نظرت العديد من الدول إلى الأموال الصينية بنظرة إيجابية وشعرت أنها كانت أموالا مجانية، إلا أن هذه القروض كانت باهظة الثمن اقتصاديا، وقد تعمل على تقييد هذه الدول بسبب علاقاتها بالاقتصاد الصيني، وبالتالي رهن مستقبلها للشركات الصينية.
من خلال العمل على مشروع اقتصادي يُعرف باسم “الحزام والطريق” للنمو الاقتصادي العالمي. وبحسب ادعائها، تريد من خلاله مد نفوذها إلى مناطق جديدة في منطقة القارة الآسيوية وتهيمن على بلدان عدة. فهل غرقت دمشق في وحل الأفخاخ الصينية؟
الصين تضم سوريا رسميا لمبادرة “الحزام والطريق”
وقعت الصين، أمس الأربعاء، مذكرة اتفاق مع الحكومة السورية، بموجبها أُدرجت سوريا في خطة “الحزام والطريق” الصينية ، بعد سنوات من بدء المحادثات بشأن هذه العضوية.
وبحسب وكالة الأنباء السورية “سانا”، وقع الاتفاق في دمشق، رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي، فادي الخليل، ونيابة بكين كان السفير الصين في سوريا، فنغ بياو.
وتهدف مبادرة “الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري”، إلى ربط الصين ببقية العالم وتسليم بضائعها بأسرع وقت ممكن إلى جميع القارات عبر الطرق البرية والبحرية. وتستند إلى تطوير البنية التحتية، بالتعاون مع أكثر من 68 دولة.
وقال أستاذ الدراسات الدولية في جامعة “صن يات سين” الصينية، الدكتور شاهر إسماعيل الشاهر، أنه “تم إعادة الروح لانضمام سوريا إلى هذه المبادرة عند زيارة المستشارة الخاصة في الرئاسة السورية، بثينة شعبان، إلى الصين في العام 2017. وكذلك زيارة وزير الخارجية السوري السابق، وليد المعلم، إلى بكين في العام 2019. وخلال هذه السنوات كانت سوريا مشاركة وحاضرة في كل الفعاليات التي تقيمها الحكومة الصينية والمتعلقة بهذه المبادرة”.
ووفقا لتقرير لمعهد “نيو لاينز للاستراتيجية والسياسة” الأمريكي، سعت بكين إلى دمج دمشق بمبادرة “الحزام والطريق”. وحاولت الاستفادة من احتياجات إعادة الإعمار الملحة في البلاد. لتأسيس موطئ قدم في قلب بلاد الشام، ولتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.
هل وقعت دمشق في فخ الديون الصينية؟
يوضح الخبير الاقتصادي، الدكتور عبد الحكيم المصري، لـ”الحل نت”، أن الصين قررت منذ عدة أشهر ربط الخط من إيران إلى العراق ثم إلى سوريا، والهدف هو التدخل في سوريا اقتصاديا ليس على المنظور القريب إنما على المدى البعيد.
ويشير المصري، إلى أن التدخل الصيني سيبدأ عبر طرق السكك الحديدية ومن ثم الموانئ البحرية. وبليها تعبيد الطرق البرية بإغراء الحكومة السورية بالديون من دون فائدة. مضيفا، أن ركود الاقتصاد وقلة الإنتاج لدى دمشق سيؤدي لعجز سدادها لاحقا.
وبالتالي فإن السياسة الصينية، تمهيد أرضية اقتصادية وإغراق الدولة بالديون للتدخل بالقرار السياسي في سوريا كجزء من حربها مع أمريكا. وهذا برأي المصري لن يظهر الآن، إنما لاحقا، وعلى سبيل المثال فإن الاتفاقيات التي وقعت مع الصين والديون التي أنتجتها الحكومة الحالية حتى اليوم فقط. ستظل تلاحق الشعب إلى عام 2050 مشكلة عبء كبير حتى على الحكومات اللاحقة.
وبحسب حديث باحث في معهد الشرق الأوسط للدراسات، الدكتور كرم الشعار، لـ”الحل نت”، فإنه بالنظر إلى تجارة البضائع الكبيرة للصين. فإن انخفاض واردات سوريا يأخذها من شريك تجاري هامشي مع الصين قبل الحرب إلى شريك تجاري أقل أهمية الآن. وهذا ينطبق على الصادرات والواردات على حد سواء. وبينما تعتبر الصين مصدرا مهما لواردات سوريا، فإن العكس ليس صحيحا. صادرات سوريا إلى الصين شبه معدومة.
كيف تستعمر الصين عبر نفوذها الاقتصادي؟
بلغت حجم الديون التي قامت الصين بإقراضها من خلال الحكومة والشركات التابعة لها نحو 1.5 تريليون دولار أمريكي على شكل قروض مباشرة وائتمانات تجارية لأكثر من 150 دولة حول العالم. وتشير الدراسات إلى أن هذا الحجم من الديون، حوّل الصين إلى أكبر دائن رسمي في العالم.
ماليزيا إحدى الدول التي فهمت اللعبة وابتعدت، ففي وقت سابق، قال رئيس الوزراء الماليزي السابق، محمد مهاتير، لمضيفه الصيني، لي كه تشيانغ، قبل بضع سنوات في بكين: “لا نريد نسخة جديدة من الاستعمار”. وأبلغه أن بكين تنفق الكثير من المال، لكن كوالالمبور غير قادرة على دفعها. وألغى حينها ثلاثة مشاريع اقتصادية عملاقة كانت ستمولها الصين.
ولكن على العكس، فموقع سريلانكا الاستراتيجي على أكثر خطوط الشحن ازدحاما بين شرق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا جعلها جائزة كبيرة للصين. التي منحت هذه الدولة الصغيرة ما يقرب من ثمانية مليارات دولار بمعدل فائدة 6.3 في المئة. ونتيجة لذلك، حصلت الصين على 85 بالمئة من ملكية ميناء هامبانتونتا الرئيسي بعقد إيجار لمدة 99 عاما. بالإضافة إلى حوالي 15000 فدان بالقرب من الميناء كمنطقة صناعية.
وأيضا، اضطرت كينيا إلى رهن أكبر وأهم ميناء في مومباسا للحكومة الصينية بسبب الديون المتراكمة التي تزيد عن 5.5 مليار دولار، مما يضع كينيا من بين الدول الأكثر عرضة لفقدان أصولها لمصلحة بكين.
ووفقا لمعهد البحوث الأميركي “سنتر فور غلوبال ديفيلبمنت”، فإن برنامج “الحزام والطريق”. الذي يشير إليه البعض على أنه الحلم الصيني، يزيد بشكل كبير من مخاطر زعزعة استقرار حالة ثماني دول مثقلة بالديون: منغوليا، ولاوس، وجزر المالديف، والجبل الأسود، وباكستان، وجيبوتي، وطاجكستان وقرغيزستان. فهل باتت سوريا هي الدولة التاسعة؟
الحل نت
اترك تعليقاً