الرقة بوست – خاص
قبل حوالي عام مضى، فاجأ لوران فابیوس وزیر خارجیة فرنسا، مندوب النظام السوري لدى الأمم المتحدة، “بشارالجعفري”، أثناء مداولات مجلس الأمن بشأن اللاجئین السوریین، بوثیقة تعود إلى عهد الانتداب الفرنسي على سوریة، والذي امتد من عشرینیات إلى منتصف أربعینیات القرن الماضي.. حيث قال فابیوس مخاطباً الجعفري: “كفاك إشباعنا آراء ونظریات.. وبما أنك تحدثت عن فترة الاحتلال الفرنسي، فمن واجبي أن أذكّرك بأن جد رئیسكم الأسد طالب فرنسا بعدم الرحیل عن سوریة وعدم منحها الاستقلال، وذلك بموجب وثیقة رسمیة وقّع علیها، ومحفوظة في وزارة الخارجیة الفرنسیة، وإن أحببت أعطیك نسخة عنها”. والتي أرسلها عدد من وجهاء الطائفة العلوية لرئيس الحكومة الفرنسية آنذاك، ليون بلوم، “LEON PLUM”:
ينشرالرقة بوست نص الوثيقة التي توضح بأن جد حافظ الأسد، وبعض زعماء الطائفة العلویة، المدعو “سلیمان الوحش”، قبل تغییر اسم العائلة، قد ناشدوا رئیس الحكومة الفرنسیة آنذاك، لیون بلوم، عدم إلحاق “الشعب العلوي” بما دعوه يومها ” سورية المسلمة”، والتي تعتبرهم كفاراً..كما جاء في النص الحرفي للوثيقة. محذرین من مصیر مخیف وفظیع ینتظر العلویین في حالة إرغامهم على ذلك. ویضرب زعماء العلویین في هذا الصدد مثلاً بحالة الیهود الذین وصفوهم بـ” الطيبين”، و” الذین یُذبحون مع أطفالهم في فلسطین على يد العرب المسلمين، وكل من لا ینتمي إلى الإسلام، كأقوى دلیل على أهمیة القضیة الدینیة عند المسلمين”، على حد تعبیر الوثیقة.
وجد الأسد الذي عناه الوزیر الفرنسي، هو سلیمان الأسد من موالید الفترة التي تقع بین 1850 و 1855 في القرداحة، وهو من عائلة “الوحش”أصلاً، ثم تم تسجیله من عائلة الأسد، تكریماً له لفوزه في مباراة بالمصارعة على تركي في قریة القرداحة، بحسب ما ورد في كتاب شهیر عن حافظ الأسد ألفه الصحافي البریطاني باتریك سیل.
هذه الوثيقة التي كان أول من أشار إليها هو الصحفي اللبناني” أنطوان غطاس صعب”، والذي نشرها بتاريخ 23 أكتوبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، في صحيفة النهار اللبنانية، وذكر بانها مودعة في أرشيف وزارة الخارجیة الفرنسیة، كما أنها مودعة أيضاً في أرشيف الحزب الاشتراكي الفرنسي.
وفي حديثه عن الوثيقة المرسلة إلى رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك، ليون بلوم، ،LEON Blum ، قال أنطوان غطاس بأن الوثیقة محفوظة تحت الرقم 3547 تاریخ1936، في سجلات وزارة الخارجیة الفرنسیة، كما في سجلات الحزب الاشتراكي الفرنسي.
نص الوثیقة الحرفي:
(دولة لیون بلوم، رئیس الحكومة الفرنسیة
بمناسبة المفاوضات الجاریة بین فرنسا وسوریا، نتشرّف، نحن الزعماء العلویین في سوریا، أن نلفت نظركم ونظر حزبكم إلى النقاط الآتیة:
-1 إن الشعب العلوي الذي حافظ على استقلاله سنة فسنة، بكثیر من الغیرة والتضحیات الكبیرة في النفوس، هو شعب یختلف بمعتقداته الدینیة وعاداته وتاریخه عن الشعب المسلم السني. ولم یحدث في یوم من الأیام أن خضع لسلطة مدن الداخل.
-2 إن الشعب العلوي یرفض أن یلحق بسوریا المسلمة، لأن الدین الإسلامي یعتبر دین الدولة الرسمي، والشعب العلوي، بالنسبة إلى الدین الإسلامي، یعتبر كافراً. لذا نلفت نظركم إلى ما ینتظر العلویین من مصیر مخیف وفظیع في حالة إرغامهم على الالتحاق بسوریا عندما تتخلص من مراقبة الانتداب ویصبح في إمكانها أن تطبق القوانین والأنظمة المستمدة من دینها.
-3 إن منح سوریا استقلالها وإلغاء الانتداب یؤلفان مثلا طیبا للمبادئ الاشتراكیة في سوریا، إلا أن الاستقلال المطلق یعني سیطرة بعض العائلات المسلمة على الشعب العلوي في كیلیكیا وإسكندرون)لواء الإسكندرون تم سلخه في 1939 عن سوریا وإلحاقة بتركیا وجبال النصیریة).
أما وجود برلمان وحكومة دستوریة فلا یظهر الحریة الفردیة. إن هذا الحكم البرلماني عبارة عن مظاهر كاذبة لیس لها قیمة، بل یخفي في الحقیقة نظاما یسوده التعصب الدیني على الأقلیات. فهل یرید القادة الفرنسیون أن یسلطوا المسلمین على الشعب العلوي لیلقوه في أحضان البؤس؟
-4 إن روح الحقد والتعصب التي غرزت جذورها في صدر المسلمین العرب نحو كل ما هو غیر مسلم هي روح یغذیها الدین الإسلامي على الدوام. فلیس هناك أمل في أن تتبدل الوضعیة. لذلك فإن الأقلیات في سوریا تصبح في حالة إلغاء الانتداب معرضة لخطر الموت والفناء، بغض النظر عن كون هذا الإلغاء یقضي على حریة الفكر والمعتقد.
وها نلمس الیوم كیف أن مواطني دمشق المسلمین یرغمون الیهود القاطنین بین ظهرانیهم على توقیع وثیقة یتعهدون بها بعدم إرسال المواد الغذائیة إلى إخوانهم الیهود المنكوبین في فلسطین. وحالة الیهود في فلسطین هي أقوى الأدلة الواضحة الملموسة على أهمیة القضیة الدینیة التي عند العرب المسلمین لكل من لا ینتمي إلى الإسلام. فإن أولئك الیهود الطیبین، الذین جاؤوا إلى العرب المسلمین بالحضارة والسلام، ونثروا فوق أرض فلسطین الذهب والرفاه ولم یوقعوا الأذى بأحد ولم یأخذوا شیئا بالقوة، ومع ذلك أعلن المسلمون ضدهم الحرب المقدسة، ولم یترددوا في أن یذبحوا أطفالهم ونساءهم بالرغم من أن وجود إنكلترا في فلسطین وفرنسا في سوریا. لذلك فإن مصیرا أسود ینتظر الیهود والأقلیات الأخرى في حالة إلغاء الانتداب وتوحید سوریا المسلمة مع فلسطین المسلمة. هذا التوحید هو الهدف الأعلى للعربي المسلم.
-5 إننا نقدر نبل الشعور الذي یحملكم على الدفاع عن الشعب السوري وعلى الرغبة في تحقیق الاستقلال، ولكن سوریا لا تزال في الوقت الحاضر بعیدة عن الهدف الشریف الذي تسعون إلیه، لأنها لا تزال خاضعة لروح الاقطاعیة الدینیة. ولا نظن أن الحكومة الفرنسیة والحزب الاشتراكي الفرنسي یقبلان بأن یمنح السوریون استقلالا یكون معناه عند تطبیقه استعباد الشعب العلوي وتعریض الأقلیات لخطر الموت والفناء.
أما طلب السوریین بضم الشعب العلوي إلى سوریا فمن المستحیل أن تقبلوا به، أو توافقوا علیه، لأن مبادئكم النبیلة، إذا كانت تؤید فكرة الحریة، فلا یمكنها أن تقبل بأن یسعى شعب إلى خنق حریة شعب آخر لإرغامه على الانضمام إلیه.
-6 قد ترون أن من الممكن تأمین حقوق العلویین والأقلیات بنصوص المعاهدة، أما نحن فنؤكد لكم أن لیس للمعاهدات أیة قیمة إزاء العقلیة الإسلامیة في سوریا. وهكذا استطعنا أن نلمس قبلا في المعاهدة التي عقدتها إنكلترا مع العراق التي تمنع العراقیین من ذبح الآشوریین والیزیدیین. فالشعب العلوي، الذي نمثله، نحن المتجمعین والموقعین على هذه المذكرة، یستصرخ الحكومة الفرنسیة والحزب الاشتراكي الفرنسي ویسألهما، ضمانا لحریته واستقلاله ضمن نطاق محیطه الصغیر، ویضع بین أیدي الزعماء الفرنسیین الاشتراكیین، وهو واثق من أنه وجد لدیهم سنداً قویاً أمیناً لشعب مخلص صدیق، قدّم لفرنسا خدمات عظیمة مهدد بالموت والفناء.
الموقعون:
ـ عزیز آغا الهواش
ـ محمود آغا جدید
ـ محمد بك جنید
ـ سلیمان أسد
ـ سلیمان مرشد
ـ محمد سلیمان الأحمد.
اترك تعليقاً