الرقة بوست ـ عروة المهاوش
تحت حرارة الخيمة اللاهبة كانت تعد ما بقي لديها من الخضار كوجبة غداء لأطفالها الأربع الأيتام، تحاول جاهدة رمي الجزء الفاسد من حبة البندورة حتى يكون للطعام نكهة مقبولة، على الرغم من ثقتها أن الأطفال سيأكلونها مهما كانت النكهة سيئة، لكنه قلب الأم حين تقدم لفلذات كبدها قطعاً من لحمها حتى يتذوقوا أفضل النكهات.
أخذت الحرب والدهم فجأة، ودون سابق إنذار ليصبحوا أيتاماً دون راعٍ لهم، بحثوا كثيراً عن جثته تحت الأنقاض لكن أياديهم الطرية لم تقو على رفع القطع الإسمنتية الكبيرة، ولم تستطع أيضاً لطراوتها البحث طويلاً، رغم أن أصغرهم كان يحفر التربة ويبكي أباه الذي طمرت ابتسامته أنقاض البيت المتهالك أصلاً، الضجة الكبيرة التي حدثت خارج قماش الخيمة وصوت جارتها منادياً لها حين مرت مسرعة من أمام باب خيمتها أسرعي “شهناز” ودعي كل شيء من يدك فهناك توزيع للمساعدات في الطرف الجنوبي من المخيم، كان هذا النداء كافياً كي ترمي السكين من يدها وتمسح يديها الطاهرتين بأسفل ثوبها، ولم تنسَ أيضاً أن توصي أكبر أبنائها عمراً بألا يقترب أحد من إخوته الصغار من الطعام لحين عودتها، تراءى لها فوراً كمية الطعام التي ستفوز بها من تلك السلة الغذائية، وسوف تزيد على طعام اليوم كيساً من المعكرونة التي يحبها الأولاد، وتخبئ الأرز والبرغل، وبعض الزيت لشهر رمضان الذي أتى مسرعاً هذا العام، في الطريق نحو مكان التوزيع وهي تهرول تذكرت كيف كانت تسابق الزمن في رمضان كي تعد لزوجها ما يحب من طعام وما تشتهيه نفسه رغم أنه لم يكن رجلاً متطلباً لأنواع كثيرة ومتنوعة، فقد كان يحب ويفضل النوع الواحد مع القليل من الخضار، لن أستطيع اليوم أن أضع الفلفل الحار الذي يحبه أبو محمود على المعكرونة سوف أرش القليل منه كي يزيد من نكهة الطعام، محمود أيضاً يحب الطعم الحاد من الفلفل الأخضر، لكن هذا سوف يحرم بقية إخوته من الأكل، لذا قررت أخيراً أن تقاوم هذه الرغبة وتضع الملح وبعض البهارات الخفيفة، حين وصلت المكان لم تتفاجأ بالازدحام تحت الشمس الحارقة فهذا أمر طبيعي ويحدث في كل المرات، شدّت خصرها برباط تحمله، ولم تنسَ أيضاً أن تُحكم حجابها جيداً فمن العار أن يتكشف شعرها للعامة نتيجة الازدحام والتدافع، وعدم احترام بعض الرجال للنساء أثناء المزاحمة للحصول على تلك المساعدة، التصقت الأجساد ببعضها، وعلا الصراخ من الأهالي الجائعين لكن صوت العسكر كان أقوى من صوتهم الضعيف أصلاً نتيجة الجوع والتعب والقهر، ازداد الصياح مع غضب العسكر ليوجه أحدهم بندقيته نحو الجموع الجائعة ويطلق منها رصاصات استقرت برأسها. حين سقطت أمسكت بحجابها فيما دمها كان يُصور لها أنه رب البندورة التي ستطبخها اليوم مع المعكرونة، سقطت شهناز حسين المرزوق بين أقدام رائحتها تحمل رائحة تراب الوطن خارج أسواره، وما زال هناك أطفال أربع ينتظرون أمهم لتعد لهم الطعام في خيمة ذليلة بمخيم “الركبان” على الحدود السورية الأردنية.
اترك تعليقاً