصاد، أو بدل ذلك، انظر إلى حال المرأة التركية بعد قدوم حزبنا للحكم، باتت النساء متساويات وحرائر في العمل والدراسة، وكل ذلك في عهد الحكومة المستقرة، وكي لا نعود إلى الوراء لا بد لنا أن ننهي احتمالية عودة الحكومات الائتلافية الضعيفة”.
على الجهة الأخرى من الساحة، تتربّع حملة حزب “الشعب الجمهوري”، حافلة صغيرة يكاد لا يُسمع منها صوت “مارش إزمير” الذي يمجّد أتاتورك، بعد أن جرى اعتماده أغنية للحملة، وخيمة واحدة، يجتمع فيها عدد من الناشطين والمتطوعين، يجلس قربها بائع أعلام الجمهورية التي طُبعت عليها صورة أتاتورك وهو يرتدي القبعة العسكرية العثمانية. لا يوزع ناشطو حملة “الشعب الجمهوري” سوى ورقة واحدة صغيرة طُبعت عليها صورة لطفلة تقول “لأجل مستقبلي لا”. على الرصيف يقوم علي جاكر (76 عاماً) المتقاعد من سلك الأمن بإيقاف الشباب وإعطائهم الورقة، بينما يشرح لهم سبب ضرورة التصويت بلا. يقول جاكر لـ”العربي الجديد”: “كان على رجل في عمري أن يلتزم منزله ويستريح، ولكن لخطورة التعديلات الدستورية على مستقبل أحفادي كان لا بد أن أنزل للشارع”، مضيفاً: “كيف أمكث في المنزل بينما تسلب هذه التعديلات استقلالية القضاء، وتضع في يد الرئيس صلاحيات لا يمكن استيعابها”. ورداً على سؤال ماذا لو أن الرئيس المقبل جاء من “الشعب الجمهوري”، يرد جاكر: “هذا أمر مرفوض (التعديلات) كائناً من كان الرئيس”.
ويرى مراقبون أن “الشعب الجمهوري” تعمّد القيام بحملة هادئة تظهره بمظهر المظلوم لجذب المزيد من الرافضين للتعديلات، متجنباً الكثير من الأخطاء السابقة، ويأتي على رأسها إثارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ إن قيادات “الشعب الجمهوري” تعلم تماماً أنه لا أحد يقوى على مواجهة خطبه. مقابل ذلك، تغيب حملة حزب “الشعوب الديمقراطي” (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) عن العاصمة التركية، مكتفية بتنظيم فعاليات لا يحضرها سوى المئات وغالبيتهم من اليسار التركي، لتختفي بعد ذلك في منصات تجمعها مع النقابات اليسارية التركية، في تعبير واضحٍ عن النكبة التي أصابت الحزب بعد عودة الاشتباكات بين الدولة التركية و”العمال الكردستاني”، وما تلاها من فقدانه مشروعيته وانهيار مشروع تتريك الحركة القومية الكردية، إثر فشل قيادات الحزب في كسر قبضة قنديل الحديدية. كذلك يكاد لا يلمح الزائر لأنقرة حملة حزب “الحركة القومية” في المدينة.
اترك تعليقاً