الرقة بوست ـ هيئة التحرير
لم يحدث أن أُفرِغ مضمون مؤتمر دوليّ من مقرّراته الأساسيّة، كما حدث لمؤتمر ( جنيف سورية )!
فمنذ نسخته الأولى 30/6/2012 وروحُه تُسلُّ منه بفعل فاعل دون تدخُّل القَدَر. علماً أنّ الموقّعين عليه آنذاك هم الفاعلون في نسحته السابعة، ممّا يؤكّد أنّ جنيف صُمّم ليكون مرتكز الحلّ فيه من خارجه لا من بنيته. فمن نقاطه الستّ لم يبقَ إلا مُلحَة الإعلام وتندُّر الساسة و”تَفَكْهُن” الدبلوماسيين، وهو ما تجلّى في جنيف 7.
فالانتقال السياسيّ – وهو البند الأساس – بدا شبحاً يتخفّى قبل اختفائه بتراكم هوامش جُعلت أساساً دونه، لتتحوّل الثورة السوريّة العظيمة من قضيّة سياسيّة هدفها الحريّة والعدالة والكرامة، إلى قضيّة إنسانيّة تحتاج العطف والرعاية والمزيد من كرم الإغاثة.. وهو ما أدّت إليه الاتّفاقات الثنائيّة والثلاثيّة دوليّاً وإقليميّاً. بل إنّ سِلال جنيف الأربع في نُسخ سابقة تضاءلت لتتكوّر في اثنتين حسب التصوّر الروسيّ: محاربة الإرهاب، والإصلاح الدستوريّ.
وهذا ما جعل “ماخوس” الناطق باسم الهيئة العليا للمفاوضات يدعو لكسب الأجر والثواب حين قال: ( جنيف جثّة هامدة تنتظر الدفن ). في الوقت الذي يتعالى صوت الروس بعدم جاهزيّة وفد المعارضة للمفاوضات، لانعدام وحدته، ولو تحقّق ذلك لقالوا: لانعدام توحّده!
ويزيد دي مستورا الطنبور وتراً بإعلانه لوفد الهيئة العليا للمفاوضات: “إن مجمل ما نفعله في جنيف ما هو إلا إجراء مقاربات ممكنة بين وفد النظام ووفد المعارضة، وإعداد الوثائق اللازمة لسورية المستقبل، تحضيراً لحلّ مُحتمل قد يأتي بشكل مفاجئ، وينجم عن توافق دوليّ لإنهاء المأساة في سورية”! ليس ذلك إلهاماً ربّانيّاً، بل استشرافاً اعتمد فيه أموراً منها:
- انعقاد القمّة العالميّة لمكافحة الإرهاب في تشرين أول القادم، وهو ما دفعه للتلميح أن مضمون جنيف 8 في أيلول القادم سيصبّ في معالجة “سلّة الإرهاب”، لأن المجتمع الدوليّ يدفع للتسريع في إنهاء “ملفّ الإرهاب” قبل غيره من الملفّات التي تراها المعارضة أساساً للحلّ.
- الاقتراح الفرنسيّ الأمريكيّ لإنشاء مجموعة اتّصال دوليّة لصياغة خارطة طريق حول مستقبل سورية يُشارك فيها الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدوليّ وممثّل عن النظام السوريّ والأطراف الإقليميّة، دون تقويض جنيف وأستانا. وهنا يتمّ تغييب المعارضة السوريّة التي تضع الانتقال السياسيّ أساساً لأيّ تغيير يُبنى عليه أو يرسم مستقبل سورية.
وهكذا فإن قوى الثورة والمعارضة التي أُدخلت جنيف مرغمة بعد أن حُمّلت بالأمنيات، وأُشبِعت بالتفاؤل، تجد نفسها على أبواب جنيف بنسخته الثامنة أمام حَمْلٍ كاذبٍ.. فلا نظنّها تخشى سقوط الجنين وهي ترقص على حبال تقاطع المصالح الإقليميّة، وشراهة التنافس الدوليّ، لتؤسّس مرتكزاً تتابع من خلاله مشوارها، وهي تحلم أنّ الحَمْل حقيقيّ وليس كاذباً، وما تحمله جنيناً يبحث عن الحرّيّة والعدل والكرامة.
اترك تعليقاً