الرقة بوست – غسان المفلح
أكتب هذه المادّة بناء على مقدّمتين، الأولى: فشل المركب الإسلامويّ العروبويّ في قيادة الثورة السورية. الثانية: البيان الصادر عن مجموعة من الأسماء بحقّ الصديقة بسمة قضماني،يطالب الهيئة العليا للمفاوضات بإقالتها، لأنها ضدّ تطبيق الشريعة من جهة، ومع حذف كلمة العربية من اسم الجمهورية العربية السورية من جهة أخرى. هذه الحجّة الظاهرة في البيان. لكن الأكيد أيضاً أن كفاءة بسمة قضماني أمام هذا المركب هي السبب الأهم الذي لايريدون الإفصاح عنه.
لمعرفتي المتواضعة بعمل المعارضة خاصة في هذا المركب، أعتقد أن هنالك من حرّض هؤلاء الموقّعين على البيان داخل هيئة التفاوض نفسها. موضوع كون بسمة امرأة فهذا ليس بالحسبان كثيراً عند الموقّعين، للأمانة فقط. فشل هذا المركب المعارض في قيادة الثورة، لم يعد يحتاج لبراهين، لكن بالمقابل الحديث عن الفشل نسبيّ، والسبب أن هنالك قراراً أمريكياً إسرائيلياً، بعدم إسقاط الأسد. هذا سبب موضوعي للفشل. عدد ممّن وقعوا البيان أسقطوا الأسد عشرات المرّات على صفحاتهم وفي لقاءاتهم المتلفزة. أعتقد كان من مهمّة المعارضة مخاطبة الرأي العامّ الإسرائيلي. هذا ليس عيباً ولا خيانة ولا انتقاصاً من وطنية هذه المعارضة. مخاطبته كجزء من الرأي العام العالميّ. المركب الإسلامويّ العروبيّ فيه أيضاًعلمانيّين ويساريّين ولبيراليّين. دون ذكر أسماء، لأن الموضوع خارج هذا السياق.
وهنا الشيء بالشيء يذكر، بسمة كانت من قيادات ومؤسّسي المجلس الوطنيّ السوريّ، وانتُخبت كعضو مكتب تنفيذيّ فيه،والذي ترأسه الدكتور برهان غليون، ملاحظتي كانت عليهم منذ ذلك الوقت ومن ضمنهم بسمة، أنهم كانوا يتعاملون وكأنّ بشار الأسد ساقط خلال أشهر. لم يطالبوا بالتدخّل الدوليّ لحماية المدنيّين. كنت كتبت كثيراً عن أهمّية هذا الأمر في حينها بوصفي عضو في المجلس الوطنيّ. هذا الوهم في الواقع اعتمد على علاقات هؤلاء ببعض الساسة العرب والأجانب. رغم أن وضوح الموقف الأمريكيّ- الإسرائيليّ كان فاجراً. هذا ما أكّدتُه في كلمتي أمام المجلس في تونس، لكنني شعرت أنني أتكلّم في الهواء أو مع نفسي. لا أحد يريد أن يسمع” لأن بشاراً ساقط!! لأول مرة أذكر هذه الحادثة. كانت المزايدة عليّمن كل حدب وصوب، أنني أطالب الأمريكيّ أن يعمل بسورية كما عمل بالعراق!! هذا المعلن، أمّا غير المعلن، فإن الشباب كانوا قد وضعوا سقوط الأسد في جيوبهم!! لم أكن أنوي التكلّم آنذاك لأنني شاهدت على المنصّة هيثم المالح ونذير الحكيم، كرئيس للجلسة وأحد مديريها!! لكنني قلت على الأقل أسجّل موقفي. ملاحظتي هذه على كل أعضاء المكتب التنفيذي للمجلس الوطني بدون استثناء، وعلى غالبية أعضاء الأمانة العامّة آنذاك. لكن للأمانة حاول برهان إمساك العصا من المنتصف. عموماً ما أكتبه هنا ليس لأقول كنت على صواب وكانوا على خطأ. بل لأنني أريد توضيح أن لغة البيان الموجّه ضدّ بسمة قضماني كانت هي اللغة الحاكمة للمجلس آنذاك، ولا تزال تحكم أكثريّة هيئة التفاوض والائتلاف، رغم كل مامرّت به الثورة!!” قد يختلف الإنسان مع بسمة قضماني في الكثير من الأمور, إلا أنها قوية فكرياً وثقافياً وسياسياً وأخلاقياً, وقد جرت فبركة ما قالته في الجلسة من عام 2008 والمخصّصة لأمور ثقافية بمناسبة معرض الكتاب الإسرائيلي في باريس,في هذا اللقاء عام 2008 قدّمت بسمة قضماني كتابها “لتسقط الجدران” وفي هذا الكتاب تناولت الدكتورة بسمة قضماني مشاكل فلسطينية-إسرائيلية, خاصة مشكلة الجدار الذي بناه شارون, لم تكن جلسة سياسية”، تمّت فبركة لأقوال بسمة في السابق حول القضية الفلسطينية. والآن يتناولونها من جانب آخر.
أقول لهؤلاء السادة التالي، دستور الأسد ينصّ:
المادّة الأولى من دستور الأسد 1- الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية ذات سيادة تامّة، غير قابلة للتجزئة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها، وهي جزء من الوطن العربيّ. 2- الشعب في سورية جزء من الأمة العربية.
المادّة الثالثة تنصّ: 1- دين رئيس الجمهورية الإسلام. 2- الفقه الإسلاميّ مصدر رئيسيّ للتشريع.
إذاً أنتم دستورياً لستم ضدّ الأسد. دستوره على مقاسكم بالضبط!! لا أشكّك بوطنية أحد، ولا بثوريّته. لكنّ العقل يقول إن سورية الحرّة التي نادى بها الشعب السوري. ليست حرّة من أجل تطبيق الشريعة، وليست حرّة من أجل هضم الحقوق للمكوّنات غير العربية أو غير الإسلامية أو غير السنّية. ولا هضم حقوق المكوّن العربيّ أو حقوق المكوّن السنّيّ. الشعب السوري الذي خرج في التظاهرات كان يريد سورية على الأقل كتركيا أو كأي دولة أوروبية دستوراً وحرية وقانوناً وكرامة. نعم هنالك في سورية حقوق كرديّة مغتصبة من قبل السلطة. هنالك حقوق للأقلّيات بغضّ النظر عن موقفها من الأسد، إضافة اسم العربية على اسم الدولة لا يجعلكم أكثر أو أقلّ انتماء لعروبتكم. يمكنكم أن تقدّموا نموذجاً لعربيّ يؤمن بحقوق الآخرين دون أن تضيفوا اسم العربية هذا، كونوا نموذجاً بالممارسة وليس بمعركة أسماء وهميّة، عندها تصير العروبة ممارسة ديمقراطية وليست فرضاً. كتبت، أنا وغيري، كثيراً عن أسباب تفضيلنا لمسمّى الدولة السوريّة بدل الجمهورية العربيّة السوريّة. لا أريد الإطالة هنا، أمّا عن تطبيق الشريعة الإسلاميّة كأحد مصادر التشريع، خاصة في الأحوال المدنية للمسلمين، ليست خطأ لكن فرضها على غير المسلمين، هنا الكارثة، كأحد مصادر التشريع إلى جانب قانون مدنيّ في كل شيء، قانون مدنيّ يتّفق عليه جميع السوريين، مَن أراد الزواج عند الشيخ أو في الكنيسة فليتزّوج، ومَن أراد أن يتزّوج في محكمة شرعية فليتزّوج، ومن أراد أن يتزّوج في محكمة مدنيّة، يحقّ له أيضاً. يجب أن تقبلوا أن هنالك زواجاً سنّياً ودرزيّاً ومسيحيّاً ومدنيّاً، وهو الأهمّ، ببساطة دون لفّ ودوران. أمّا أن نعود إلى دين رئيس الدولة وتسميته، فهذا محض خرق لأهمّ مبادئ حقوق الإنسان. حتى الإسلام نفسه لايقبل بذلك. كل سوريّ يحقّ له أن يكون رئيس دولة، مسيحيّاًأم درزيّاً أم كرديّاً أم آشوريّاً. أمّا مقولة تطبيق الشريعة، فهي تبخيس بحقّ الإسلام وبحقّ أهلنا الذين قاموا بالثورة ودفعوا الغالي والرخيص من أجل سورية ديمقراطية حرّة. ألا تدافعوا كلّكم عن تركيا!! كونوا كتركيا. لماذا تدافعون عن تركيا إذاً؟ تركيا دولة علمانية وستبقى، وعلمانيّتها وديمقراطيّتها هي التي سمحت لحزب إسلاميّ أن يصل للسلطة ديمقراطيّاً. واجهوا أنفسكمقليلاً..
أخيراً.. طبّقِ الشريعة في بيتك، هل تستطيع؟ أنت حرّ ما لم تفرضها فرضاً بالقوّة!! نحن نتحدّث عن وطن فيه مكوّنات أخرى لها نفس حقوقك، وعن دولة وضعيّة تسيّر بقوانين وضعيّة، كلّ مواطن فيها يجد حقوقه وواجباته في هذه القوانين. إنها دولة القانون والحرّيّات.
اترك تعليقاً