الرقة بوست ـ يوسف دعيس
أخيراً فعلتها وزارة الخارجية والمغتربين السورية وقامت بخط رسالتين، وجهتهما إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس مجلس الأمن الدولي، تدين بهما جرائم التحالف الدولي في شمال وشرق سوريا، والتي تستهدف المدنيين والمنشآت الحيوية والبنى التحتية.
جاءت الرسالتان كحقيقة دامغة تؤكد مقولة “كلمات حق يُراد بها باطل”، وما يؤكد حقيقة ذلك ما فعله طيران النظام وحليفه الروسي، الذي كان يؤسس للمهمات القذرة، التي كان يضطلع بها النظام، وتكفل بها عبر عقد مبرم تحت الطاولة، لقتل المدنيين السوريين الأبرياء، الذين ما زالوا يعيشون في الأماكن التي خرجت عن سيطرته، ولكي يدخل النادي الدولي لمحاربة الإرهاب من أوسع أبوابه.
في الوقت الذي توجه وزارة الخارجية رسالتيها إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن في صورة تعكس حقيقة القاتل الذي يمشي بجنازة القتيل، يقوم النظام عبر وكلائه بعقد اتفاقات مع قوات سورية المدعومة من التحالف بإطلاق يدهم في منطقة الشامية، شرق الرقة، بدءاً من منطقة العكيرشي وصولاً إلى منطقة معدان، في محاولة بعث جديد لقوى النظام في المنطقة، من خلال ربط قوات العشائر، التي يقودها المتمرد تركي البوحمد مع قوات النظام في أطراف مدينة دير الزور، ويساعدها بهذه العملية الطيران الروسي بإسناد جوي، وهو ما قام به فعلياً، وأدى طيرانه المهمة على أكمل صورة من خلال مجازره الوحشية التي ارتكبها في مناطق الشريدة والمغلة والغانم العلي وزور شمر ومعدان.
أما لماذا اختارت قوات العشائر التقدم من قلب البادية باتجاه العكيرشي، فهو مؤشر إلى الترابط العضوي وإحياء للتفاهمات السابقة بين النظام وقوات قسد في تمرير النفط الخام من حقول الجزيرة إلى مصافي البترول في حمص والساحل، عبر الأنابيب التي تصل منطقة صباح الخير في المثلث الحدودي بين الحسكة ودير الزور والرقة، وصولاً إلى محطة الحمرات ثم إلى محطة ضخ العكيرشي، مروراً ببادية الشام، ثم إلى مناطق سيطرة النظام.
ينجح النظام في إدارة المنطقة عبر وكلاء على الأرض في التجارة البينية مع داعش ومع قسد، النفط مقابل الغذاء، أو النفط مقابل الدولار أو الذهب، وتبرز أسماء لمتنفذين في مجلس الشعب وفي مواقع أخرى من مراكز صنع القرار التي تشرف عليها الأجهزة الأمنية والعسكرية، وما حسام قاطرجي، وجورج حسواني، اللذان يديران لعبة التجارة البينية بين النظام وداعش وأمراء الحرب الآخرين، إلا تأكيد على مرامي النظام وحليفه الروسي في رسم المصالح المشتركة لمديري الأزمة في سوريا، وليس هناك أية مشكلة إن مات أهل الرقة والدير في مسلسل القتل اليومي الذي لا ينتهي.
النظام السوري، وإن لم ينجح في رسالتيه، لأن الأبعاد السياسية لمراميه مكشوفة، وجاءت في سياق إثبات وجوده كفاعل حقيقي على الأرض، وأيضاً هي لا تؤسس لقطيعة مع التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا، بل هي تأكيد جديد لحضور فاعل في النادي الدولي لمحاربة الإرهاب.
أما بالنسبة لائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، فقد حاول هو الآخر إرسال رسالة إلى الجهات ذاتها عبر لجنته القانونية، في مسعى لإثبات وجوده، ويستنكر في بيانه جرائم التحالف الدولي وقوات سورية الديمقراطية، التي تقوم بأعمال إبادة وتهجير قسري، وتجنيد إجباري، وتغيير ديمغرافي للمناطق ذات الأكثرية العربية، لكنه فشل في تمرير رسالته بعد اعتراض المجلس الوطني الكردي عليها.
ما بين تفاهمات النظام المدعوم روسياً والتحالف الدولي مع قواته الحليفة، تضيع دماء أهل الرقة والدير هباءً، في ظل صمت وعجز دولي للمنظمات الدولية والإنسانية، وغياب للرأي العام العالمي. موت يومي يطال البشر والشجر والحجر لا ترصده عيون البشر ولا كاميرات المراسلين والمحللين في احتفاء حالم لملوك الموت والدمار ممن أدمنوا القتل، وامتهنوا الرقص على جثث الأبرياء.
اترك تعليقاً