لم يكد يتنفس اللاجئ السوري، دياب طلال، وعائلته الصعداء بعد وصوله إلى السويد “أرض الأحلام” بحثاً عن “الأمان” وهرباً من جحيم الحرب في سوريا حتى بدأت معاناة أشد وأقسى من كل ما عاناه في وطنه الأم.
دياب طلال (38 سنة)، وزوجته أمل شيخو، حرمهما مجلس الخدمات الاجتماعية، أو ما يعرف في السويد بـ “السوسيال”، من أطفالهما الخمسة لأنه يرى الزوجين غير مؤهلين لتربية الأولاد، هذا فضلاً عن محاولات حرمانهما من جنين لم يولد بعد.
ويلخص دياب معاناة أسرته بالقول، “أتمنى لو أني بقيت مع عائلتي تحت القصف والبراميل ولم آت إلى السويد، لأني لم أر يوماً سعيداً منذ وصلت إلى هنا وما أعيشه حالياً هو كابوس حقيقي لم ينته بعد”.
بدأت قصة دياب طلال عندما غادر سوريا هرباً من الحرب إلى لبنان بعد أن تعرض لإصابة في يده من جراء قصف على منزله في محافظة حلب، ثم غادر لبنان إلى السويد ضمن برنامج إعادة التوطين للأمم المتحدة.
دياب هو أب لخمسة أطفال هم، قصي (9 سنوات)، ضحى (7 سنوات)، وفاء (5 سنوات)، رهف (3 سنوات) ومحمد رضيع عمره أقل من سنة.
ويروي دياب قصة حرمانه من أطفاله من قبل مجلس الخدمات الاجتماعية في السويد “السوسيال”، لموقع تلفزيون سوريا، ويسردها من البداية.
قال وصلت مع عائلتي في الشهر الأول من عام 2017 إلى مدينة كالس في مقاطعة نوربوتن في شمال السويد.
وأضاف، في أول ثمانية أشهر من وصولنا إلى السويد أصبت أنا وزوجتي بحالة من الاكتئاب، لأننا كنا حديثي عهد في هذه البلاد، ولم نعرف كيفية التواصل مع السويديين، لا سيما أننا أميّان ونعيش في مدينة شمال السويد تصل درجة الحرارة فيها إلى أقل من أربعين تحت الصفر في الشتاء.
وتابع دياب حديثه، في إحدى الأيام شاهدت إحدى جارتنا زوجتي أمل شيخو في غرفة الغسيل المشتركة تبكي، فقامت بالاتصال بمكتب “السوسيال” الذي قام بمتابعة الموضوع والتحقيق مع الأطفال في المدرسة لمعرفة فيما إذا تعرضوا للضرب أم لا وحينئذ قالت لهم ابنتي ضحى بأن أمي ضربتني.
وأضاف، بعد أربعة أيام تم استدعاء جميع أفراد العائلة إلى مكتب “السوسيال” للتحقيق معنا ووضعوا الأطفال في غرفة الألعاب، وبعد التحقيق اكتشفنا أن لغرفة اللعب باباً آخر قاموا بسحب الأطفال عبره وأخبرونا بأنهم سوف يضعون الأطفال في دار الحماية لاستكمال التحقيقات وطلبوا واحداً منا فقط لمرافقة الأطفال.
وقال اللاجئ السوري، رفضنا ذلك بداية وأخبرتهم بأن زوجتي تعاني من اكتئاب بسيط وكانت تبكي كونها بعيدة عن أهلها وتشعر بالغربة.. وهذا طبيعي كوننا نعيش في منطقة شمال السويد لا يسكنها إلا القليل من البشر ولا نتواصل مع أحد ونشعر بالغربة والحنين للأهل.
وتابع دياب، لم يستمعوا لنا ووضعوا كل الأطفال في دار الحماية في منطقة نائية محاطة بالكلاب البوليسية ورافقتهم زوجتي فقط.
وأضاف، لم أستطع حينئذ التواصل مع زوجتي وأطفالي (..) وكان الأطفال حينئذ يذهبون إلى المدرسة، وكان موظفو “السوسيال” يخبرون زوجتي بأن الأطفال ربما يعودون وربما لا، الأمر الذي جعلها تعيش بحالة قلق عندما تسمع ذلك خصوصاً أن المنطقة كانت موحشة جداً.
وتابع اللاجئ السوري، بعد شهر ونصف وكّلنا محامياً للدفاع عنا في المحكمة وحققت الشرطة معنا ولم يستطيعوا إثبات أي عنف موجه ضد الأطفال وحتى المشفى لم تستطع إثبات أي علامات ضرب على أجساد الأطفال.
وبحسب دياب، استمرت القضية في المحاكم ثلاثة أشهر وكان مكتب “السوسيال” يدعي أن الزوجة تعاني من التوتر والاكتئاب، وبالتالي فهي غير مؤهلة لتربية الأطفال، الأمر الذي ينفيه دياب بقوله إن “زوجتي راجعت طبيباً نفسياً وأثبت أنها لا تعاني من أي مشكلات نفسية”.
وأضاف دياب “ثم اتهمني مكتب السوسيال بأني بخيل أمام المحكمة التي قدمت لها كل الفواتير وثبت العكس أي أنني صرفت كثيراً من المال، مشيراً إلى أن المحكمة لم تستطع إثبات أي شيء ضده وزوجته.
بعد المحكمة سمح للزوجين برؤية الأطفال كل شهر لساعة واحدة فقط.
وأشار اللاجئ السوري إلى أنه “خلال إحدى مقابلاتنا مع الأطفال وبعد انتهاء الزيارة صار الأطفال يصرخون ويبكون على فراقنا، الأمر الذي اعتبره السوسيال أن الأطفال كانوا خائفين منا!”.
و”بناء على ما حصل تم تسليم الأطفال إلى عدة عائلات سويدية لرعايتهم ومنذ ذلك اليوم أي منذ أكثر من ثلاث سنوات، وإلى الآن نحن ممنوعون من رؤية الأطفال”، بحسب الأب الذي قال “نراهم عبر صور ورقية غير ملونة يرسلها لنا السوسيال”.
سحبوه وعمره 5 دقائق
ولم تنته معاناة دياب عند هذا الحد، ويكمل لموقع “تلفزيون سوريا” كيف سحب “السوسيال” منه طفله الخامس محمد المولود حديثاً؟
وقال، بعد ثلاث سنوات من سحب أطفالي الثلاثة، حملت زوجتي فأبلغنا “السوسيال” وطلبنا منهم أن نلتحق بدورة تأهيلية لنتعلم كيف نربي الطفل لنبين لهم أننا متعاونون وخضعنا بالفعل لدورة (..) وأعطونا بعدها مبلغ 150 يورو واشترينا به عربة للطفل القادم.
وأضاف، لكن الكارثة أنه بعد ولادة الطفل بخمس دقائق وهو لا يزال على الميزان جاء موظفو “السوسيال” وقاموا بسحبه ومنعوا أمه من رؤيته ولم يسمحوا لها حتى بإرضاعه لكي يتقبل أي حليب آخر بحسب ما قالوا لنا.
وتابع دياب حديثه، صارت زوجتي تصرخ وتبكي على مولودها لكنهم لم يعطوها إياه وحينئذ انهارت وأغمي عليها، في تلك اللحظة حاولتُ الدخول إلى غرفة زوجتي في المشفى لتهدئتها وكسرت القفل ودخلت فوجدتها منهارة تماماً (..) وبعد ذلك جاءت الشرطة وخيروني بين الذهاب إلى السجن أو المنزل فعدنا إلى المنزل وبعد أيام وصلتني غرامة بقيمة 600 يورو لدفع ثمن القفل الذي كسرته.
وبعد نحو أربعة أشهر من سحب الرضيع سمح “السوسيال” لوالديه برؤيته، ويقول الأب خلال الزيارة، حاولت أن أؤذن في أذن الطفل لكنهم منعوني وطلبوا من زوجتي ألا ترضع الطفل وإلا فسيمنعوننا من رؤيته في حال لم تلتزم بالأمر.
ويضيف اللاجئ السوري، كان الطفل خلال لقائنا به يبكي لأنه كان جائعاً والمربية تقصدت إحضاره وهو جائع ليبكي عندما نحمله لأنه كان يريد “رضاعة الحليب” التي كانت مع المربية.
وبعد ذلك تمت إحالة ملف الطفل الجديد إلى المحكمة، التي قررت بأنه بما أن الطفل عندما يرى والديه يبكي فيجب أن نُمنع من رؤيته، بحسب ما يرويه دياب.
ويضيف، أن العائلة السويدية التي تربي طفلنا الرضيع غيرت اسمه من محمد إلى “محمد أندرياس”.
الإجهاض أو سنأخذ طفلكم
ويواصل اللاجئ السوري الحديث عن معاناة أسرته التي لم تتوقف عند سحب خمسة من أطفاله أحدهم رضيع، وإنما وصلت إلى حد إبلاغه بأن أي طفل جديد للعائلة سيتم سحبه.
وقال دياب، بعد ثمانية أشهر من ولادة طفلي محمد، حملت زوجتي بطفل جديد، وعندما علِم “السوسيال” بذلك من المشفى طلبوا منا أن نجهض الجنين بسبب عدم توفر عائلات سويدية تستقبل هذا الطفل.
وأضاف، أخبرت موظفي “السوسيال” نحن أهل الطفل ونريد أن نربيه ونريد استرجاع إخوانه أيضاً ولن نستسلم حتى يعود الجميع لحضننا.
وقبل أيام أخبر “السوسيال” دياب بأنهم وجدوا عائلة سويدية تقبل استقبال الطفل الذي ما زال في بطن أمه، كما طلبوا من الزوجة ألا تغادر البلد إلا بعد إعلام البلدية، بحسب رواية اللاجئ السوري.
ويتابع دياب حديثه، بعد أربع سنوات من المعاناة والبكاء والمطالبات لإعادة أطفالنا لم نستفد أي شيء وأخبرونا بأننا لن نرى الأطفال حتى يبلغوا من العمر 18 واحتمال أن تتمدد فترة الحضانة إلى 21 عاماً.
وأضاف دياب بأن موظفي “السوسيال” أخبرونا أيضاً بأننا كلما أنجبنا طفلا فسيتم سحبه ولن يسمح لنا بتربيته حتى بحال أن الزوجة تزوجت من زوج آخر أو الزوج تزوج من زوجة أخرى.
وبحسب دياب، ترعى ثلاث عائلات سويدية أطفاله، الطفلة التي تعاني من “متلازمة داون” مع عائلة والأربعة المتبقين كل اثنين مع عائلة.
وأشار اللاجئ السوري إلى أن العائلة السويدية التي تربي الطفلة المريضة طلبت إصدار جواز سفر للطفلة لتستطيع السفر معهم إلى تايلند، لكنه رفض السماح بذلك عدة مرات، إلا أن العائلة المربية استطاعت أن تستخرج جواز سفر للطفلة.
وأوضح دياب أنه قدم استئنافاً قبل أيام في المحكمة وينتظر الرد حالياً.
“البراميل أرحم”
ويتابع دياب، إضافة إلى كل ذلك تطلب مني البلدية الآن أن أجد منزلا أصغر من المنزل الذي أسكن فيه لأنه بات كبيراً على العائلة بعد أن غادره أطفالي، كما أن المساعدة التي أتلقاها نحو 4500 كرون (450 يورو) لشخصين في حين يجب أن تحصل العائلة المكونة من شخصين على ما يقارب الـ 800 يورو، على حد قوله.
وأعرب دياب عن ندمه قائلاً، منذ وصولي إلى السويد لم أرَ يوماً سعيداً (..) الحياة في الفقر والجوع وتحت القصف والبراميل أرحم من الحياة هنا (..) أنا نادم على قدومي إلى السويد لأني أعيش كابوساً حقيقياً لم ينته بعد وحالة زوجتي التي حرموها من فلذات كبدها ليست بأحسن حال مني.
وأضاف منذ أربع سنوات وأنا أعيش على الدخان فقط.
ونتيجة لما مر به، قال دياب لموقع “تلفزيون سوريا”، أصبت بداء السكري منذ ثلاثة أشهر وبجلطة قلبية من كثرة التفكير والقلق الذي يعيشه، مضيفاً أن الأطباء وصفوا له دواء (حبة تحت اللسان) يتناولها في حال الشعور بأي جلطة في المستقبل.
وشبه اللاجئ السوري “السوسيال” بأجهزة مخابرات نظام الأسد، وقال “النظام يعذبنا جسدياً والسوسيال يعذبنا نفسياً (..) هنا في السويد يوجد أمان لكن السوسيال يشكل رعبا وكابوسا حقيقيا لكل العائلات العربية، على حد تعبيره.
وتطرّق اللاجئ السوري إلى العائد المادّي الذي تحصل عليه العائلات الحاضنة، ويقول إن العائلة التي تحتضن الطفل تحصل على رواتب تتراوح بين 2500 يورو إلى 3000 يورو بحسب عمره وحالته الصحية، عدا تكاليف الطعام والشراب والملابس وإعانة تقدر بـ 125 يورو شهرياً لكل طفل.
أما في حال كان الطفل لدى مركز رعاية تابع لـ “السوسيال” فيحصل على راتب يتراوح بين 1400 إلى 1700 بحسب عمره وحالته الصحية، عدا تكاليف الطعام والشراب والملابس إضافة إلى إعانة شهرية تقدر بـ 125 يورو شهرياً لكل طفل.
ويرى دياب أن بعضهم يعتبر حضانة الأطفال “استثماراً ناجحاً” للعائلات باعتبار ذلك يدر مبالغ مالية جيدة جداً للعائلات ومراكز الرعاية التابعة لـ “السوسيال”.
ويمتلك مجلس الخدمات الاجتماعية “السوسيال”، المسؤول عن إعانة العاطلين عن العمل صلاحية واسعة جداً في السويد، وهو الجهة الرسمية الحكومية المسؤولة عن تقديم إعانات شهرية للطعام والشراب والعلاج والسكن، إضافة إلى أنه يمتلك صلاحيات تمكنه من التدخل لصالح الأطفال لدى العائلات لا سيما العائلات اللاجئة التي قدمت إلى السويد في السنوات الأخيرة.
تلفزيون سوريا
اترك تعليقاً