Views: 201 عندما يتحاور معارضون سوريون وايرانيون – الرقة بوست-Raqqa Post

عندما يتحاور معارضون سوريون وايرانيون

طال الحوار أكثر مما توقعتُ مع مجموعة من المعارضين الإيرانيين، بدعوة منهم مساء الثلاثاء الفائت على Clubhouse. كنت مدعواً من أجل التحدث عمّا جرى في سوريا منذ انطلاق الثورة، وكان واحد من الأسئلة التي وُجّهت لي، وأظنه السؤال الذي يدور في أذهان الكثير من المعارضين الإيرانيين: كيف يمكن لهم تفادي السيناريو الدموي السوري؟

خلف هذا السؤال هناك معرفة جيدة بأن النظام الإيراني وميليشياته كان لهم دور حاسم في قمع ثورة السوريين، أي أن شبح قاسم سليماني “وما يمثّله هو وورثته” ماثلٌ في أذهان هؤلاء المعارضين وسواهم. ثمة مفاضلة قاسية جداً، إما الثورة وتحمُّل كلفتها الباهظة، من دون أن يكون انتصارها مضموناً، أو الرضوخ للنظام الإيراني مع تردي الأوضاع على كافة المستويات.

ما واظب السوريون على تكراره، لجهة شعورهم بالخذلان، قد لا يلاقي الإيرانيون أفضل منه. هم اختبروا في انتفاضات صغيرة خلال السنوات الماضية مواقف القوى الكبرى التي كانت أقرب إلى النأي بالنفس، باستثناء إصدار بيانات تأييد خفيف اللهجة من باب رفع العتب، وعلى نحو لا يستفز نظام الملالي. الغرب لم يعد مكترثاً بقضايا الديموقراطية خارج حدوده، وترجمة هذا التوجه في منطقتنا هي أن الشعوب عزلاء في مواجهة سلطات تمتلك كل مفاتيح القوة الفظة ولا تتورع عن استخدامها بوحشية.

عدم دعم الديموقراطية لا يعني بالطبع انتفاء التدخل الخارجي، وفي سوريا نموذج عن التدخلات الخارجية غير المكترثة بالسوريين وتطلعاتهم. هنا كان في وسعي تقديم نصيحة للحضور مفادها: لا تكونوا مثلنا. فالعلاقة مع الخارج هي من بديهيات العالم والسياسة المعاصرين، وينبغي أن تكون قدر الإمكان قائمة على التكافؤ واستقلالية أطراف العلاقة، وفي الحد الأدنى ليست على حساب طرف منها بالمطلق. لقد فعلت المعارضة السورية الأسوأ تماماً، لجهة الارتهان للخارج والارتزاق منه.

كما نعلم، نالت المعارضة السورية في مستهل الثورة تبريرات لا تحصى، تلقي باللوم على حكم البعث ثم الأسد الذي منع السياسة في البلد، ومنعَ تالياً فرصة وجود معارضة ومعارضين ذوي خبرة. لحسن حظ الإيرانيين أنهم في زمن الشاه ومخابراته لم يتعرضوا للقمع التام الذي تعرض له السوريون، وفي ظل حكم الملالي ومخابراته وميليشياته بقي هناك قدر من الحراك السياسي، ولو ضمن تركيبة الحكم وصراع الأجنحة المختلفة فيه. لم تصل إيران في أي وقت إلى التصحر السياسي الذي أوصل الأسد سوريا إليه.

تُبنى على المقدمة السابقة نتيجة تُلقى عادة على عجل، مفادها أن الثورة السورية اندلعت عفوياً جراء تراكم عقود من القمع والقهر. هي، بهذا التوصيف، حدث جيولوجي أكثر من كونه سياسياً، حدث أشبه باندلاع البركان. هذا الانفجار الناجم عن تصحر سياسي ممنهج أسوأ ما يمكن حدوثه لبلد، لكن من الصعب جداً “أو من المستحيل” تلافيه. إذا افترضنا أن بشار الأسد قد انتصر، وأن الوضع سيعود إلى ما كان عليه داخلياً وخارجياً، فهذه وصفة مجرَّبة للانفجار المقبل الذي سيكون أشدّ كارثية. وهي وصفة لا يتمناها سوري عاقل للإيرانيين المتحفزين لإسقاط النظام، لأن فشلهم أفضل هدية لحكم الأسد.

أعلم أن نسبة كبيرة من السوريين قد تتمنى للإيرانيين تذوّق المآل الذي ساهم إيرانيون في إيصال السوريين إليه، يقودهم إلى ذلك الشعور بالغبن والغضب. وما أكّدت عليه أن احتجاجات الإيرانيين على السياسة الخارجية للملالي غير كافية، عندما تأتي فقط على أرضية التذمر من الإنفاق الخارجي الضخم على حساب لقمة المواطن الإيراني. هذا المناخ المحتقن يحتاج خطوة إضافية لصالح مستقبل بلا أحقاد، هي تكرار القول وبوضوح أن المعارضة الإيرانية مع الحق في الحرية للسوريين الذين دفعوا باهظاً ثمن التدخلات الإيرانية.

اللواتي والذين حضروا النقاش، بين الداخل الإيراني والخارج، مطلعون جيداً على ما فعله النظام الإيراني بسوريا، وإحدى السيدات أشارت إلى أنها رأت بنفسها في دمشق كيف كانت التظاهرات تُقمع بوحشية. فوق الخبرة والمعرفة، يُسجّل للمحاورين أثناء النقاش المبادرة إلى الاعتذار عمّا فعله النظام الإيراني. هذه علامة نضج تُحسب لهم ونفتقر إليها، فلم يخرج سوري مثلاً “قبل الثورة” ليعتذر من اللبنانيين عن أفعال الأسد التي شارك فيها على الأرض اللبنانية الألوف من السوريين، أو ليعتذر عن المجازر التي ارتكبها في حق الفلسطينيين، وبالطبع لم يعتذر أحد عن مجزرة حماة الكبرى.

الذريعة المستدامة، الصحيحة حقاً، أن سلطة الأسد تمثّل نفسها بأفعالها ولا تمثّل السوريين. لكن بعد أن نتجاوز هذا المنطق ينبغي الانتباه جيداً إلى أن القتلة لا يعتذرون، وقلّما اعتذر مجرمون كبار عن المجازر التي اقترفوها، ولم يفعلوا ذلك إلا مضطرين وهم في قفص الاتهام أو قريباً من المقصلة. الذين يعتذرون هم أصحاب الحساسية الإنسانية العالية، هم على الأغلب غير المستعدين للمشاركة في تلك الجرائم، أو في تأييدها والتحريض عليها. فضلاً عن الاعتبارات الشخصية، ربما تكون ثقافة الاعتذار السياسية مرتبطة بوجود الحد الأدنى من فكرة الوطن.

خلال ثلاث ساعات، تبادلنا العديد من الأفكار والأسئلة، والقليل من الإجابات القاطعة أو النهائية. بالطبع لدي فكرة عن المعارضة الإيرانية، في أوروبا خاصة، وحدث في العديد من المناسبات أن شارك سوريون في مهرجاناتها حضوراً، بينما كانت المساهمة في الحوار معها أقل بكثير. هو حوار يكاد يكون بين أبناء القضية المشتركة، بعد أن أزال قاسم سليماني الحدود بين البلدين، لذا تمنيت على أصحاب الدعوة المبادرة إلى الحوار مع سوريين آخرين.

بطلبي، أردت لآخرين تجربة ما أحسست به، أعني الشماتة الصغيرة التي شعرت بها تجاه سليماني، إذ بمثل هذا الحوار ينكسر ما أسّس له من عوامل قطيعة وعداء، ووجود إيرانيين يعتذرون عمّا فعله فيه بارقة أمل عن فشله في جعل الإيرانيين على شاكلة ميليشياته، إيرانيين يختتمون الحوار بالاستماع إلى أغنية عذبة انتقوها لأجلي من التراث السوري. بالتأكيد، يبقى الطريق إلى الشماتة الكبرى طويلاً جداً وشاقاً، ومن الحصافة عدم الإفراط في الأمل، وعدم تعزيز أسباب اليأس أيضاً.

عمر قدور – المدن


Posted

in

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »