أما أن تكون (قسد) والهيئات المدنية التابعة لها مسؤولة عن القضاء على الفئران، أو التقليل من عددها إلى الحدود الطبيعية، على اعتبار أن هذه الحيوانات شريكة لنا في الطبيعة، فهذ أمر لا جدال فيه. وبعد أن تتابع وقوع المدينة تحت سيطرة سلطات أمر واقع منذ 2011، من النظام، إلى فصائل: النصرة، وحركة أحرار الشام، وأحفاد الرسول، ولواء ثوار الرقة، ومن ثم داعش منفرداً لأكثر من ثلاث سنوات ونصف منذ 4 يناير/كانون الثاني 2014، تفردت (قسد) بهذا الامتياز منذ 21 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2017.
علمياً، ينقل الفأر المنزلي أمراضاً خطيرة، منها التيفويد، والكوليرا، والتهاب السحايا. ولحسن الحظ أنه لا يتغذى على اللحوم مثلما تفعل الجرذان، وإلا كان نهش أجساد الجثث تحت الأنقاض، أو أجساد الأحياء، وخاصة الأطفال. والفأر يتغذى على الطحين والحبوب بشكل أساسي، ويقرض كل ما يجده أمامه، من الإسمنت، إلى البلاستيك، والثياب.
وتتكاثر الفئران بسرعة كبيرة في الفترة من أكتوبر/ تشرين الأول، إلى أبريل/ نيسان، دون أن تتوقف عن التكاثر في الأشهر الأخرى، لكن بوتيرة أقل. وشهر أكتوبر من العام الماضي هو التوقيت نفسه الذي سيطرت فيه (قسد) على المدينة وريفها القريب، في مصادفة غير مقصودة.
هذا يعني أن في الرقة الآن، نظرياً، ألفي فأر، لو كان فيها قبل عام فقط زوج واحد من الفئران.
لكن المدينة الصغيرة تتألف من 26 حياً رئيساً تتفاوت في المساحة بطبيعة الحال، وبمساحة إجمالية تبلغ 31 كيلومتراً مربعاً. ولو افترضنا أن نصيب كل حي هو زوج واحد فقط من الفئران قبل عام سيكون لدينا اليوم 52 ألف فأر. وإذا كان في كل كيلومتر مربع زوح من الفئران قبل عام لكان اليوم العدد 62 ألف فأر. هذا على الأقل، ولو افترضنا أن قطط الشوارع، والناس، لم يساهموا في تقليل هذا العدد الافتراضي من الفئران، بالمصائد، ووسائل أخرى.
وإذا علمنا أن العدد المقدر للنازحين من الرقة الذين عادوا إلى المدينة، حتى مارس/ آذار الماضي، لا يتجاوز 60 ألف مدني، سيكون عدد الفئران موازياً لعدد السكان، يزيد، أو ينقص عن هذا الرقم. لكن متوالية تزايد عدد الفئران الهندسية أسرع بكثير، وضحايا الألغام هم من البشر فقط، كون الفئران والجرذان لديها إحساس عالٍ بخطر الألغام، حتى أنها تستخدم في بعض البلاد في الكشف عن الألغام الأرضية، والعبوات الناسفة، مثلها مثل الكلاب البوليسية المدربة. ولا نعلم بالتالي إن كان عدد البشر الآن أكثر من الفئران، أو أن العكس هو الصحيح.
هذا الحال ينسحب من القطط إلى الجرذان العدوانية واللاحمة في طبيعتها. وقد يصبح هذا حال الفئران أيضاً، التي إن لم تجد الدقيق والحبوب ستتحول إلى لاحمة أيضاً، في معركة الصراع على البقاء.
سلطة الأمر الواقع، وأداتها التنفيذية مدنياً (مجلس الرقة المدني)، وراعيتهما أميركا، غير مهتمين بالأمر، حتى تحت مقولة “إعادة الاستقرار” إلى الرقة، تنصلاً من واجب إعادة إعمار المدينة التي دمرها الطرفان. فخلال سنة من العمل، لم يحلَّ المجلس مشكلة مياه الشرب والصرف الصحي، أو الكهرباء، أو الاتصالات، ولم يتمكن (فريق الاستجابة الأولية) من تنظيف المدينة من الألغام والعبوات الناسفة، أو من إغلاق ملف المقابر الجماعية، أو إخراج الجثث من تحت الأنقاض.
وفي الرقة، ينظر الناس إلى (قسد) كسلطة احتلال، وتتعامل هي مع المدنيين بهذا المنطق، وتترك للمجلس المدني الذي شكلته مهمة تقديم الخدمات للناس، وقد تتنصل من مسؤوليتها عن حل مشكلة الفئران الخطرة، التي قد تؤدي إلى وباء حقيقي.
وعلى اعتبار أن البيوت غير محمية، وكل بيت مسكون محاط بمجموعة من أنقاض البيوت التي تسكنها الفئران وتتكاثر فيها، وتغزو البيوت المسكونة للبحث عن الطعام، فإن الأطفال هم الأكثر عرضة للخطر.
اترك تعليقاً