الدكتور رشيد الحاج صالح
لتحميل المادة بصيغة PDF أنقر الرابط أدناه
مقدمة
مع بداية ثورات العالم العربي نهاية عام 2010 عاد الحديث القديم الجديد عن دور المثقفين في الحياة السياسية والاجتماعية عموماً، ودورهم في الثورات، وتفاعلهم معها على وجه الخصوص.
فعلاقة المثقف بالتحولات الكبرى، وتحديد دوره فيها، بقيت من الإشكالات التي تجذب النقاش ويثار حولها الكثير من الجدل، وهو أمر أعتقد أنه يعود إلى وجود فارق بين ما هو مأمول ومطلوب من المثقف من جهة، وبين حقيقة دوره على أرض الواقع من جهة ثانية. سيما أن أدوار المثقفين من الثورات تنوعت حتى وصلت حد التناقض، بين متبنٍ لها بشكل مطلق لدرجة أنه لا يقبل أي نقد لها، وبين رافض لها لدرجة وصفها بالمؤامرة، والتسبب بتدمير المجتمع وتفتيته.
يبدأ هذا البحث بطرح سؤال متجدد حول هو طبيعة دور المثقف في عصرنا الحالي، وفيما إذا أخذ أدواراً نقدية غير تقليدية، أم مازال يدور في فلك المثقف الوصائي التقليدي. ثم ننتقل مع القارئ إلى تحليل خصوصية الثورة السورية، التي نعتقد أنه كان لها الدور الأساسي في تباين مواقف المثقفين السوريين من الثورة. فعلى الرغم من أن للثورات قواسم مشتركة، من حيث أنها جميعاً تطلب الحرية والخلاص من أنظمة الظلم والاستبداد، وتبدأ من الشوارع، إلا أن لكل ثورة في النهاية جانباً خاصاً بها، وظروفها الاستثنائية التي ترافقها. إلى أن نصل إلى تصنيف دور المثقفين السوريين من الثورة السورية. وسنلجأ هنا إلى تقسيم المثقفين إلى فئتين:
الأولى- فئة تقليدية أيديولوجية: وهي فئة منشغلة بالمناقشات النظرية البعيدة عن الواقع وتعقيداته، وغارقة في تنظيرات مجردة ومثاليات لا تعني الوضع القائم لا من قريب ولا من بعيد. وهذه الفئة ما زالت أسيرة الدور النخبوي الذي لا تعي نفسها إلا من خلاله. ومن صفاتها أيضاً أنها فئة غير مقدامة وتنقصها الكثير من الشجاعة، ولذلك تجدها تخفي قلة شجاعتها بالاعتقاد بالحتميات وبأن الوضع لا ينفع معه فعل أي شيء، بل أنها أحياناً تجدها تردد مقولات النظام من حيث لا تشعر عندما تقوم بتحمل الناس مسؤولية التراجع والتخلف، ولذلك تجدها أحياناً تشعر بالقرف من الناس أكثر من النظام نفسه.
الثانية – فئة المثقفين النقديين الحداثيين: وهي الفئة الأقرب إلى الواقع المعش والأكثر انشغالاً بالثورة. تتعاطى مع المسائل النظرية والإيديولوجية ولكن دون أن يفقدها ذلك التركيز على النظام من حيث أنه هو أصل البلاء، وعلى الثورة من حيث أنها هي الطريق الوحيد المتاح للخلاص. وعموما تتصف هذه الفئة بإيجابيتها في التعامل مع الشأن العام، وبإيمانها بمصالح الفئات المهمشة، وبتبنيها قضية الحرية بوصفها غاية بحد ذاتها ويستحقها جميع الناس بدون استثناء.
ثم ننتقل بعد ذلك إلى وضع تصنيف نحدد فيه أنماط المثقفين السوريين في تفاعلهم مع الثورة، وهنا سنحدد ستة أصناف: أولاً مناصرو الثورة والمشتغلون عليها، ثانياً المحافظون أو الإصلاحيون المؤيدون للثورة، ثالثاً الإصلاحيون الرافضون للثورة ثقافياً وفكرياً، رابعاً الحياديون، خامساً المعارضون بشكل مطلق للثورة، سادساً المتشددون الداعون لعسكرة الثورة. بحيث نقوم بتحليل دور كل نمط وتكوينه الثقافي، والأفكار التي تحكم موقفه من الثورة.
ولا يكتفي البحث بتحليل دور المثقفين من الثورة بل يذهب إلى الوقوف على حقيقة موقف الناس من المثقفين بعد اندلاع الثورة، وهنا نجد وجهتي نظر:
الأولى: وجهة نظر سلبية، وهي إما أنها لا ترى أي دور مهم لهم في الثورة، أو تقف موقف مشكك في المثقفين من حيث أنهم يحبسون أنفسهم في برجهم العاجي العزيز، ويترفعون عن الاهتمام بمعاناة الناس وهمومهم. أما الاتهام الأكثر شعبية فهو تقرّبهم من السلطة ومهادنتهم لها والتنعم بخيراتها. والثانية: وجه نظر إيجابية، تعتقد أن المثقفين هم الملهمون الحقيقيون للثورة، وهم الذين أبقوا على أفكار الحرية والحقوق والكرامة في بال السوريين، عبر نضالاتهم الطويلة والمريرة.
ونختم البحث بتحليل التحول الذي طرأ على موقف المثقفين السوريين بعد الثورة، وهل المثقف السوري قبل الثورة غيره بعد الثورة؟
أولاً: مفهوم المثقف المعاصر:
على الرغم من كثرة الانتقادات التي توجه للمثقف ودوره، إلا أنها كثيراً ما انتهت إلى ضرورة استخلاص دور جديد للمثقف، يقوم على إعادة العمل على المثقف نفسه، ويحاول إعادة بناء دوره بشكل مختلف كلياً. فبدلاً من أن يكون المثقف داعية وصاحب دور رسولي يمارس الوصاية والتوجيه على المجتمع، وينصِّب نفسه الناطق باسم العدالة والحارس على ضميرها، أصبح عليه اليوم أن يعيد التفكير في المفاهيم المعرفية والسياسية والاجتماعية نفسها، وأن يكشف للناس الأساليب التي تتكوَّن عن طريقها الحقائق وتقدم لهم. فاليوم اتضح أن الحقيقة والخير والشر والبطولة والعدالة والخيانة والجنون مفاهيم سياسية، تخدم من يصنعها ويوظفها لتمرير مصالحه. فالمسألة أصبحت ليست في أن “نغير وعي الناس، أو ما في عقولهم، بل أن نبيّن للناس كيف يتكون وعيهم بالأساس، وما هي الحيل والسلطات والمصالح التي تقف خلف هذا الوعي، أو بكلام آخر أن “نغير النظام السياسي والاقتصادي والمؤسساتي لإنتاج الحقيقة”[1].
وهذا يتطلب من المثقف العمل على الكشف عن آليات السلطة الحديثة التي تعمل بشكل غير مرئي للعيان، أو ما يسميه (فوكو) بـ “السلطة الحيوية”، وهي مجموع الآليات والمؤسسات الثقافية والإعلامية والجامعات والمدارس والجوامع والمختبرات والمشافي ومختلف العلوم الطبيعية والاجتماعية التي تكوِّن من خلالها الفئات المهيمِنة الرأي العام، وتصنع بواسطتها الحقيقة للمجتمع. حتى أن الإجراءات التي يراد منها حفظ المجتمع وتنميته وتعليمه ورفع مستوى الوعي لديه، اتضح أنها ليست سوى إجراءات يُراد منها السيطرة على المجتمع بوسائل ناعمة، وبطرق غير مباشرة.
وعلى العموم فإن هناك صفتين أساسيتين للمثقف النقدي الحداثي لا بد أن يعمل عليها باستمرار، وهاتان الصفتان هما:
- نقد السلطات المعرفية والسياسية التقليدية: فالمثقف يعد من الفئات الاجتماعية المحدودة التي تنتقد القوى التقليدية في مجتمعه، وتناهض السلطات المعرفية والسياسية الجامدة، وتعمل على فضحها، وتبيان أساليب هيمنتها، وتجتهد في تكوين وعي مضاد للآليات التي تلجأ إليها السلطات التقليدية من أجل المحافظة على الوضع الراهن. كما تقع على عاتقه مهمة الكشف عن الأقنعة، والبطولات الوهمية، التي تطمس واجبات الدول في تحقيق مطالب الحرية والعدالة للمجتمع، وتُسهِّل الهروب من هذه الاستحقاقات.
فالمثقف، كما يصفه (إدوارد سعيد): “إنما هو إنسان يراهن بكينونته كلّها على حس نقدي، على الإحساس بأنه على غير استعداد للقبول بالصيغ السهلة، أو الأفكار المبتذلة الجاهزة، أو التأكيدات المتملقة والدائمة المجاملة لما يريد الأقوياء التقليديون قوله…، ولا يعني هذا الأمر دوما أن يكون المثقف ناقداً لسياسة الحكومة، بل أن يرى في المهنة الفكرية حفاظاً على حالة من اليقظة المتواصلة ومن الرغبة الدائمة في عدم السماح لأنصاف الحقائق والأفكار التقليدية بأن تُسِّير المرء معها” [2]. وهذه الصفة هي التي جعلت من غالبية المثقفين المفكرين شخصيات “متوترة” و”معارضة” و”مبدعة” و”متمردة”، وأحياناً “منعزلة” أو”منطوية”. وهذا ما يفسر أيضاً أن فئة المثقفين كثيراً ما تضع نفسها في صراع” مع الدولة، أو الطبقة السياسية والطبقة المسيطرة في المجال الاقتصادي. كما تدخل ضمن علاقة تقوم إلى حد بعيد على المنافسة مع المؤسسات التقليدية (الكنائس، الجامعات، الجيش)” [3] .
المفكر الفلسطيني الراحل ادوارد سعيد
ويبدو أن هذا الدور النقدي برز بشكل أساسي في أوروبا الحديثة، من حيث أن المثقفين أصبحوا يدركون أنفسهم بوصفهم فئة لها وجودها وتأثيرها ودورها الذي تريد أن تفرضه على المجتمع. ففي أوروبا القرن العشرين غالباً ما كان المثقف عموماً في مقدمة الثوريين، ولا يقبل التنازل عن مهمة نقد المجتمع والدولة [4]. دون أن يعني ذلك أن هذا الدور النقدي جديد كل الجدة، بقدر ما يعني أن تنظيم المثقفين لأنفسهم وبروزهم على الساحة السياسية والثقافية كجماعة مدركة لذاتها ودورها هو الجديد في الموضوع.
وتنطلق القضية الجوهرية للمثقف المعاصر اليوم من التأكيد على أولوية الفرد على المجتمع، والكشف عن السلطة القابعة داخل مفاهيم القومية والهوية والأمة والمقاومة والدين والطائفة، بوصفها كيانات ذهنية تهيمن على الفرد، وتدفعه لكي يكون مجرد تابع لها، ولا هم له سوى خدمتها، لدرجة يفقد معها فرديته وحريته وحقوقه، لصالح ما يسمى بالواجبات، ليتحول في النهاية إلى عبد لهويته، بحيث لا يعود هناك أي معنى لحياته خارج تلك المفاهيم الكبرى. حتى أن (آلان تورين ) يذهب إلى حد يحمّل فيه مفاهيم القومية والأمة والهوية والمصالح العليا للوطن مسؤولية العنف والحروب الدينية والثقافية وبروز ذهنية القوة التي يعاني منها عالمنا المعاصر[5]. وطبعاً النقد هنا لا يعني التخلي عن تلك المفاهيم التي لا يستطيع الإنسان العيش بدونها، ولكنه يعني الكشف عن الهيمنة القابعة خلف تلك الكلمات، وإعادة بناء تلك المفاهيم بحيث تكون لحقوق الفرد أولوية على واجباته القومية، وأن لا يتحول إلى خادم لهويته بل يسعى من خلاها إلى الارتقاء بذاته وبالآخرين معه، عبر تشييد هوية منفتحة وليست مغلقة، مكتسبة وليست قبّلية، توافقية وليست تناحرية.
- الانحياز للقيم الإنسانية : التفكير في الحرية يشكل “وجود السياسة ذاته” [6]، كما تقول (حنة آرندت) والسعي لإقامة عالم عادل وحر هو مسعى كل مثقف، والتأسيس لحياة تتخذ من العقلانية أساساً لها هو أمر قابع في لا وعي كل مثقف. إذ لا يمكن لمهتم بالشأن الوطني والاجتماعي العام إلا أن يفكر في كيفية الوصول إلى حياة مثالية يعيشها ويتمتع بها الجميع، على الرغم من أن ذلك التفكير يأخذ عندهم أشكال مختلفة تصل إلى حد التناقض، وذلك بسبب اختلاف العصور والإيديولوجيات والمصالح. ولعل هذا الانحياز هو ما دفع بمؤرخي المثقفين إلى اعتبار صفة “الالتزام السياسي” [7] ، أمراً جوهرياً بالنسبة لأي مثقف لا يمكن تحديد وجوده بدونها. يضاف إلى ذلك أن الالتزام بالقيم الإنسانية تلك يصعب أن يكون بمعزلٍ عن قضايا الهوية والقومية واليمين واليسار والتحرر والديمقراطية والثورات والتنمية والأحزاب وحقوق الإنسان، بقدر ما يكون من خلالها، وفي أحضانها.
ثانياً: جدل حول دور المثقف:
على الرغم من الحديث المطروق حول “نهاية المثقف” أو “أوهام النخبة” أو”أزمة المثقفين”[8] ، إلا أن البحث في دور المثقف ما يزال يكتسب أهمية خاصة ناتجة عن النفوذ الذي يمارسه المثقف داخل المجتمعات. فالمثقف هو الذي ينتج الأفكار والرؤى التي يتداولها الناس عن أوضاعهم، ويحدد الطريقة التي يرى فيها المجتمع مستقبله، ويرسم الإطار العام الذي يفسر من خلاله الناس الأحداث والتغيرات الكبرى. مثلما أنه هو الذي يملأ مساحات التفكير بما يجب أن تكون عليه الأمور في لاحق الأيام. كما أنه هو الذي يأمل منه الناس تقديم الحلول للمشاكل الكبرى التي تعصف بالمجتمعات من حين لآخر، دون أن ننسى أنه يعتبر نفسه هو المحرر الذي يساعد مجتمعه على مواجهة مختلف أنواع السلطات التقليدية، الدينية منها والسياسية.
وعلى الرغم من ذلك فإن للمثقفين عيوباً، وكثيراً ما يشوب دورهم نوع من الُشبهات. فهم لا يميلون للمجازفة، وكثيراً ما يدغدغون مشاعر الجمهور، أو ما أصبح يعرف بالنزعة الشعبويّة التي ينافق من خلالها المثقفون للناس ويتكلمون بما يريده ويحبه الاخرين، وذلك لزيادة شعبيتهم لدى الشعوب، حتى لو كان هذا الكلام كذباً او نفاقاً أو كلاماً فارغاً من أي معنى حقيقي، سيما وأن السلطات في العالم العربي تشجع تلك النزعات الشعبويّة، وتحاول الاستفادة منها قدر الإمكان، لما لها من دور كبير في التنفيس عن مشاعر الكبت لدى الناس، وتكوين وعي زائف يضع الأسباب مكان النتائج، ويحول المشكلات إلى حلول.
يضاف إلى ذلك أنه من السهل تفسير مواقف المثقفين بالمصالح والشروط الاجتماعية والثقافية، لدرجة يمكن معها القول بأن تلك المصالح والشروط “كثيراً ما تُسيًرهم بدلاً من أن يضعوا أنفسهم في عالم اللامصلحة النقي والالتزام الحر”[9]. بحيث نجد عدداً كبيراً من المثقفين قد تنازل عن سلطتهم الأخلاقية لمصلحة “تنظيم العواطف الجماعية، مثل الروح الطائفية، والمشاعر الجماهيرية، والعدوان القومي..”[10]. ناهيك عن النقد الذي وجهه (غرامشي) لدور المثقف وضرورة أن يتحلى بقدر كبير من الشعور بالمسؤولية تجاه مجتمعه وأن يرتبط عضوياً بالجماهير وإصلاح احولهم.
وتزداد الامور تعقيداً مع ( بيير بورديو) الذي يعتقد أن المثقفين عالقون في حبائل دور مركب يتمثل في أنهم “بصفتهم أصحاب رأس مال ثقافي، فئةٌ مُهيمنٌ عليها داخل الطبقة المهيمِنة” [11]، وفي أن بعضهم أصبح مجرد “فكر آلي ولغة ميكانيكية باعتبارها نتاجات الجهاز التي تهدف إلى الحفاظ على الجهاز فحسب” [12]. أما (توماس سويل) فيذهب إلى حد التأكيد أننا نادراً ما نجد “دكتاتوراً في القرن العشرين يقوم بالقتل الجماعي من دون مؤيديه من المثقفين، ليس في بلده فقط، ولكن في الدول الديمقراطية أيضاً، حيث الناس احرار في أن يقولوا ما يريدون”[13].
غير أن نقد المثقف لا يراد منه جلد المثقف وتحميله أوزار المجتمع، لأنه يبقى على الرغم من كل ذلك أهم القوى التي تسعى للتغيير داخل المجتمع وكشف تناقضاته وأوهامه. فالمراد من نقد أوضاع المثقف هو دفع المثقف نفسه لإعادة التفكير في دوره، والتأمل في ما جنى من النخبوية المتعالية من تهميش وغربة، وإدراك أن عليه أن يتغير هو نفسه حتى يمكنه أن يغير في الآخرين، وأن يلتفت إلى الشارع الذي كثيراً ما تنطلق منه حركات التغيير.
وعلى الرغم من أن الحديث عن الأوهام والعيوب التي وقع فيها المثقفون متشعب، وله مداخل عديدة، إلا أنه يمكننا هنا أن نوجز أربعة عيوب عادةً ما يرتكبها المثقفون بحق أنفسهم أولاً، وبحق مجتمعهم أيضاً. وهذه العيوب هي:
- السلطوية: إذ كثيراً ما يبالغ المثقفين في تقدير حكمتهم، ويميلوا إلى مخاطبة المجتمع بلهجة سلطوية “يتجاوزون فيها حدود كفاءتهم الفنية، خاصة في مجال السياسة” [14].
- الشعبويّة : بحيث يمكن القول أن القليل من المثقفين جنَّب نفسه إغراء الشهرة وهالة المكانة والوجاهة، ولذلك جاءت إسهاماتهم استجابة لتلك الاغراءات على حساب دورهم النقدي والأخلاقي[15]. ويمكن ملاحظة مثل تلك النزعة الشعبويّة في كتابات عدد كبير من الصحفيين والكتاب الذين يقدمون “تفسيرات للعالم بعبارات تحقق رضا القرّاء العاطفي ورضاءهم هم أنفسهم على حدٍ سواء. وتقع إساءة فهم الكثير من المسائل، ليس لأنها معقدة إلى درجة يتعذر على معظم الناس فهمها، ولكن لأن التفسير العادي يكون أقل استجابة لحاجات الناس العاطفية من تفسير ينتج أوغاداً نكرههم، وأبطالاً نمجدهم. وفي الواقع قد يكون التفسير العاطفي الذي يخلق شعوراً بالارتياح في كثير من الأحيان أكثر تعقيداً من التفسير العادي الذي هو أكثر توافقاً مع الحقائق القابلة للإثبات، وهذا ينطبق بشكل خاص على نظرية المؤامرة” [16].
- اللامسوؤلية: بمعنى أن المثقفين لا يشعرون بأنه يمكن للمجتمع أن يحاسبهم إذا ما أخطؤوا التقديرات، وقدموا تحليلات أضرت بالمجتمع. فالمثقفون “غالباً ما يتمتعون بالحصانة، حتى من خسارة سمعتهم في حال اتضح خطؤهم … إن أحد امتيازات المثقفين التي تدعوا للاستغراب، هي أن يكونوا أحراراً في أن يكونوا بلهاء إلى حد كبير دون أن يضر ذلك بسمعتهم”[17].
- الاغتراب: كثيراً ما يبني المثقفون عالماً مثالياً خيالياً، بعيداً كل البعد عن الواقع الذي يزداد تعقيداً. ومن مظاهر هذا الاغتراب استخدامهم لمفاهيم مطاطة لم تخضع للتجريب والفحص المنطقي، ولجوئهم إلى (العدمية) أو (الحياد) كوسيلة للهروب من قسوة الخيارات المتاحة. ومن أمثلة هذا الاغتراب: تبني بعض المثقفين لموقف اصلاحي مثالي ضد الطغاة، ذلك أن مثل هكذا موقف ينتهي “إلى طريق مسدود، ومن ثّمَّ إما أن يتحول إلى موقف محافظ أو ثوري … فتعود هذه الثنائية لتفرض ذاتها. وقد يختار بعضهم الموقف العدمي ويحوّل العدمية إلى قيمة هرباً من الخيارين الصعبين أعلاه”[18] .
ثالثاً: دور المثقف والثورات:
على الرغم من أن الثورات أكبر من المثقف في النهاية إلا أن ذلك لا يعني أنه لا يحتل مكانة مهمة بين المؤثرين في الثورات واندلاعها. إلى مثل هذا الرأي تذهب (حنة آرندت) التي ترى أن دور المثقف قد لا يكون كبيراً في اندلاع الثورات، ولكنه يكبر مع الثورة من حيث أنه هو الذي يوجهها في النهاية[19]. وتصل الحماسة لدور المثقف ببعضهم إلى المجاهرة بأنه “بدون المثقفين لم تشتعل أي ثورة رئيسية في التاريخ الحديث، وفي المقابل لم نقم بأي حركة مضادة للثورة بدون مثقفين، فالمثقفون هم آباء الحركات وأمهاتها، وبالتأكيد أبناؤها وبناتها” [20]. وإلى مثل هذا الرأي يذهب (الطاهر لبيب)، الذي أكد أنه وعلى الرغم من التواطؤ المبتذل لبعض المثقفين مع الأنظمة القمعية إلا أنه من غير الممكن أن نهمل “ما بذلته النخب، عبر عقود، من جهد النضال، في الفكر والسياسة، وما تراكم من ذلك، عبر العقود”[21] ، لينتهي إلى أن النخب هي التي فعَّلت الميادين على الرغم من أن لكل ثورة نخبها “لأن الثورات أكبر من أن تُترك للسياسيين يتدبرون أمرها” [22].
غير أن الحديث عن دور المثقفين في الثورات لا يعني أنهم الفاعلون الأبرز في مجرياتها، فبالرغم من أن تلك الفئة قد تؤمّن الزخم للشعوب، وتقدم اللغة والإطار الفكري الذي يساهم في تنظيم تصوراتهم عن الثورة، وماذا يريدون منها، وكيف يتفاعلون معها، إلا أن لدى الشعب “إطاره وثقافته”[23] المستقلة عن تلك النخب. فالشعوب في النهاية لها حكاياتها وأفكارها التقليدية الخاصة بها عن الحياة والسياسة والمستقبل والعدالة، وهذه تؤثر فيها أكثر من كلام النخب. وهذا ما يفسر من جهة ثانية أن الثورات، في كثير من الأحيان، لا تتجاوب مع توجهات المثقفين، وكثيراً ما تسلك طرق مجهولة، لم تتوقعها لا النخب ولا الشعب نفسه.
فإذا كانت الثورات “حالة ثقافية”[24]، بمعنى أنها شعور عارم بضرورة التغيير الجذري، وإحساس مشترك بعمق المأساة التي يعيشها شعب ما، قبل أن تكون حالة اجتماعية أو اقتصادية، على الرغم من أن الحالة الاجتماعية والاقتصادية كثيراً ما تحفز الحالة الثقافية، فإن هذه الحالة الثقافية معقدة ومتشابكة، لأنها لا تستمد جذوتها من أفكار المثقفين، بالدرجة الأولى، بقدر ما تستمدها من الاحساس العام بالظلم الذي يعيشه الناس في حياتهم أولاً، ومن ثقافتهم الشعبية والتقليدية، وما تتضمنه من أفكار للخلاص ثانياً. ولذلك فإن هناك عدداً من الثورات سرعان ما تنفلت من مجال تأثير النُخب، لتنزلق في دروب بعيدة، تلعب فيها الثقافة التقليدية والظروف الدولية وخطط الطغاة الدور الأكبر.
رابعاً: حول خصوصية الثورة السورية:
رابعاً: حول خصوصية الثورة السورية:
من الواضح أن دور المثقفين السوريين في الثورة، وتفاعلهم مهما، تأثر كثيراً بالأوضاع الخاصة التي رافقت الثورة في مسيرتها، خلال السنوات الخمس والنصف الماضية، الأمر الذي عقّد عملية تفاعلهم مع مجريات الثورة، والتحولات التي طرأت عليها. فالثورات – بحسب مؤرخ الثورات (إيريك سلبين) – تتميز “بفروقها وليس تشابهها” [25].
ويمكن ايجاز هذه الخصوصية للثورة السورية بالنقاط التالية:
- التنوع المذهبي والديني والقومي الذي يتمتع به النسيج السوري، بحيث لعبت هذه الانتماءات دوراً لا يستهان به في طريقة تعامل المثقف مع الثورة، وظهور ما أخذ يعرف بـ “حقوق الأقليات” ومخاوفها، وتصوير بعض المثقفين للثورة بأنها ثورة الأكثرية ضد الأقليات. ناهيك عن ظهور تخوف واضح من تقسيم سوريا على أسس مذهبية أو إثنية، بسبب ذلك التنوع، واللعب السياسي الذي تم عليه.
- تحول الثورة السورية من ثورة سلمية شعبية في مراحلها الأولى إلى ثورة المسلحة، حيث وصل العنف والدمار درجة غير مسبوقة في تاريخ سوريا. ومن المعروف أن موقف المثقفين من الحروب موقف معقّد، ويميل إلى رفض العنف، على الرغم من أن هناك كثير من المثقفين أيدوا الحروب، حتى أن هناك من يحمّلهم مسؤولية الحرب العالمية الأولى. والمشكلة التي ظهرت هنا أن غالبية المثقفين قد وقفوا موقفاً متحفظاً من الثورة بعد تحولها تدريجياً إلى ثورة مسلحة، بسبب ما يمكن أن تنتهي عليه الاوضاع في حال تحول الأمر إلى حرب شعواء بين السوريين أنفسهم.
- بقى المثقف السوري يعاني من الانغلاق السياسي الرهيب وغياب الحريات بشكل شبه مطلق لأكثر من نصف قرن تقريباً. ويبدو أن هذا الأمر أثر على كيفية تعامله مع الثورة التي فاجأته مثلما فاجأت الكثيرين. حتى أن هذا التاريخ الطويل لغياب ثقافة الحريات وحقوق الإنسان، والإلحاح المستمر على التحشيد الإيديولوجي، أدى في النهاية إلى تعود غالبية المثقفين على الاكتفاء بالمناقشات النظرية والعقائدية، وترك الواقع المعقد وهموم الشارع السياسي، تحت تأثير الخوف من السلطة. يقول صادق جلال العظم حول هذا الانغلاق: “شكّل هذا الواقع عندي (وعند غيري) نوعاً من عقدة النقص الراسخة بالعجز أمام النظام العسكري الأمني الكلي وسطوته، كما أدى إلى استبعاد أية فكرة أو حتى احتمال لقول لا (فردية أو جماعية) كبيرة له. داريت عقدة النقص في داخلي بالتكيف اليومي البطيء مع هذا الواقع الأمني- الاستبدادي المرير والضاغط دوماً، كما داريتها بالاستبطان الجيد لقواعد وأصول التعامل معه بكل ما تتطلبه من نفاق وتظاهر بالتصديق والقبول والتكتم والتقية والتلاعب بالكلمات والتحايل في مواجهة القوة العارية. لولا ذلك لما تمكنت من الاستمرار في حياتي العادية والقيام بالأعمال الروتينية والمهام اليومية، أو من المحافظة على صحتي النفسية والعقلية” [26].
وعلى الرغم من وصف العظم الدقيق لحالة الاستلاب الكامل للمثقف في سوريا منذ ثمانينات القرن المنصرم، إلا أنه يمكن القول أيضاً أن هناك عدداً كبيراً من المثقفين أنفسهم قد عاش حالة الاستلاب وتمادى بها من داخل نفسه، حتى في الوقت الذي يمكن أن يفعل فيه شيئاً ما. ويمكن أخذ حالة قسم الفلسفة في جامعة دمشق في تسعينات القرن العشرين كمثال على التمادي في حالة الاستلاب واللامبالاة، بل و”اللؤم المعرفي” الذي عاشه المثقف. فبالنسبة للعظم نفسه، وهو المختص المشهور بالفلسفة الحديثة، كان الرجل يرفض تدريس مواد الفلسفة، من باب أنه كان يستخسر أن يضيع وقته الثمين مع الطلاب، ليتفرغ للنشر العلمي الخاص به والقيام بجولات علمية خارج البلاد عالية الدخل، لدرجة أنه لم يدرِّس مواد الفلسفة في جامعة دمشق، وبقي حضوره العلمي في قسم الفلسفة هامشياً، وذلك بخلاف دوره الإداري، ولذلك لم يستفد طلابه من معرفته الرفيعة، التي قدمها لطلاب جامعات أمريكية ويابانية وألمانية، حتى أنه لم يشرف على أي رسالة ماجستير أو دكتوراه طوال السنوات التي قضاها في جامعة دمشق.
المفكر السوري الراحل صادق جلال العظم
أما نحن طلابه فقد تركنا فريسة سهلة للدكاترة القادمين من جامعة الصداقة بموسكو لكي يطلبوا من بعضنا كتابة رسائل جامعية عن حافظ الأسد وفكره القومي (كان يطلب منا ذلك الدكتور سليم بركات بشكل دائم). طبعاً لم يكن العظم وحده يمارس حالة “اللؤم العلمي” علينا بل هناك كثير غيره، ناهيك عن أن العظم من المثقفين البارزين الذين انتفضوا على واقعهم السياسي والتحقوا بالثورة.
أما الذين مارسوا “اللؤم المعرفي” فنذكر منهم على سبيل المثال أساتذتنا د. عادل العوا، ود. عبد الكريم اليافي وغيرهم .. غير أن لذالك اللؤم العلمي أنواعاً، ونقصد بذلك امتناع العوا مثلاً عن تعيين دماء جديدة في قسم الفلسفة، عندما كان رئيساً لقسم الفلسفة، طيلة أكثر من عقد من الزمان، والاكتفاء بالذين يعينون من قبل الجهات الحزبية والأمنية. وهناك نوع آخر من اللؤم العلمي تمثل في قيام أولئك الدكاترة بإغراق القسم بعدد من المقررات التي تقدم مادة فلسفية نظرية موغلة في التجريدة، كثيراً ما تغِّرب الطالب عن واقعه ومجتمعه، في نوع من الاستعلاء المعرفي الذي يجعل الطالب يعتقد أن الفلسفة مجرد مناقشات ميتافيزيقية ليس لها علاقة بالواقع المعاش، حتى يتخرج طالب الفلسفة من جامعة دمشق وهو يعرف عن أثينا أكثر ما يعرف عن دمشق، ويعرف عن جمهورية أفلاطون أكثر مما يعرف عن الجمهورية العربية السورية، وعن حقوق اليونانيين أكثر بكثير من معرفته عن حقوق السوريين، كما أنه يحفظ دساتير المدن اليونانية القديمة، مع العلم أنه لا يعرف ولا حتى كلمة واحدة عن الدستور السوري.
- الثورة السورية، مثلها في هذا مثل الثورات العربية المعاصرة، لم تقم بها أحزاب تقليدية، ولم تنطلق من العقائد السياسية، أو لتحقيق أهداف إيديولوجيا، كما أنها ثورة بلا رأس ولم يكن للشخصيات الكاريزمية أي دور فيها. كانت أيقوناتها الأطفال الذين تعرضوا للتعذيب والقتل (حمزة الخطيب، علي البابنسي..)، بالإضافة إلى المنشدين في المظاهرات (القاشوش والساروت.. )، والناشطات والناشطين الذي تعرضوا لأوضاع قاسية وصلت حد التغييب والقتل.
- تدويل الثورة السورية، وتدخل قوى كبرى ذات مصالح متناقضة في دعم هذا الطرف أو ذاك، وهو أمر حدث لكثير من الثورات، حتى أن العامل الخارجي يكاد يكون من أكثر العوامل أهمية في نجاح الثورات أو فشلها.
خامساً: المثقف التقليدي والمثقف النقدي:
إذا ما حاولنا تقييم دور المثقفين السوريين في الثورة [27] فمن الممكن تقسيمهم إلى نموذجين[28]، لكل منهما نمط معين في تعامله مع الثورة، ونوعية مشاركته في تطوراتها. وهذين النموذجين هما:
- نموذج المثقف التقليدي:
ونقصد به: فئة المثقفين الحزبين التقليديين، والمنتمين لمدارس الأيديولوجيا المعروفة، بالإضافة إلى المفكرين والباحثين المهتمين بالشؤون السياسية والاجتماعية، ناهيك عن دعاة الإصلاح الديني وحوار الأديان. وهؤلاء يتوزعون بين أدباء وأساتذة جامعيين وشيوخ دين ومعارضين تقليديين، ويمكن أن يشمل هذا النموذج بعض القراء المحترفين والفنانين وفئات أخرى. وما يميز هذا النموذج على العموم:
- تقديم الأفكار النظرية والخبرات المسبقة على مشكلات الواقع وتداخلاته، والاهتمام بالإيديولوجية أكثر من التحولات الاجتماعية الكبرى. وغني عن التذكير أن هذه الصفة كثيراً ما أدت بمعتقديها إلى التقليل من دور الواقع وتعقيداته في فهم وتحليل تيار الأحداث المتدفق. فالنظرية عندما تدور في فلك ذاتها كثيراً ما “تزدري التجربة، كما أن الرؤية كثيراً ما ازدرت الوقائع .. . الحقيقة التجريبية عدوة العقائد الدوغمائية، وهي تُعامل كعدو”[29].
- اعتقادها عن ذاتها بأنها (نخبة مختارة)، وأنها هي رأس الحكمة. ولذلك فإن هذا النموذج يميل إلى الاعتقاد بأنه لابد من السيطرة على الجماهير وتوجيهها من أجل الأهداف الكبرى، مما يعني أنه نموذج يحب الجماهير غير أنها لا يثق بقدراتها، ويميل إلى الاستمتاع بالدور الوصائي التسلطي على المجتمع. استناداً إلى هذا التصور عن الذات والتقدير العالي للمعارف المتأتية من القراءة والغوص في الكتب فإن هذه الفئة لا تثق كثيراً بـ “الشباب”، ولا تعلق عليهم آمالاً مستقبلية، فالفئات الشابة بالنسبة للمثقف التقليدي غير ناضجة ولا يمكن الاعتماد عليها في الشأن العام.
- التخشب داخل مواقفهم المسبقة. ذلك أن المثقف الذي تعود على أفكار معينة يصعب عليهم اعادة تقييمها من وقت لآخر. بحيث يأسره نوع من الحميمية ينشأ بينه وبين تلك الأفكار، لدرجة أنه يأخذ بالنظر إليها على أنها جزء من شخصيته، يتحرج من تغييرها مخافة أن تهتز صورته أمام الآخرين.
وهناك أسماء كثيرة تندرج ضمن هذا النموذج، منهم من عاصر الثورة ومنهم من توفى قبل أن يراها. ومن هؤلاء نذكر: د. عادل العوا، تيسير شيخ الارض، د. عبد الكريم اليافي، ندرة اليازجي، د. أسعد علي، نزيه أبو عفش، محمد عبد الحميد الحمد، فايز فوق العادة، سهيل زكّار، محمد قجة…
- نموذج المثقف النقدي الحديث:
ونقصد به فئة المثقفين المنشغلين بأحداث الواقع اليومية، وهموم الشارع السياسية أكثر من انشغالهم بقضايا الإيديولوجية والعقائد النظرية والاهتمامات الفقهية والكلامية والفلسفية المحضة. ويشمل هذا النموذج على: كتاب وفنانين ورسامين وشعراء وأدباء وأساتذة جامعيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان والحريات، ناهيك عن بعض المثقفين التقليدين الذين طوَّروا من ادواتهم المعرفية، وأصبحوا أكثر معاصرة للأحداث.
أما ما يميز هذا النموذج فهو: نقده للبنى الاجتماعية والسياسية التقليدية أولاً، وانخراطه العفوي والحماسي بالشأن العام، ودخوله في نقاشات علنية وتحليلات معمقة حول المحرمات السياسية والطائفية والإثنية والاجتماعية، بعيداً عن التحفظ والرؤى المثالية ثانياً، وإيمانه بالثورات والعمل الشعبي كخيار فعال في تغيير المجتمعات ثالثاً، وقربه من قضايا الناس المباشرة وهمومهم وجسارته في التفاعل مع تلك الهموم رابعاً.
غير أنه لابد من الإشارة إلى أن هذا التقسيم يتصف بالمرونة أكثر من كونه تقسيما نهائياً، فهناك عدد لا يستهان به من المثقفين التقليدين أدركوا مشكلة الآراء المسبقة وسلبيات الجمود الأيديولوجي، وبرود العقلانية النظرية، الأمر الذي دفعهم إلى اجراء مراجعة شاملة ومستمرة للكثير من مسلماتهم سواء قبل الثورة، أو بعدها، فالتغيرات الرئيسية تولد من رحم الثورات، كما يقول تاريخ الأفكار.
وعلى العموم، فإن تفاعل النموذج النقدي مع مجريات الثورة كان أكبر بكثير من تفاعل النموذج التقليدي، وذلك لاعتبارات مختلفة، يأتي في مقدمتها:
- أن الثورة السورية ثورة شباب وفئات شعبية، والمثقف النقدي يؤمن بدور الشباب والفئات الشعبية المهمشة أكثر من المثقف التقليدي، الذي يميل إلى ممارسة دور وصائي على الأجيال الشابة، وليس إلى مشاركتهم في توجهاتهم. دون أن ننسى أن غالبية المثقفين النقديين هم أصلاً من الشباب المتحمس للحريات، الذي يحمل قدراً أكبر من الشجاعة والإقدام، ولا يحسب الأمور بطريقة باردة ومتحفظة.
- أما الاعتبار الثاني فيعود إلى أن الثورة السورية ليست ثورة إيديولوجية أو عقائدية، كما مر معنا. ولذلك فقد أربكت الثورة المثقف التقليدي المحمل بعبء تلك الإيديولوجيات، والانتماءات ما فوق الوطنية، حيث كان يتصور أن لا ثورة بدون أيديولوجية قومية أو دينية أو يسارية، أو بدون نظرية ثورة وطليعة ثورية وعمق قومي… إلخ .
وأكثر من ذلك فقد كانت لدى المثقف السوري التقليدي، والسوري بشكل عام، في فترة تعود إلى ما قبل تسعينيات القرن الماضي، مشكلة تتمثل في أنه كان ينظر لنفسه على أنه قومي أو إسلامي أو ماركسي بالمُجمل ، وغاب عن ذهنه أنه سوري أولاً وقبل كل شيء، وهذا ما عقَّد تفاعله مع الثورة السورية أكثر. وعلى الرغم من أن حالة تقديم الانتماء لجهة ما فوق وطنية بدأت مع جمال عبد الناصر، إلا أن هذه الحالة أخذت مداها في سوريا في عهد حافظ الأسد، والعراق في عهد صدام حسين. حتى أن الحديث الرسمي والحزبي البعثي كان يركز على تحرير فلسطين ويجعل تحرير الجولان مسألة ثانوية، وذلك من خلال الشعار المعروف آنذاك: “فلسطين أولاً والجولان ثانياً” .
وقد وصل هذا التغريب عن الانتماء الوطني حداً جعل غالبية السوريين يستهجنون بعض الأغاني التي تتحدث عن الانتماء لسورية، في فترة التسعينات، عندما بدأ النظام يهيئ السوريين لخسارات قومية وتنازلات كبرى يمكن أن يقدمها بعد بدء محادثات السلام في مدريد عام 1991، مثل أغنية “أنا سوري أه يا نيالي”، واغنية ” جنة جنة جنة .. سوريا يا وطنا “. يذكر هنا أن مسلسلات ” باب الحارة” و” حمام القيشاني” وغيرها تأتي أيضاً في اطار تنبيه السوريين لسوريتهم، على اعتبار أن القومية “ما عادت تجيب همها”.
أما تأثير ذلك على موقف المثقفين من الثورة فيعود إلى أن غالبية المنتمين للتيارين القومي واليساري نظروا إلى الثورة على أنها نوع من المؤامرات على الدور القومي للنظام السوري وصموده الأسطوري أمام الإمبريالية العالمية. فبالنسبة لهؤلاء، فإن حقوق السوري وكرامته وهويته ومدارس أولاده وراتبه وبطالته ليس لها أي قيمة بمعزل عن قوميته، التي يمثلها النظام طبعاً. وهذه فكرة تشبه أنثروبولوجياً فكرة مجتمعنا التقليدية عن الفتاة، من حيث أنها ليس لها سوى بيت زوجها، الذي يرعاها ويحميها ويؤمن حياتها، دون اعتبار لحقوقها وسعادتها وحريتها، أياً كانت معاملة الزوج لزوجته. ولذلك كثيراً ما تجد الآباء يزوجون بناتهم زيجات يندى لها الجبين، لأن المهم بالنسبة إليه هو “سترها” وإلقاءه لعبء صون شرفها على كاهل شخص آخر هو زوجها، أياً كان هذا الزوج ومهما كانت أخلاقه.
سادساً: أنماط المثقفين والثورة:
وبالعودة إلى تاريخ الثورات الحديثة، نجد أن مواقف المثقفين، كفئة قائمة بذاتها، من الثورة، تتنوع وتختلف من ثورة إلى أخرى، بحسب مجريات وأحداث كل ثورة. وعلى العموم فإنه ما من ثورة إلا وانقسم المثقفون حولها بين مؤيد ومعارض، بين داعٍ لها ومتحفظ عليها. وهذا ما حصل مع مختلف الثورات، بدءاً من الثورة الفرنسية 1789، مروراً بالثورات الأوروبية 1860 والثورة الروسية 1917 والثورة الإيرانية 1979، وانتهاءً بالثورات العربية مع بداية 2011.
وبالنسبة للثورة السورية يمكن تصنيف مواقف المثقفين السوريين منها إلى خمس فئات:
- مناصرو الثورة: وهم المثقفون الذي أيدوا الثورة منذ بدايتها، وشاركوا فيها بطرق سلمية مختلفة. فهناك عدد كبير من المثقفين رافقوا الثورة بالمشاركة في المظاهرات والاعتصامات، ناهيك عن القيام بالتحليل الفكري والسياسي لأهدافها والآفاق المتاحة أمامها، والنقد المستمر لأوضاعها التي أخذت تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم . يدفعهم إلى ذلك حَماس كبير وإيمان مطلق بأهداف الثورة، وقدرتها على إحداث التحولات الكبرى المرجوة. وغالبية مثقفي هذه الفئة من نموذج المثقف النقدي الحداثي، أما فئة المثقف التقليدي فموجودة ولكن بنسبة أقل بكثير.
وما يميز هذه الفئة من المثقفين أنه بقي مع الثورة في سرائها وضرائها، رافقها كمثل الأم التي تبقى ترعى أبنها مهما فعلوا وأياً كانت الأخطاء التي يرتكبونها، تعلمهم كيف يتحملوا المسؤولية، تدافع عنهم وتختصم معهم وتحاسبهم وتضربهم وتعمل على حمايتهم، تحزن لمرضهم وتفرح لشفائهم، غير أنها لا تتخلى عنهم أياً كانت الأسباب.
يتألف هذا النمط من المثقفين المناصرين للثورة بشكل اساسي من جيل مختلف من المثقفين والناشطين الشباب الذين يجمعون بين الجانب الثقافي والجانب السياسي المباشر، وبين الكتابة الفكرية والاشتراك في الحراك الشعبي، مثلما يقومون بنشاط إعلامي وثقافي شعبي بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي- ولا سيما بعد أن سمح النظام بدخول الفيسبوك على شبكة الإنترنت السورية بعد أشهر قليلة من اندلاع الثورة – يراد منه تكوين فهم عام بالثورة، وكيف يمكن لها أن تحقق أهدافها، وما هي الأولويات التي يجب أن يتم التركيز عليها. إذ يُعدُّ هذا النمط من أكثرهم تحمساً للثورة ومشاركةَ فيها.
ومن الممثلين لهذا النمط هناك: عدد كبير من القائمين على “لجان التنسيق المحلية” وجماعة “الأمانة العامة لإعلان دمشق” ، وأعضاء “لجان إحياء المجتمع المدني”، و”إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي” ، و”الهيئة العامة للثورة السورية”، والقائمين على منتديات ربيع دمشق التي ظهرت بعيد توريث السلطة عام 2000، بالإضافة لعدد كبير من المثقفين والناشطين والمحامين وإعلاميي وسائل التواصل الاجتماعي، وعدد أقل من الفنانين والصحفيين ودكاترة الجامعات والقضاة.
وقد أدى تحمس هذه الفئة للثورة إلى تغاضيهم في بعض الأحيان من الممارسات الخاطئة للثوار والمتظاهرين التي بدأت تظهر بين الفينة والأخرى، ولا سيما الممارسات والشعارات التي تتعلق بالطائفية والمناطقية. أما جهودهم للتوقف عند هذه المشكلات وتحليلها فإما أنها أتت متأخرة، أو لم تكن كافية ولا تتناسب مع ضخامة خلفية تلك الممارسات. كما أنهم الفئة الأبرز من مثقفي سوريا التي تفهمت الدعوات المتزايدة لمواجهة ارتفاع درجة وحشية النظام بتسليح الثورة لحماية المظاهرات والدفاع عن النفس، وهو ما لاقى انتقاداً شديداً من الإصلاحيين بمختلف فئاتهم.
- الإصلاحيون المؤيدون للثورة: يعود الفرق بين هذه الفئة والفئة السابقة إلى أن هذه الفئة مؤيده للثورة ولكن بشروط، خلافاً للفئة السابقة التي لا تضع أي شروط. الإصلاحيون هنا مع الثورة ويدعون لها ويقفوا في جانبها ويوجهون نقداً منظماً للنظام وسياساته، غير أنهم يطلبون أن تسير الثورة في مسار محدد، ولذلك تجدهم يسحبون تأييدهم من الثورة إذا سارت في طرق غير الذي يريدونه لها، وكأن الثورات يمكن التحكم بها بعد اندلاعها بواسطة أجهزة تحكم سحرية.
وتتحدد المواقف الأساسية لهذا النمط بالتمسك المبدئي والمطلق بسلمية الثورة، والتأكيد على أن النظام هو السبب الرئيسي في ظهور الحركات الإسلامية المتشددة، والفكر المتطرف عموماً. فالنظام وممارساته، قبل الثورة وبعدها، هي المحرك الفاعل في تأجيج التطرف الذي لم يعرف طريقاً لسوريا قبل سبعينات القرن الماضي. وهذا ما يراه (حسين العودات)، أحد نماذج هذه الفئة، الذي يذهب للقول بأن: ” الأنظمة الشمولية والدكتاتورية وأنظمة القمع هي المسبب الحقيقي للإرهاب وتطوره وانتشاره في مختلف البلدان العربية”[30]. ولذلك فإن المواجهات التي نشهدها بعد السنة الثالثة من الثورة السورية بين الفصائل المسلحة والنظام، هي مواجهة ليس للشعب السوري أي مصلحة فيها، فالأولوية لدى السوريين ليست في الدخول في حرب طاحنة غريب عنها، بل في التغيير والعدالة، وتمكنه من بناء دولة المؤسسات، ولذلك يجد السوري نفسه غريباً في هذا الصراع.
مقاتل من تنظيم الدولة الإسلامية في مدينة الرقة
وعلى العموم فإننا نجد أن هذه الفئة أقل التصاقاً بالحراك الشعبي من النمط السابق. مثلما غاب عن ذهنها أن الثورات في بلدان الاستبداد المطلق يصعب أن تحافظ على سلميتها، بسبب ضغط الانظمة الاستبدادية، وهذا ما يجعلها ثورات معقدة، وبحاجة إلى فهم وتحليل عميق، وليس مجرد وصفات جاهزة ونهائية. فالثورات لا تحدث وفق “نماذج مسبقة” ولا تسير وفق مخططات محددة.
- الإصلاحيون الرافضون للثورة فكرياً وثقافيا: وهو موقف بعض المثقفين والتيارات السياسية الإصلاحية الذين يتفقون مع أهداف الثورة في الوصول إلى مجتمع الحرية والعدالة والكرامة، كما يؤكدون بأن السلطة وصلت إلى درجة غير مسبوقة من الظلم والفساد، وأنه لا بديل عن التغيير، غير أنهم يعتقدون أن الثورة قد لا تكون هي السبيل الأفضل للتغيير. ولذلك لديهم تحفظات كثيرة على أسلوب عمل الثوار وطريقة إدارتهم للثورة، كما يذهبون إلى أن على الثورة اتباع طريق الإصلاح السلمية واتباع طرق متدرجة في المعارضة، حتى لو كان الطريق طويلاً ومتعرجاً، وحتى ولو لم يلقَ نهج الاصلاح أي تجاوب من النظام الحاكم. ويشكل النموذج التقليدي غالبية أعضاء هذه الفئة.
فأصحاب هذا الموقف، وعلى الرغم من توجيههم النقد للسلطة، وتأكيدهم أنها الحقت الظلم بالناس، إلا أنه موقف يشكك بالثورة، ويرفضها بطرق غير مباشرة. أما أهم حججه في رفض الثورة أو الحذر منها فقد ساقوها على النحو التالي:
- لا بد من تغيير المجتمع قبل تغيير النظام: إذ يتبنى القائلون بهذه الحجة المقولة المعروفة التي رددت في كثير من الاوضاع الثورية، ألا وهي : عدم جاهزية الشعب للقيام بثورات الحرية، وعدم قدرته على إدارة نفسه بنفسه قبل عملية تأهيل مناسبة تخلصه من أمراض التطرف والعصبية والانغلاق الديني. ومن أبرز المتبنين لهذه الحجة الأديب المعروف أودنيس، الذي ذهب لحد التأكيد أنه مع الثورة على أن لا تخرج من الجوامع بل من المؤسسات المدنية مثل الجامعات ودور الأوبرا. وهو موقف أثار حفيظة عدد من الكتاب الذي رفضوا هذا التبرير للوقوف في وجه الثورة ، لأن المثقفين الأحرار وقفوا مع كثير من الثورات حتى لو يكن الشعب جاهزاً لها، وحتى لوكان الشارع ذو توجهات دينية، فالأمر المهم هنا هو الوقوف مع ثورة الشعب على الطغيان من حيث المبدأ، أياً كانت الأوضاع، أي الموقف الأخلاقي، سيما وأن أدونيس نفسه كانت له مواقف ايجابية من الثورة الإيرانية، الأمر الذي سهل على كثير من المثقفين اتهامه بالطائفية أولاً، وبأنه، ثانياً، خان تاريخه النقدي الطويل لبنى المجتمع التقليدية، الذي بناه من خلال عدد من كتبه، ولا سيما كتابه ذائع الصيت (الثابت والمتحول).
دون أن ننسى ما تعانيه كتابات هذه الفئة من (دور منطقي)، من النوع الذي يضع العربة أمام الحصان. بمعنى أنها تريد تغيير المجتمع أولاً ثم يأتي دور النظام، مع العلم أن المجتمع لا يتغير بدون أدوات ثقافية واعلامية واقتصادية وسياسية هي بيد النظام بشكل كامل، الأمر الذي يعني منطقياً أن لا منفذ للتغيير إلا بالثورة، بغض النظر عن نجاحها أو فشلها. وهو أمر لم يدركه مثقفي هذه الفئة.
وقد عزف كثيرون على حجة عدم نجاعة خيار الثورة، إذ يرى بعض المثقفين أن الوضع السوري غير مؤهل لخوض ثورة ضد النظام. وخير مثال على ذلك الدكتور (منذر سليمان) الذي يذهب في مقال له بعنوان (الشعب يريد إسقاط الاوهام) إلى أن “الاصرار على شعار إسقاط النظام وليس التغيير عبر الحوار والإصلاح هو إصرار على دفع الشعب والوطن والنظام والمعارضة إلى خيارات انتحارية مدمرة يخسر فيها الجميع مرحليا ويكسب فيها النظام في نهاية المطاف.. قد يتبين لهؤلاء مدى الأذى والتفريط الذي ألحقوه بعملية التغيير والإصلاح في سوريا والتي لا يمكن لاعتبارات موضوعية حاكمة إلا أن تكون متدرجة وسلميّة.. والغريب أن تمر الأسابيع والشهور ويستمرون بتجاهل استعصاء اسقاط النظام وبؤس طرحه كشعار دون توفر شروط موضوعية لتحقيقه” [31].
وقد أطلنا الاقتباس هنا لأننا نود أن نتوقف عند ظاهرة غريبة رافقت كتابات هذا الفئة، وهي ظاهرة جديرة بالملاحظة. فالمتابع لكتابات هذه الفئة من المثقفين، وهي كتابات تقدم نفسها على أنها معارضة للنظام وتوجه له النقد، إلا أنها كتابات تثير إعجاب مؤيدي النظام أكثر بكثير مما تثير إعجاب معارضيه، وتصب في مصلحة النظام ومؤيديه على الرغم من أن المنطلق العام لها هو نقد النظام، فالمتأمل في الاقتباس السابق يجد أنه يطرح خيار الاصلاح التدريجي، مع أنه خيار غير موجود أصلاً، وفي حال عدم اللجوء لهذا الخيار فإن الجميع سينتهي للانتحار، وسيظفر النظام بالبقاء إلى الأبد. فهو هنا يضعنا بين خيارين: الأول غير متاح واقعياً لأنه ليس له وجوداً، والثاني انتصار بطولي وساحق للنظام. أما الملاحظة الثانية الجديرة أيضاً بالانتباه فهي أن كتابات هذه الفئة (المعارضة للنظام) تستهدف بالنقد الثورة والثوار أكثر بكثير مما تستهدف النظام ورأس السلطة، حتى أنها تكاد لا تأتي على ذكر شخصية بشار الأسد وطريقة أدارته للبلاد. الأمر الذي يعني أن موقف هذه الفئة هو موقف مزيف ويصب في خدمة النظام في النهاية. فالنظام يعرف في قرارة نفسه أن لا خطر عليه من المثقفين الاصلاحيين، وأنه يستطيع أن يمسحهم عن الوجود بجرة قلم، غير أنه يفضل وجودهم طالما ينتهون إلى وجهة نظر تحِّمل الاوضاع العامة والمجتمع مسؤولية ما يجري، ولا تحمله مسؤولية الأحداث إلا بطرق خجولة.
- غياب البديل: والخوف من أن تؤول الأمور في النهاية إلى الأحزاب والحركات الإسلامية المتشددة. وهو خوف موجود عند غالبية المثقفين بمختلف فئاتهم، وبشكل أساسي عند المثقفين من غير السنّة. غير أن ردود الأفعال على هذه المخاوف هي التي اختلفت. فقد ذهب مناصروا الثورة إلى أنه ليس هناك أي خوف من “التدين الشعبي السوري المعتدل”. في حين ذهب المتشككون بالثورة إلى أن الأمر خطير، وأنهم ليسوا مستعدين لدعم ثورة قد تكرر القوى الدينية فيها مستقبلاً تجربة الاستبداد الحالي.
إن وقوف هذا الخوف كحاجز بين بعض المثقفين وتأييدهم للثورة يلغي البعد العالمي للثورات. ذلك أن أي ثورة حديثة اليوم لا يمكن إلا أن تستلهم القيم الإنسانية العالمية في الحرية والعدالة والمساواة، ولا يمكن إلا أن تكون ثورة مظلومين ضد ظالمهم. فالبعد الأيديولوجي أو المحلي للثورات لا يلغي أنها ثورات تريد تحقيق القيم الإنسانية العالمية، نجحت بالوصول إلى هدفها أم لم تنجح. “إن الإدراك بأن الثورة محلية، وتتعلق في الأساس بالظروف المادية والعقائدية لحياة الناس اليومية لا يعني أنه لا دخل للغائيّات العالمية بذلك” [32].
وهذا يدفعنا للقول بأن المزاج الديني الذي رافق الثورة لا يعني أنها ثورات دينية بقدر ما يعني أن الاستعانة بالله ترفع من همة المتدين وتزيد من ثقته بنفسه. فالثورة في سوريا تبقى بالرغم من كل شيء ثورة من أجل الحرية والعدالة ورد الظلم الذي عانى منه السوريون لعقود طويلة. ولذلك نجد أنها ثورة حاولت أن تنسب نفسها إلى الإرث العالمي للمطالبة بالحرية والعدالة، وهذا واضح من شعارات الثورة السورية التي تتشابه مع كل الثورات العالمية الحديثة. وعلى ذلك فإن تلك المخاوف قد تكون محفّزاً لتحليل الثورة ومسارها، والعمل من أجل ألا تنتهي إلى مثل تلك الخيارات الصعبة، وليس رفض الثورة عن طريق أفكار مسبقة أو مخاوف مستقبلية.
- غياب ما يعرف بـ “النظرية الثورية” أو “المشروع السياسي أو “الطليعة الثورة” على رأي بعض اليساريين. ومن القائلين بهذه الحجة عزيز العظمة الذي وجه نقداً شديداً للمثقفين المتحمسين للثورة، بحجة أن الثورة السورية ليست نتاج نظرية ثورية أو مشروع سياسي، بقدر ما هي ثورة عفوية صادقة يعيد فيها السوري اكتشاف ذاته. أما حجة العظمة في رفضه لثورة ليس لها نظرية ترافقها، ولا تقاد من قبل طليعة ثورية واعية فيعود إلى أنه لا يثق كثيراً بالثورات “الشعبوية”، لأنها تمثل “اختصاراً للّاعقل و لسياسة الغرائز في نهاية المطاف، لجمالية الجمهور الهادر و الغضب العاري، و ارتهانا سياسيّاً وفكريّاً بمزاج الشارع على اعتباره شارعاً، مع ما في هذا الاعتبار من تحقير ينقلب محاسن”[33]. ولذلك لا يمكن المخاطرة والارتهان لـ “مزاج الجمهو” الذي سيودي بنا في النهاية إلى طريق مسدودينتج عناصر متفجرةً متعاظمة المدى والصدى[34].
يذكر أن عدم الثقة بالناس والشباب من إحدى الصفات الأساسية التي ميزت غالبية المثقفين التقليدين، قبل الثورة وبعدها، الذين يميلون إلى النزعة الوصائية والتقليل من شأن الناس في فهم حياتهم.
- الحياديون: ويتلخص موقف هذه الفئة في عدم اتخاذ موقف واضح من الثورة، واللجوء إلى موقف لا أدري. وحجتهم في ذلك أنهم بعيدون عن السياسة، أو متفرغون للبحث المعرفي، أو عدم وضوح الرؤية بالنسبة إليهم، أو أن النظام لم يضرهم في شيء بشكل مباشر. ويندرج ضمن هذه الفئة ما يسمى بـ “المثقفين الأداتيين”، وهم جيل من المختصين تنحصر اهتماماتهم وبحوثهم وفعاليتهم في اختصاصهم الدقيق، بعيداً عن أي انتباه للمجال السياسي والاجتماعي العام للمجتمع. فهذه الفئة لا تعير مسائل الحريات وحقوق الإنسان والهوية ومستقبل المجتمع والبطالة وفساد الجامعات والإعلام الكاذب وتغول الأجهزة الأمنية على حياة الناس أي اهتمام. هكذا تجد مثقفين معروفين يصدرون كتباً عن النقد الأدبي الصرف والروايات، ويلقون محاضرات عن التراث الشعبي والتلوث البيئي وأهمية الإنترنت، ويكتبون أعمدة في الصحف عن طرق الوقاية من “فيروس الإيبولا” في أفريقيا، في الوقت الذي تعيش فيه سوريا دوامة غير مسبوقة من العنف. مثلما انشغل محمد قجة بدراسة (الحياة الفكرية في حلب في العصر الأيوبي)، وانزوى نزيه أبو عفش بيومياته التي لا تعرف شيئاً عن الثورة، أو كنوع من الاحتجاج على الثورة، التي خاف منها أكثر من خوفه من الفروع الامنية.
وغالبية هذه الفئة من الموظفين عند الحكومة، والمغتربين الذين يعيشون خارج سوريا. وعدد كبير من الكتاب والشعراء والفنانين الذين نالوا من الشهرة والصيت ما لا يتوافق مع امكانياتهم الفكرية والعلمية.
ويعود هذا الموقف – بالنسبة للموظفين – إلى خوف هذه الفئة على دخلها الوحيد وصعوبة وضعها المالي، إذ من المعروف أن أصحاب الدخل المحدود من الفئات التي تخاف كثيراً من الفقر لأنها أقرب الفئات إليه، ناهيك عن أن الدور التاريخي للموظف عموما دور محافظ تجاه أي تغيير جذري يقف على باب مجتمعه. ولذلك نجد أن غالبية المفكرين الذين تناولوا موقف الموظفين عموماً من الثورات لا يعوِّلون عليهم كثيراً. أما بالنسبة للسوريين المغتربين فإن هناك نسبة لا بأس بها أخذت تكوِّن، على مر السنين، صورة مثالية ورومنسية للوطن، بحيث تحولت سوريا إلى مجرد بلد يقصدونه في الصيف للاستمتاع برؤية الأهل والأقارب، ويستعرضون خلال زياراتهم مظاهر النعمة التي بدت عليهم بسبب تفاوت الدخل الكبير بين دولهم التي يعيشونها ووطنهم الأم. وهذا يعني في النهاية فتور أي شعور بالمسؤولية تجاه السوريين في الداخل، والاكتفاء بالدعوات من الله تعالى بأن يهدّي الأمور ويتوقف القتل، وتعود سورية مثلما كانت.
- المعارضون بشكل مطلق للثورة: لقد وجدت على مدى التاريخ فئة من المثقفين ورواد الفكر، مرتبطة بالسلطة القائمة، وليس لها من وظيفة سوى تبرير سلوكيات الأنظمة وعقلنتها، وجعلها مقبولة من الناس. وتتكوّن هذه الفئة بشكل خاص، من:
- مثقفي البلاط: وهم رؤساء تحرير الجرائد والمجلات والتلفزيونات الحكومية – أو القريبة من النظام – والمحررون الرئيسيون فيها. بالإضافة إلى أعضاء بارزين في اتحاد الكتّاب العرب في دمشق، ونقابة الصحفيين السوريين، ونقابة الفنانين في سوريا، وعدد من الصحفيين اللبنانيين الذين ارتبط اسمهم بالنظام، ناهيك عن فئات واسعة من المثقفين والفنانين الذين لهم باع طويل في الدوران في فلك السلطة.
- ممثلي الدين الرسمي: وتتألف هذه الفئة من رجال دين مسلمين ومسيحيين، بالإضافة إلى المفتين في المحافظات، وغالبية خطباء الجوامع، والقائمين على مؤسسات الأوقاف، ومقدمي البرامج الدينية، ناهيك عن عدد من شيوخ وأتباع الطرق الصوفية.
فقد أكدت هاتان الفئتان أن الثورة ليست سوى “مؤامرة خارجية”، والثوار مجرد “إرهابيين” أو مغرر بهم. ولذلك فقد أخرجوا بعض الشعارات التي تبرر وجود السلطة القائمة والتشكيك بأهداف الثورة من قبيل: إن الثورة هي ضد الأقليات، وأنها تستهدف “محور المقاومة“، مثلما أنها مرتبطة بقوى استعمارية. حتى أن بعض مؤرخي الثورات يرفض إدراج هذه الفئة في فئة المثقفين القائمين بذاتهم، نظرا لمخالفتها حتى لأسس التفكير العقلاني البسيط، فهي فئة أقرب في إنتاجها إلى “البروباغندا”.
ويعود السبب في رفض إدخال هذه الفئة إلى دائرة المثقفين أساساً إلى أنها تتكون من مجموعة من الخطابيين الذين صنعتهم، أو لمعتهم، الأجهزة الأمنية والإعلامية. ويتميز خطابهم بأنه ليس له علاقة بلغة السياسة أو العقلانية أو الواقعية، لأنه يعتمد على مجموعة من المغالطات الساذجة والمزاودات العاطفية. فالهزيمة عندهم نصرٌ مبين، والضعف من علامات القوة، وتضخم الأزمة يعني عندهم قرب انتهائها. ناهيك عن استخدامهم لمصطلحات: الحرية، الدولة، الحق، العدل، المقاومة، القومية.. بطرق مبهمة وفوضوية. وقد أصبح دور هذه الفئة من مؤيدي النظام لافتاً لنجاحهم في تقديم لغة خطابية عاطفية متهيجة من جهة، ونجاحها في إخفاء المغالطات التي ترتكبها من جهة ثانية. أما هذا النجاح فيعود – للأسف – إلى أن التكوين العقلي والمنطقي للناس في البلاد العربية عموما، وفي البلاد التي يسيطر عليها أنظمة استبدادية على وجه الخصوص، تكوين هش، فالفئات التي تميز المغالطات المنطقية في التفكير، والتي لديها القدرة على كشف زيف المزايدات، وتستطيع أن تفصل بين عواطفها والواقع، فئات قليلة، ولهذا الأمر أسباب سياسية واجتماعية ليس هناك مجالاً للتوقف عندها الآن.
- المتشددون الداعون لعسكرت الثورة وأسلمتها: على الرغم من أن الثورة في الفقه الإسلامي التقليدي هي”فتنة” لا بد من تجنبها بكل الوسائل، وعلى الرغم من القيود الصارمة التي وضعها الفقهاء عند الخروج على الحاكم، إلا أنه لم تمضِ أكثر من سنة على اندلاع الثورة السورية حتى ظهرت فئات دينية متطرفة اعتبرت الثورة السورية “جهاداً” ضد “النظام الطائفي” في سوريا، ودعت عبر قنوات فضائية ومنابر إعلامية عن طريق خطاب معبئ بالكراهية إلى ما أسمته بـ “وحدة الدم السني”، في خطاب يشبه من حيث الشكل “خطاب المظلومية الشيعي”.
أما الأساس الذي قام عليه هذا الخطاب فهو الاستفادة من الممارسات الوحشية التي انتهجها النظام ضد المتظاهرين ومؤيدي الثورة، والارتفاع المتزايد لعدد القتلى المدنيين، والتهميش التاريخي الذي مارسه النظام على السنَّة، وإبعادهم عن مراكز القرار في سوريا، على الرغم من أنهم يشكلون الأكثرية المطلقة من حيث عدد السكان، للاستنتاج بأن القوة والسلاح هما الخياران الوحيدان المُجديان في وجه النظام الذي لم تعد طائفيته تخفى على أحد. أما الحجة الثانية لهذا الخطاب فهي تحالف النظام مع القوى العالمية لإجهاض الثورة. وقد اكتمل عقد حججه عندما بدأ النظام السوري بالاستعانة بحزب الله اللبناني، وميليشيات شيعية لإيقاف تمدد فعاليات الثورة في حمص وريف دمشق، ثم تمدد تلك الميلشيات إلى حلب وإدلب ومناطق أخرى. الأمر الذي ساعدها على إنتاج خطاب متطرّف يقسم السوريين إلى طوائف متناحرة ويدعوها لقتال بعضها البعض.
وقد لاقت دعوات هذه الفئة تجاوباً في الشارع الذي ضاقت به الخيارات، واحتار في كيفية استمراره في الثورة تحت ضغط همجية النظام التي لا تطاق. إذ لا يوجد ما يشعل نار العنف مثل العنف المقابل، وهي قضية أدركها النظام فزاد من عنفه وتوسع، حتى أنه من المرجح أن يكون قد تعمد تسريب الفيديوهات التي تصور مشاهد العنف الرهيب الذي يلاقيه المعتقلين في سجون النظام، من حيث أنه يريد إخافة الناس الذين هاله كيف كسروا حاجزه أولاً، مثلما يريد استفزاز الخطاب المتطرف حتى يمكنه أن يستفيد من ارتفاع صوت التطرف، الأمر الذي يساعده على الهيمنة على الأقليات ثانياً.
يذكر أن موقف فئة مناصري الثورة أصبح موقفاً مؤيداً للكتائب الإسلامية بشكل مطلق في صراعها العسكري ضد جيش النظام وحلفائه من الميلشيات الإيرانية واللبنانية والعراقية، غير أنه موقف يريد من هذه الكتائب أن تتبنى خطاباً أخلاقياً يتَّرفع عن الخطاب الطائفي، وأن يخرج المقاتلين غير السوريين من دائرة الصراع، وأن تتعهد الكتائب بموقف واضح من مسألة الحريات وحقوق الإنسان وبناء دولة مدنية ديمقراطية تتسع لجميع السوريين. فهذه الفئة مدركة أكثر من غيرها أنه بدون سقوط النظام لا يمكن فعل أي شيء، ولكنها مدركة أيضاً بأن هدف إسقاط النظام يجب أن لا يودي بكل شيء.
ولذلك نجد أن موقف هذه الفئة، وعلى الرغم من تأييدهم المطلق للكتائب الإسلامية في صراعها القاسي مع النظام، إلا انه موقف ملتزم أيضاً بتوجيه النقد للكتائب الإسلامية، بغية تعديل سلوكياتها، ودفعها لتبنى مواقف أقل راديكالية، وأكثر قرباً من القيم الإنسانية، قيم الحرية والعدالة والمساواة، القيم التي فجرت الثورات على مدى التاريخ. وإن كانت مواقف تلك الكتائب ما زالت تميل إلى التطرف، وتحتفظ لنفسها بمسافة لا بأس بها تبعدها عن مفاهيم الديمقراطية والمواطنة والدولة المدنية، وهي مصطلحات عزيزة على قلوب المتظاهرين الذين أشعلوا الثورة السورية.
ومن الملفت للانتباه أن تلك الكتائب الإسلامية لا تحمل أي تقدير للشباب الذين أشعلوا فتيل الثورة السورية، ولا تهتم بتضحيات ستة آلاف شخص، قضوا تحت التعذيب وفي الشوارع، عندما كانت الثورة السورية في مرحلتها السلمية. يضاف إلى ذلك عدم اهتمامها بما يقوله المثقفين ولا بمواقفهم، لا من قريب ولا من بعيد.
سابعاً: الموقف من المثقفين:
ينقسم موقف السوريين من مثقفيهم، وتفاعلهم مع الثورة إلى قسمين:
- موقف ينتقد بشدة دور المثقفين تجاه الثورة، ويصفهم بأنه بعيدون عن هموم الناس ومعاناتهم، ليصل في بعض الأحيان إلى حد اتهام فئة المثقفين عموما بارتباطها بمصالح حيوية مع السلطة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وأن القلة القليلة منهم التزم بالوقوف إلى جانب مطالب الحرية والكرامة والعدل.
وهذه الموقف على العموم، ينطلق أساسا من الموقف الشعبي والديني والسلطوي التقليدي المشكك بدور الفكر والثقافة عموماً، والنظر إليها بشكل سلبي. كما أن مواقف بعض الأدباء والكتاب والمفكرين السلبية تجاه الثورة، من قبيل علي عقلة عرسان رئيس اتحاد الكتّاب العرب السابق، وصابر فلحوط نقيب الصحفيين السوريين السابق، وغيرهم الكثير، مواقف اشتهرت إعلاميا أكثر من مواقف الملتزمين والمتفاعلين مع الثورة، وهذا ما أجج تلك النظرة السلبية وأكد – بالنسبة لوجه النظر هذه – صحة نظرتهم المرتابة. دون أي انتباه إلى أن وسائل الإعلام والصحافة واتحادات الكتاب وكل المؤسسات الثقافية لا يديرها إلا مثقفو البلاط، وبالتالي فإن هذه الفئة ليست من النوع الذي يمكن أن تؤخذ كمؤشر على موقف المثقفين من الثورة.
ولذلك نجد أن هناك عدداً كبيراً من الناس يصف المثقفين بأنهم يقومون بدور سلبي تجاه أوطانهم والناس، وأنهم منحطون أخلاقياً وانتهازيون وصيادون محترفون للفرص، وانهم عالة على الثورة وأكبر مستفيد منها. حتى وصل الأمر بأن وصف أحدهم المثقفين في سوريا بأنهم فئة “صارت فيما بعد تنطق باسم الثورة، وتعتاش على دماءِ ولحومِ أحرارها وهم يواجهون بصدورهم العارية توحشَ النظام الفاشي طلباً للحرية” [35]. وغني عن البيان أن هكذا خطاب، يطلق الأحكام بشكل مطلق ونهائي وتخويني، ينم في النهاية عن توجه شعبوي، يتخذ من (فشة الخلق) شكلاً للتعبير عن نفسه، أكثر من أن يعبر عن موقف عقلاني يحرض المثقفين على الالتحاق بالثورة، ويصالح بين المثقفين والثورة، التي تحتاج الجميع.
- أما وجهة النظر المقابلة فقد وجدت في المثقفين، ومواقفهم المعهودة المعارضة للنظام، وتاريخهم في السجون والمعتقلات، ومقاومة قسم منهم لمغريات السلطة، ملهما كبيراً للثورة. فالمثقفون ونضالهم الطويل هو الذي أبقى في النهاية أفكار الحرية ومقاومة الظلم، في ذهن السوريين ووجدانهم. ويستشهد أصحاب هذا الموقف بأسماء مثقفين، دخلوا السجون، وعانوا من الاعتقاد والتعذيب، وطردوا من وظائفهم، بسبب مواقفهم المساندة للثورة، حتى أنه يمكن القول إن المثقفين يُعدّون من الفئات الأكثر نشاطا في الثورة، إلى جانب الناشطين والأطباء والإعلاميين، والمقاتلين بعد تحول الثورة إلى ثورة مسلحة، كما يُعدّون من أكثر الفئات التي مسها الضرر من قبل السلطة. وهذا موقف يتوافق مع الموقف العام لعلم الاجتماع الثقافي المعاصر الذي يعطي دوراً كبيراً للمثقفين في الثورات.
ثامناً: خاتمة:
- إذا كان المثقف على العموم محكوماً بشروطه الاجتماعية وانتماءاته وشبكة المصالح المحيطة به، فإن هذا الوضع ينطبق أكثر ما ينطبق على عدد كبير من المثقفين السوريين في مواقفهم من الثورة السورية. فمن الواضح أن نظرة سريعة لمواقع ومواقف المثقفين السوريين من الثورة تبين أن غالبيتهم لم يستطيعوا أن يتحرروا من تلك الشروط والانتماءات والمصالح، وهذا يضع أصالة بعضهم على المحك، وفيما إذا كانوا بالفعل مثقفين حقيقيين. وعلى العموم فإن هذه المشكلة عالمية، وسوسيولوجية المثقفين تحدثنا عن أوضاع مماثلة، وكيف أنهم لم يكونوا أوفياء لفكرة الثقافة ودور المثقف النقدي والإنساني. كما أن عدم الوفاء هذا يتم أحياناً بوعي وأحياناً بدون وعي، وذلك بحسب الطريقة التي يدرك فيها المثقف ذاته ودوره، وتحرره من القيم التقليدية والسلطات المرجعية التي تحيط به وبغيره من كل حدب وصوب.
- مثلما أثر المثقفون في الثورات، وساعدوا الشعوب للعمل على التغيير، كذلك فإن الثورة تعاود وتؤثر على المثقفين ورؤاهم. ويذكر هنا أن الثورة السورية عادت وأثرت في النموذج النقدي الحداثي، أكثر من تأثيرها على النموذج التقليدي، الذي يصعب عليه تغير أولوياته الفكرية التي شب عليها. فقد دفعت الثورة بعدد كبير من المثقفين إلى الخروج على أنفسهم، ومراجعة مسلماتهم السياسية، والتفكير في السياسة وتعقيداتها بشكل مختلف. نعم، لقد أحيت الثورة فيهم روح الشجاعة والالتزام، وأعطت فرصة للمثقفين لكي يعودوا إلى الساحة السياسية والاجتماعية، ويطّلقوا سنوات التهميش واللامبالاه، التي استسلموا لها لسنوات طويلة. مثلما خرج عدد كبير من مثقفي سوريا عن صمتهم وأدركوا أن الثورة هي فرصتهم للخروج على أوضاع طالما تمنوا أن يرفضوها بكل جراءة.
- أدرك عدد من المثقفين بأن النزعة الإصلاحية، والعمل على التغير المتدرج، كان مجرد وَهمْ في ظل الأنظمة الشمولية المطلقة. وهذا استنتاج توصل إليه علم الاجتماع السياسي المعاصر، إلا أن الفكر السياسي السوري لم يُحضِّر نفسه لمثل هكذا نتيجة. وهي نتيجة يمكن التوصل إليها من معرفته بطبيعة الحكم في سوريا، وهي طبيعة لا تأخذ بعين الاعتبار التجاوب لمطالب الإصلاح، وتعتقد أن أي انفتاح أو تنازلات يمكن أن يقدمها سيودي به في نهاية المطاف.
حتى أن الارتباك بدى واضحاً عند إدراك أن النظام يحكم بمنطق السلطة وليس بمنطق الدولة، وأنه لا ينوي تغيير مواقفه مهما كلفه الأمر. وقد بدى هذا الارتباك واضحا على (عزيز العظمة) الذي استنتج، دون أي تمعن في سلوك السلطة، بأن ” الخطاب الثاني لرئيس الدولة أمام حكومته الجديدة، والسلوك المعدل نسبياً لأجهزة الأمن تجاه تظاهرات يوم الجمعة ١٥/٤ .. قد يدل على أنه قد ابتدأ باستيعاب ما هو حاصل على نحو لم يشِ به في خطابه الأول أمام ما يسمى بمجلس الشعب” [36]، أي أن النظام سيستجيب لمطالب الإصلاح، وقد يجنِّب البلاد دوامة العنف التي كانت تلوح بالأفق آنذاك. دون إدراك أن تركيبة النظام السوري الداخلية تركيبة تمنعه بنيوياً من القيام بأي اصلاح حقيقي.
- أدرك عدد من المثقفين السوريين أن الثورات ليس مجرد دعوات رومانسية، وأنها أعقد مما كانوا يعتقدون بكثير. ولذلك نجد أن هناك من أدرك هذه النقطة، وبدأ يجاري الثورة ويتعلم منها، ويطور في ادواته لكي يصبح أكثر وعياً بالثورة من جهة، وبمدى صعوباتها وتعقيداتها من جهة ثانية.
- كشفت الثورة زيف وخداع موقف عدد من المثقفين الذين كانوا يوجِّهون النقد للنظام قبل الثورة. فقد اتضح أن مواقف عدد كبير من الناقدين للأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في سوريا كانت من باب الخدمة للنظام، عن طريق التنفيس عن المشاعر المكبوتة لدى الناس ضد النظام السياسي وفساده أولاً، ومن باب الايحاء بأن هناك هامشاً واسعاً من الديمقراطية يقدمه النظام ثانياً. ويعد كل من الفنان دريد لحام والكاتب حسن م. يوسف والصحفي وليد معماري أمثلة بارزة على هذا النوع من المثقفين الذين عرَّتهم الثورة وكشفت زيف مواقفهم.
يضاف إلى ذلك أن الثورة فُجعت بمواقف عدد من المثقفين الذين كانت تنتظر منهم أن يقفوا معها ويساندوها، تماشياً مع مواقفهم النقدية والتغييرية السابقة، ومن هؤلاء المثقفين هناك الأديب المعروف أودنيس والمفكر عزيز العظمة والشاعر نزيه أبو عفش، والفنانين اللبنانيين مارسيل خليفة وزياد رحباني. وذلك بخلاف بعض الفنانين والكتاب الذين بقوا على مواقفهم النقدية التي كانوا يوجهونها للحياة السياسية والاجتماعية، ضمن الهامش المسموح به آنذاك، من أمثلة هذا النموذج هناك الفنان سميح شقير، والفنان اللبناني أحمد قعبور.
- أدرك عدد لا بأس به من المثقفين أن العمل الثقافي والفكري المرافق للثورة بحاجة لتنظيمه ومأسسته، حتى يحقق أفضل مردودية ممكنة. ولذلك فقد شهدنا في الأعوام الثلاثة السابقة تأسيس عدد كبير من مراكز البحوث والمنتديات التي تحاول أن تجعل من المناقشات، حول الثورة ومسارها المعقد، مناقشات منظمة ومبنية على أسس علمية ومنهجية، عبر إخضاع كل ما يقال عن الثورة لمنهجيات السوسيولوجيا وعلم الاجتماع السياسي المعاصرين. وقد جعلت هذه المراكز من مهمة نشر ثقافة عقلانية عن الثورة السورية بين الأوساط الشعبية إحدى المهمات الأساسية لمراكزها، وذلك بسبب انخفاض مستوى الوعي الساسي والاجتماعي للمناصرين للثورة، وهو عيب يعاني منه الوضع الثقافي السوري بشكل عام بعد أربعين سنة من حرمان السوريين من تعاطي أي شكل من الثقافة السياسية.
كما أدركت تلك المراكز ضرورة أن يرافق الثورة نقد ثقافي لها، وذلك لكي لا تنزق إلى مجرد حرب أهلية غارقة في الثأرية والانتقام وتصفية الحسابات، وحتى لا تنجرف وراء دعوات التطرف والطائفية، التي تكاد تهيمن على مجريات الثورة. وهذا يعني أن تلك المراكز مؤمنة بأن الثورة السورية بحاجة لتغيرات ثقافية كبرى تُخرج السوريين من حالة التخرص الطائفي والعرقي والمناطقي التي عمل النظام على إبقائها بطرق غير مباشرة. وذلك لصالح ثقافة جديدة تقوم على الاعتراف بالآخر كما هو، والتعايش السلمي معه، والتأكيد على أولوية الانتماء للوطن السوري قبل أي انتماء آخر.
يضاف إلى ذلك حرص تلك المراكز والمنتديات على تنمية نقاش سياسي ناضج حول كل ما يطرح على الساحة السورية من أفكار ومفاهيم، بحاجة السوريون إلى تكوين فكرة واضحة عنها وعما تعنيه بالنسبة للوضع السوري. ولذلك نجد تلك المراكز تقدم نقاشات علمية ومنهجية حول مواضيع من قبيل: الفيدرالية، الأقليات، مستقبل الهوية السورية، شكل النظام السياسي الذي تريده الثورة، كيف على السوريين أن يتعاملوا مع تجربة النزوح واللجوء، سلبيات أداء المعارضة، الموقف الحقيقي للقوى العالمية من الثورة… يضاف إلى ذلك تقديمهم لعدد من البحوث الميدانية والاجتماعية التي تقدم فهما واقعياً لمختلف المشكلات التي رافقت السوريين في ثورتهم، وذلك بعيداً عن الاكتفاء باستعراض تاريخ الافكار الذي يتحدث عن هيغل وجان جاك روسو ونيتشه، دون أي اهتمام بكيفية مقاربة أفكار هؤلاء سورياً.
- كشفت الثورات أن هناك صراعاً يجب أن يخوضه المثقف النقدي ضد المثقف التقليدي، لأن المثقف التقليدي هو ببساطة أداة من ادوات النظام الفاعلة والقادرة على تسويقه، عبر حيل تحتاج لطرق عقلانية محترفة حتى تكشفها. الأمر الذي يبيّن في النهاية خطورة المثقف التقليدي. فالقول بأنه لا بد من تغيير المجتمع قبل تغيير النظام، أو أن السوريين غير مستعدون للثورة، أو أن المجتمع السوري فاسد أكثر حتى من النظام نفسه، أو أنه مجتمع حاضن للتطرف.. أقوال لا تخدم سوى النظام، وعلى الرغم من ذلك فإن أصحاب تلك الأقوال ينسبون أنفسهم للقوى المثقفة المعارضة، ناهيك عن أنها أقوال تزيف الواقع وتخلق صور كاذبة عن السوريين. فقد بينت البحوث الميدانية والإحصاءات الميدانية أن السوريين أبعد ما يكونون عن وصفهم بأنهم حاضنة للتطرف والإرهاب، كما بينت تلك البحوث أن التديّن السوري بعيد عن التطرف، وأن السوريين مؤمنون بالدولة المدنية أكثر من النظام نفسه، غير أن المال السياسي الضخم الذي يضخ للكتائب الإسلامية أعطى فكرة خاطئة ومقصودة عن تطرف السوريين.
- أدرك عدد كبير من المثقفين السوريين، أكثر من أي وقت آخر، أن البداية والنهاية بالنسبة للثقافة هي السياسة، والاهتمام بالشارع، والتفكير مع الناس حول مختلف القضايا الحياتية، وأن الثقافة للثقافة أمر لا طائل منه، ولا يخدم سوى الأنظمة.
- لقد بات من الواضح أن المثقف النقدي الحقيقي هو من ينقد نفسه وجماعته وعقائده ومواقفه، نقداً بناءً، قبل أن ينقد عقائد ومواقف الآخرين. فالمثقف الذي ينتمي للمذهب السني، مثلاً، عليه مسؤولية نقد الانغلاق الذي يعاني منه تاريخ الفقه السني أكثر من مثقفي المذاهب الأخرى. وهذا ينطبق على الجميع، وإلا لا يعود المثقف مثقفاً بالأساس. نقول هذا الكلام لأن هناك عدم وضوح في هذه النقطة، فالمثقف الذي مع الثورة هو من أكثر الناس المعنيين بنقد الثورة، وتصويب أخطائها، أما الاكتفاء بنقد النظام وكشف همجيته، والتغاضي عن الهمجيات الأخرى، فلا يؤدي إلا إلى استبدال همجية بهمجية أخرى. بمعنى أن المثقف الذي ينقد همجية النظام من منطلق همجية أخرى وليس من منطلق قيم الحرية والعدالة والمساواة، الشعارات التي رفعتها الثورة السورية حين انطلاقها، يعد نقده زائفاً.
المراجع:
[1] – ميشيل فو،،كو، الحقيقة والسلطة في الفكر العربي المعاصر،، العدد 1،، 1980،، ص1377.
[1] – ميشيل فو،،كو، الحقيقة والسلطة في الفكر العربي المعاصر،، العدد 1،، 1980،، ص1377.
[2] – إدوارد سعيد،، صور المثقف،، ترجمة غسان غصن،، مراجعة منى أنيس،، ( بيروت: دار النهار، 1996)، ص37 .
[3] – جيرار ليكلرك، سوسيولوجيا المثقفين، ترجمة جورج كتوره، ( بيروت، دار الكتاب الجديد المتحدة، 2008 )، ص 60 .
[4] – راسل جاكوبي، نهاية اليوتوبيا- السياسة والثقافة في زمن اللامبالاة، ( الكويت، المجلس الوطني للفنون والثقافة والآداب، 2001، ص 124.
[5] – آلان تورين، براديغما جديدة لفهم عالم اليوم، ترجمة جورج سليمان، ( بيروت :المنظمة العربية للترجمة – مركز دراسات الوحدة العربية، ، 2011)، ص 154.
[6] – حنة آرندت، في الثورة، ترجمة عطا عبد الوهاب، مراجعة رامز بو رسلان، (بيروت، المنظمة العربية للترجمة، 2008 ) ، ص 3.
[7] – جيرار ليكلرك، سوسيولوجيا المثقفين، ص15.
[8] – شهدت العقود القليلة الماضية ظهور الكثير من الكتب والبحوث التي تناولت موقع المثقف في المجتمع بطريقة نقدية ، ولا سيما ما أخذ يعرف بـ “المثقف التقليدي” أو ” الرسولي” ، سواءً على المستوى العالمي أو العربي. عالمياً ظهرت كتب: ( مسائل في علم الاجتماع ) لبيير بورديو ، و( سوسيولوجيا المثقفين ) لجيرار ليكلرك ، و(المثقفون والمجتمع ) لتوماس سويل .. . أما عربياً فقد ظهر أيضا عدد من الكتب والدراسات، نشير إلى بعضها: ( أزمة المثقفين العرب – تقليدية أم تاريخية ؟ ) لعبدالله العروي ، و( نهاية الداعية – الممكن والممتنع في أدوار المثقفين ) لعبد الإله بلقزيز ، و( انتلجنسيا أم مثقفون ) لعمار بلحسن ، و( صور المثقف) لإدوارد سعيد، و(المثقف العربي والحاكم ) لحسين عودات ،و( أوهام النخبة – أو نقد المثقف ) لعلي حرب ، و( الثقافة والمثقف في الوطن العربي ) وهو مجموعة بحوث القيت في ندوة تحمل نفس العنوان نضمها مركز دراسات الوحدة العربية عام 1992 ، وملف بعنوان (النخبة العربية والجماهير) في مجلة الآداب من إعداد محمد جمال باروت، ودراسات كثيرة غيرها .
[9] – بيير بورديو، مسائل في علم الاجتماع، ترجمة هناء صبحي، ( أبو ظبي: كلمة، 2012)، ص100.
[10] – إدوارد سعيد ، صور المثقف، ترجمة غسان غصن، ص 24.
[11] – بيير بورديو، مسائل في علم الاجتماع، ص114.
[12] – المرجع نفسه، ص117.
[13] – توماس سويل، المثقفون والمجتمع، ترجمة عثمان الجبالي المثلوثي، ( الرياض: وزارة الثقافة والإعلام،2011) ،ص19. وهنا يمكن أن نشير إلى عدد لا بأس به من مثقفي الدول الديمقراطية الذين استفادوا من عطاءات النظام السوري منذ ثمانينات القرن العشرين، وتحولوا إلى كتاب مأجورين، وبالرغم من ذلك بقوا كُتّاب يقرأ لهم في الصحف العالمية المهمة، مثل باتريك سيل الذي كتب كتابه ( الأسد – الصراع على سورية ) لقاء مبلغ من المال. أو الذين يقفون اليوم مع النظام السوري ويبررون كل جرائمه، من قبيل روبرت فيسك من بريطانيا. أما على مستوى المثقفين العرب الذين يعيشون في بلدان ديمقراطية فيمكن أن نذكر: عبد الباري عطوان، وطلال سلمان من لبنان، ورهط من المثقفين اللبنانيين والمصريين، سواء كانوا كتاب صحفيين أو معدي برامج تلفزيونية، أو حتى شعراء وروائيين وفنانين.
[14] – بيير بورديو، مسائل في علم الاجتماع، ص118.
[15] – للمزيد حول النزعة الشعبويّة لدى المثقفين العرب راجع:
– رشيد الحاج صالح، الوجه السياسي للثقافة العربية المعاصرة، ( بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون، 2011)، ص 295.
[16] – توماس سويل، المثقفون والمجتمع، ص343.
[17] – المرجع نفسه، ص32 .
[18] – عزمي بشارة، عن المثقف والثورة، تبين، العدد4، 2013، ص16. www.dohainstitute.org/release
[19] – حنة آرندت، في الثورة، ترجمة عطا عبد الوهاب، (المنظمة العربية للترجمة ، بيروت ، 2008 )، ص 71.
[20] – توماس سويل، المثقفون والمجتمع، ص 27 .
[21] – الطاهر لبيب، السؤال الثامن : سؤال النخبة، الشروق، العدد 902، 2011. وهذه المقالة واحدة من سلسلة مقالات ( أسئلة الثورة )، التي نشرت عام 2011.www.shorouknews.com/columns/el-taher-labib
[22] – المرجع نفسه.
[23] – جون فوران، مستقبل الثورات، ترجمة تانيا بشارة، ( بيروت: دار الفارابي، 2007 ) ، ص 109 .
[24] – المرجع نفسه، ص 109.
[25] – المرجع نفسه، 101.
[26] – صادق جلال العظم، حوار نشر في مجموعة الجمهورية، تاريخ 10 كانون الثاني- 2013. http://aljumhuriya.net/article_types/interviews/page/2
[27] – هناك عدة مقالات تناولت علاقة المثقف السوري بالثورة ، ومنها : مثقفو سورية وثورتها لفايز سارة، المثقفون والثورة في سورية لياسين الحاج صالح، المثقف والانتفاضة – غياب الدور النقدي لمحمد ديبو، عن المثقف السوري والثورة لمروان خورشيد عبد القادر، سياسيو المعارضة السورية .. ومثقفيها – شعبويّة سياسية وبؤس معرفي لمحمد حيان السمان..، وهذه على سبيل المثال لا الحصر .
[28] – نجد مثل هذه التقسيمات عند معظم من مؤرخي الأفكار والمهتمين بتصنيف المثقفين . ويبدو أن هذا الانقسام بين التقليديين المحافظين ومؤيدي التغيير يحدث لدى كل الشعوب عندما تدخل مرحلة تحولات كبرى .إذ نجد مثل تلك الانقسامات قد ظهرت مع الثورة الأميركية والفرنسية والروسية .. .
[29] – توماس سويل، المثقفون والمجتمع، ص 322 و ص427.
[30] – حسين العودات، الاستبداد الإرهاب، البيان، 29 سبتمبر – 2014. www.albayan.ae/hussein-al-odat-1.150
[31] – منذر سليمان، الشعب يريد إسقاط الاوهام، موقع التجديد العربي – قسم قضايا ومناقشات، 13 أغسطس – 2011. www.arabrenewal.info
[32] – جون فوران (محرر)، مستقبل الثورات، ص 102.
[33] – عزيز العظمة، الحراك الساسي وتأزم الحس السياسي، موقع الأوان www.alawan.org ، تاريخ 9 أيلول – 2011.
[34] – عزيز العظمة، الانتفاضات العربية في لحظتها السورية ، موقع الأوان www.alawan.org ، تاريخ 22 نيسان – 2011.
[35] – محمد حيان السمان، سياسيو المعارضة السورية…. ومثقفوها – شعبويّة سياسية وبؤس معرفي، موقع الحوار المتمدن. www.ahewar.org
[36] – عزيز العظمة، الحراك الساسي وتأزم الحس السياسي، موقع الأوان www.alawan.org
رشيد الحاج صالح
أكاديمي سوري، حاصل على دكتوراه في المنطق ومناهج البحث من جامعة دمشق. شغل منصب رئيس مركز بحوث الدراسات المستقبلية في سوريا. من بين مؤلفاته: ” الوجه السياسي للثقافة العربية المعاصرة”.
معهد العالم للدراسات
اترك تعليقاً