خلف أسوار السجون التي تُديرها ميليشيا أسد ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لكن القسوة تكون أشد عندما تواجه النساء مأساة الاعتقال في تلك السجون. قصصٌ عدّة ترويها ناجيات لأورينت وعن العذابات التي عايشوها في تلك السجون.
صابرين ٤٣ عاماً، زوجة معارض سياسي لنظام أسد منذ قبل الثورة. تم اعتقالها عند زيارتها لأحد أقربائها في دمشق. تحدثت صابرين لموقع أورينت عن رحلة اعتقالها: “أثناء تفييش هويّتي عند الحاجز اعتقلتُ وتم تحويلي إلى الصنمين، عام ٢٠١٧ في رمضان، ومن ثم إلى فرع فلسطين في دمشق، وقضيت كل فترة اعتقالي في هذا الفرع الذي مارس بحقي أشد أنواع الضغط النفسي”.
وأضافت صابرين: “المعاملة كانت سيّئة جداً. عند دخول أي معتقلة جديدة يتم تعريتها بالكامل داخل الحمام لدقائق دون معرفة السبب، ثم توضع في غرفة ذات سطح منخفض يكاد ينعدم الأوكسجين فيها، تضم حوالي ٣٠ سيدة جمعت بين الحامل والصبية والكبيرة بالعمر إضافةً للأطفال”.
بصوتٍ مُتهدِّج مُختنق واصلت صابرين حديثها حول الأوامر التي تصدر في المعتقل، متمثّلةً بعدم رفع الصوت أو تأدية الصلاة ولا حتى النوم أو التحدث مع زميلات الغرفة، فقط المطلوب أن تجلس المعتقلة وضعيّة القرفصاء وركبتاها ممدودة للأعلى، وتأخذ إذناً في حال دخلت للحمام أو تريد شرب الماء، ويُمنَع إطفاء الضوء في الغرفة بسبب وجود كاميرا مراقبة داخلها، وعند سماع أي صوت همس تُنفَّذ العقوبات الجماعية.
تقول صابرين: “استغرق التحقيق مدة نصف ساعة تحدثتُ فيها بكل أريحية مع الضابط وعن الشباب في درعا الذين خرجوا مطالبين بالحرية بصدورهم العارية، وأبديتُ استهجاني لمعاملة النظام لنا دون أن أخشى ردّة فعل الضابط” وفق قولها.
أُطلق سراح صابرين بعد شهور من اعتقالها عبر تسوية جرت بين النظام والمعارضة جرى فيها تبادل للأسرى في منطقة العيس في ريف حلب، وانتقلت بعدها إلى تركيا، وتقيم حالياً فيها بعيدة عن زوجها الذي بقي في درعا بسبب منعه من السفر بعد اعتقاله عدّة مرات من قبل نظام أسد، ويرفض أن يخرج من سوريا بطريقة غير نظامية وفق ما قالت.
نفور مجتمعي
“رنا” زوجة أحد العاملين الذين كانوا يعملون بالإغاثة في منطقة القابون بريف دمشق، ومطلوب لنظام أسد الذي اعتقل رنا كرهينة حتى يُسلِّم زوجها نفسه. قالت لأورينت: “تم اختطافي وتغطية عيوني وأخذوني لمكان لم أسمع فيه أي صدى سوى شتائم من قبل بعض العناصر، إلى أن تم نقلي بعدها إلى فرع الأمن السياسي في دمشق ووضعوني في غرفة صغيرة مظلمة وباردة وكثيرة الرطوبة، مع 15 معتقلة أخرى”.
وأضافت رنا: “تعرّضنا للضرب والتعذيب والإهانات، كما كنت أرى تعذيب الشباب أمامي أنا ومن معي، رأيت شخصياً الكثير منهم وهم يموتون تحت التعذيب”، وأضافت: “كنت أفترش بطانية خشنة في أرض المهجع البارد، وأتحدّث مع صديقتي كل مساء بهمس ماذا سنفعل عند خروجنا من السجن، كنّا نعتبر ذلك أقرب للمعجزة إلى أن تحقّقت”.
لم تنتهِ مأساة رنا بعد إطلاق سراحها، فعند خروجها واجهت نفوراً مجتمعياً ونظرة دونية من قبل أقربائها، ولا سيما أنه إلى الآن لا تعرف شيئاً عن زوجها وتشعر أنّ كل المعتقلات فور خروجهن يتعرّضن لنظرات مجتمعية قاسية. تقول: “لا يُعيرون أيّ أهميةٍ لما كنا نشعر به داخل المعتقل، همّهم الوحيد أن تبقى المرأة داخل السجن وألّا تخرج حتى لا يتحدث عنها المجتمع بالسوء في حال تعرّضت للتحرش أم لا”.
حصار واعتقال.. فتحرّش
سُكينة التي عانت مرارة الحصار والاعتقال قالت لأورينت إنّه وبعد حصارها لمدة ستة أشهر في مخيم اليرموك، تم اعتقالها من قبل فرع الدوريات في مكان عملها بتهمة أن زوجها كان يتعاون مع فصائل المعارضة ويموّل عناصرها في مخيم اليرموك.
وأضافت سُكينة: “لن تتسع السطور للحديث عن المعاناة داخل المعتقل، إذ تعرّضت للتحرش منذ أول دخولي للفرع من قبل عناصر الأمن، ناهيك عن الشتائم، لم أكن أعي تماماً ما يجري حولي، ولم يشغل تفكيري سوى طفلي الوحيد الذي تركتُه في المنزل، وتلك كانت من أصعب اللحظات التي مررتُ بها خلال حياتي”.
وأضافت سُكينة: “من المعروف أنه عندما يتم اعتقال أي امرأة يتم اغتصابها وتصبح منبوذة من قبل المجتمع، فقدتُ الأمل من كل شيء وأيقنتُ أني ذاهبة للموت”.
تختنق سكينة عندما تستذكر معاناتها في المنفردة، وإقدام عناصر الأمن على اغتصاب النساء في المعتقل الذين لم يستثنوا فيه حتى المسنّات والأطفال أيضاً، تقول: “كل شخص في الداخل يعرف أنه على موعد مع عذاب جديد، ومعاملة أشد سوءاً عمّا قبل، تمّ إجبارنا على الاعتراف بتهم لم نقترفها”.
بعد مضي خمسة أشهر من اعتقالها نادى السجان باسمها، ظنت سُكينة أنها ستُعدَم كما حصل مع زميلاتها في المعتقل. تقول: “تفاجأت بإطلاق سراحي، والإفراج عني بعد تعهّدي بعدم التحدث لما تعرّضت له داخل المعتقل، أو سيتم اعتقالي ثانية والمرور بنفس المعاناة”. خرجت سكينة ووجدت طريقاً تخرج منها بطفلها إلى بر الأمان، وتوجهت للشمال وبدأت حياة جديدة بانتظار خبر سارّ عن مصير زوجها التي لم تعرف عنه شيئاً حتى الآن بحسب قولها.
عالم أصمّ
تؤكد منظمات حقوقية أنّ اعتقال النساء استراتيجية يعتمدها نظام أسد لوضع الأسرة كلها تحت ضغط نفسي شديد في مجتمع أبوي تتحكم فيه العادات والتقاليد، وعلى الرّغم من عشرات التقارير التي تحدّثت عن سجون الأسد، غير أنّ أيّاً منها لم يُحرّك ضمير المجتمع الدولي الذي أغلقَ أُذنيه عن معاناة عشرات الآلاف من النساء اللواتي يُعانين داخل تلك السجون.
ومع اختبار المرأة السورية لتجربة الاعتقال والتعذيب تبقى هذه المعاناة حبيسة الأحاديث الخاصة، ولم تلقَ طريقها للوصول إلى الإعلام أو تحريك المجتمعات التي تدّعي التحضّر، فحالات النساء التي خضعن للتعذيب أكثر من تُحصى، دون أي سبب ولا محاكمة ولا حتى تهمة واضحة.
أورينت نت
اترك تعليقاً