صورة واحدة تختلف عن ملايين الصور الملتقطة لمدينة نيويورك ومعالمها، فهي تخفي أسرارا، وحكايا، ابتداء من هوية العمال الذين ظهروا فيها، إلى شخصية ملتقطها، مرورا بأسئلة تتعلق بحقيقتها كصورة ملتقطة وليست مزيفة أو مركبة..
غموض وأسئلة تحيل إلى الزمن الذي أخذت فيه والظروف السياسية والاقتصادية التي جمعت في لحظة واحدة من عام 1932 أحد عشر عامل بناء لا يُعرف الكثير عنهم ولا عن أنسابهم وهم معلقون بين السماء والأرض.
الصورة الفوتوغرافية التي يظهر فيها عمال بناء وقت استراحتهم، وقد جلسوا على إحدى السقالات الحديدية ليتناولوا غداءهم، مدعاة لحيرة وسؤال عن مصدر الاطمئنان الذي هم عليه، ومن أين لهم الشجاعة للجلوس على مساحة ضيقة على علو 250 مترا؟
أولى الحقائق المتعلقة بالعمال أنهم -مثل الملايين الذين شكلوا نواة مدينة نيويورك المزدهرة في العقد الأخير من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين- من المهاجرين الأوربيين على الأغلب، جاؤوا إليها بحثا عن عمل وأملا في حياة أفضل.
لكن ومع كل الهدوء الذي يظهرون عليه في الصورة فالحقيقة أن زمن التقاطها يعود الى عام ظهور بوادر الأزمة المالية العالمية في وول ستريت، وارتفاع نسبة البطالة التي بلغت وقتها نحو 24% من القوى القادرة على العمل.
لقد ترافق نشر الصورة أول مرة في صحيفة “هيرالد تربيون” في الثاني من أكتوبر عام 1932 مع ارتفاع شعبية المرشح للرئاسة الأمريكية “فرانكلين روزفلت”، الذي رفع شعار التخلص من الخوف والإقدام على المخاطر تعبيرا عن شجاعة المجتمع الأمريكي.
كان الصعود إلى الطابق الـ69 في عمارة “سنترال روكفيلر” يمثل تحديا للخوف، والمهاجر لا يخاف إلا من الجوع والتشرد.
في ظل أزمة اقتصادية يصبح رفض أي فرصة عمل انتحارا، ولهذا فالرجال الـ11 هم أبطال بمعنى قبولهم التحدي من أجل تأمين رزقهم، ومن جهة ثانية كانت خياراتهم محدودة تقلل الكثير من توصيفهم بالشجعان.
لكن ماذا بشأن الصورة نفسها، هل هي أيقونة “مصنوعة” ملفقة وغير حقيقية؟
الصورة حقيقية وليست مزورة، وتوجد لها نسخة “نيغاتيف” مطبوعة على الزجاج في مركز حفظ الوثائق “كوربيز” الأكبر في الولايات المتحدة وصاحبها غير معروف إلى اليوم.
الجزيرة الوثائقية
اترك تعليقاً