تسارعت الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية في أحياء دمشق الجنوبية؛ مخيم اليرموك والتضامن والقدم والعسالي والحجر الأسود، وبلدات يلدا وبيبيلا وبيت سحم. وعلى وقع الاقتتال الداخلي للفصائل المسلحة، تتسرّب الأنباء تباعاً، عن قُرب تطبيق اتفاقيات قديمة-جديدة خلال الأيام المقبلة، تصبّ في مجملها في مصلحة النظام؛ من اتفاقية خروج تنظيم “الدولة” من مناطق سيطرته جنوبي دمشق، إلى ركوب حي القدم الدمشقي قطار “المصالحات”، وصولاً إلى استعداد مقاتلي “هيئة تحرير الشام” لإخلاء مواقعهم شمال غربي مخيم اليرموك للخروج إلى محافظة إدلب ضمن اتفاق “المدن الأربع”، لتبقى بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم في حالة الترّقب الحذر لهذه التغيّرات المتسارعة.
وبدأت منذ مساء الجمعة تتسرب الأنباء عن احتمال خروج تنظيم “الدولة” من المنطقة عبر اتفاق مع النظام، وتلت ذلك مؤشرات عمليّة على أرض الواقع، إذ أجرى التنظيم عملية تبادل للأسرى مع “جيش الإسلام”، مساء الأحد، أطلق على إثرها القيادي في “جيش الإسلام” أبو فراس الشامي، المعتقل منذ قرابة شهرين في سجون التنظيم، وشاب مدني من أبناء مخيم اليرموك. وفي مقابل ذلك أطلق “جيش الإسلام” سراح أسيرين من التنظيم، أحدهما كان قد أُسِرَ الجمعة خلال عملية خاطفة ضد موقع للتنظيم على جبهة حي الزين الفاصلة بين حي الحجر الأسود وبلدة يلدا.
(المصدر: ربيع ثورة)
تنظيم “الدولة الإسلامية” وزّع، الأحد، إعلاناً ورقيّاً في الشوارع والأحياء التي يسيطر عليها، دعا فيه المدنيّين الراغبين بـ”الهجرة إلى أراض الخلافة الإسلامية” إلى تسجيل أسماءهم في “إحدى النقاط الإعلامية التالية: نقطة أبي محمد العدناني–العروبة. نقطة الأقصى الأسير–جانب جامع فلسطين. نقطة عمر الشيشاني–العسالي”. وحدد التنظيم أوقات التسجيل بين الساعة الحادية عشر صباحاً وحتى السابعة مساءً. وشهدت مناطق سيطرة التنظيم، السبت والأحد، حركة بيع كثيفة لممتلكات مقاتليه كالسيارات والدراجات النارية وبطاريّات الطاقة والألواح الشمسية، مقابل أسعار زهيدة لا تتجاوز ربع قيمة البضائع المباعة. وشاعت أنباء عن احتمال خروج جرحى التنظيم وبعض عائلات مقاتليه، الإثنين، ليصار خلال أيام قليلة قادمة إلى اخراج بقية العناصر.
تزامن المتغيّرات بين الكانتونات المتصارعة جنوبي دمشق، يرسم مشهداً خطيراً لمستقبل المنطقة. فـ”هيئة تحرير الشام” على موعد قريب لخروج مقاتليها من شمال غربي مخيم اليرموك، وتسليم قطاعاتها ومناطق سيطرتها إلى مليشيات النظام، كما بدأت الترتيبات الأولية لخروج تنظيم “الدولة” المسيطر على حي الحجر الأسود وأجزاء واسعة من اليرموك والتضامن والعسالي، من دون توضيح مصير هذه المناطق وأهلها الراغبين بالبقاء. فهل ستتمدّد سيطرة النظام عليها، أم ستكون هناك ترتيبات خاصة مع فصائل الجيش الحر المتواجدة في بلدات الجوار؟
في المقابل، يتعرّض حي القدم الواقع بين فكّي كماشة؛ النظام من الغرب والجنوب وتنظيم “الدولة” من الشمال والشرق، لضغوطٍ كبيرة للرضوخ لاتفاق “مصالحة” يقضي بخروج ثوار الحي إلى الشمال، أو “تسوية وضعهم” وبقائهم في منطقتهم. وعلى الرغم من رد المعنيين في الحي على طرح النظام، عبر بيانٍ رسميّ أكّدوا فيه على “الثبات والتمسّك بالأرض ورفض التهجير”، و”التمسك بالجماعة وتقديم المصلحة العامة وتغليبها على مصلحة الأفراد والمناطق”، إلّا أن كل ما يحيط بظروف وإمكانيات حي القدم، المشمول باتفاق “المدن الأربع”، يوحي بمستقبلٍ لا يختلف كثيراً عما حصل في المناطق التي حصلت فيها مصالحات وتهجير.
اخلاء أحياء المخيم والحجر والعسالي والتضامن من مسلّحي تنظيم “الدولة” و”هيئة تحرير الشام”، يفتح الباب على خيارات جديدة في بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم المجاورة. وقد يكون منها ما طرح سابقاً من اتفاقية خروج تنظيم “الدولة” نهاية العام 2015 والتي تعثّرت في ختامها، وتضمنت تسليم مناطق تنظيم “الدولة” لمقاتلين من أبناء الحجر والمخيم تابعين للجيش الحر، ضمن صفقة ثلاثية بين النظام والتنظيم والمعارضة. لكن المختلف حالياً، هو تغيّر الوضع العسكري في دمشق وريفها لصالح النظام، الذي سيرفض في ظل هذه المتغيّرات ما كان قد وافق عليه سابقاً. وما يمكن قبوله اليوم بالنسبة للنظام، هو تسلم هذه الأحياء من مقاتلي المعارضة بعد “تسوية وضعهم”، وفي إطار “الدفاع الوطني”. وبالتالي ستنتقل تلك الأحياء من سيطرة تنظيم “الدولة” إلى سيطرة النظام، بشكل غير مباشر، عبر مقاتلين سابقين في صفوف الجيش الحر. وذلك مرهون بالطبع بموافقة تلك المجموعات المعارضة العسكرية المتواجدة في بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم.
ويبقى مصير هذه البلدات الثلاث، مرهوناً باتفاق “المدن الأربع”، مع تنامي التخوّف الشعبي والثوري من عملية تهجير تطال السكان بعد الانتهاء من ملف الأحياء الخاضعة لسيطرة “الدولة” و”تحرير الشام”، خاصة إذا ما تملّص النظام من إتمام الاتفاق قبل نفاد مدة الـ9 شهور الملحقة باتفاق “المدن الأربع”، والتي تُجمّد الوضع في البلدات وحي القدم أيضاً، كما تضيق خيارات البلدات وثوارها في مواجهة مخططات النظام الساعية منذ شهور لتوقيع اتفاق “المصالحة الوطنية” بشكل مماثل لما حدث في بلدات الريف الدمشقي.
وتطرح في هذه الأثناء تساؤلات عن مصلحة النظام في إخراج تنظيم “الدولة” من المنطقة. وتشير تحليلات إلى أن الاتفاق الضمني بين الطرفين يرتبط بشكل أو بآخر بمعارك البادية وديرالزور، ورغبة النظام في طرح عنصر جديد إلى المشهد، يخلط الأوراق مجدداً في منطقة مثلث التنف، والتي تشهد صراع إرادات دوليّة، وصدّاً أميركيّاً للنظام وحلفائه من التقدّم باتجاه ديرالزور على حساب الجيش الحر، الذي يستعد لبدء المعركة بدعمٍ دوليّ.
عمليات إخلاء مسلّحي تنظيم “الدولة” و”تحرير الشام”، ستفتح المجال لإنهاء ملف البلدات المحيطة بما يخدم النظام، بعد سحب ذريعة “محاربة الإرهاب”، وتضع المنطقة لأول مرّة أمام امتحان تفريغها بشكلٍ كامل من أي تواجد مسلح أو معارض، سواء للتنظيم أو للهيئة أو لفصائل المعارضة المسلّحة. وقد يطوي ذلك صفحة منطقة استراتيجية تسيطر عليها المعارضة منذ خمس سنوات، لصالح نظامٍ تتواطأ كل الظروف الداخلية والخارجية معه في طريق إفناء الشعب السوري أو تهجيره خارج دياره.
المدن
اترك تعليقاً