الكبتاغون واللاجئون وإعادة الإعمار ملفات تنتظر الحل.
في حين استبشر الكثير من المحللين خيرا بعودة العلاقات العربية مع سوريا، يرى آخرون أنها ستفتح الباب أمام بشار الأسد للمتاجرة بعدد من القضايا الإقليمية التي تلقي بثقلها على الدول العربية، ومنها قضيتا اللاجئين وتجارة الكبتاغون التي صارت تجارة مربحة للنظام السوري الذي يئن تحت وطأة أوضاع اقتصادية حرجة.
بيروت – كرّست القمة العربية فكّ عزلة الرئيس السوري بشار الأسد الإقليمية، بعد مرور أكثر من عشر سنوات على نزاع مدمر وقطع دول عربية علاقاتها مع دمشق، ردا على قمعها احتجاجات شعبية بالقوة.
ولقيت مشاركة الأسد في القمة التي انعقدت في جدة ترحيبا واسعا. وكانت دول عربية عدة بينها السعودية قدّمت دعما للمعارضة السورية، خصوصا في سنوات النزاع الأولى. لكن هل من شأن ذلك أن يسهّل حصول الأسد على مساعدات يحتاجها بشدّة في مرحلة إعادة الإعمار؟
خطر الكبتاغون
الدول العربية تنتظر من دمشق حلا لأزمة اللاجئين وكبحا لتجارة الكبتاغون التي تشكل الأسواق الخليجية وجهة رئيسية لها
فيما يعوّل الأسد على دعم عربي، تنتظر الدول العربية من دمشق إجراءات ملموسة في ما يتعلق بكبح تجارة الكبتاغون التي تشكل الأسواق الخليجية -خصوصا السعودية- وجهة رئيسية لها وحلا لأزمة اللاجئين التي تثقل كاهل دول عدة.
وباتت سوريا مركزا أساسيا لشبكة تمتد إلى لبنان والعراق وتركيا وصولا إلى دول الخليج ومرورا بدول أفريقية وأوروبية.
فما مصير كل هذه الملفات العالقة مع وجود مناطق خارجة عن سيطرة السلطات السورية؟ وهل فكّ عزلة الأسد إقليميا يسهّل طريق الحل السياسي المعلّق منذ سنوات؟
أمل الرئيس السوري الذي التقى ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان أن تشكّل القمة “بداية مرحلة جديدة للعمل العربي للتضامن في ما بيننا لتحقيق السلام في منطقتنا والتنمية والازدهار بدلاً من الحرب والدمار”.
ويقول مدير مركز دمشق للدراسات الإستراتيجية بسام أبوعبدالله “ثمّة ارتياح في الشارع السوري بشكل عام، وتفاؤل أكبر في المستقبل وإن كانت التحديات كثيرة”. ويضيف “طوينا صفحة ونكتب صفحة جديدة”.
ورغم أن القوات الحكومية استطاعت خلال السنوات الماضية، وبدعم من حليفين رئيسيين هما إيران وروسيا، السيطرة على الجزء الأكبر من مساحة البلاد، إلا أن مناطق واسعة خصوصا في شمال شرق وشمال غرب البلاد لا تزال خارج سيطرتها. ويضمّ بعضها أبرز حقول النفط والغاز ومساحات زراعية خصبة ويحتوي على مياه بكميات وفيرة.
وتعتبر الباحثة لينا الخطيب، مديرة معهد الشرق الأوسط في مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية التابعة لجامعة لندن، أنّ الأسد يرى في عودته إلى الجامعة العربية “اعترافاً بأنه ربح الحرب وقبولا رسميا بشرعيته كرئيس”.
وأودت سنوات الحرب بحياة أكثر من نصف مليون شخص، ودمّرت البنى التحتية واستنزفت الاقتصاد ومقدراته. لكن ما هو مصير التسوية السياسية؟
في مقررات قمة جدّة أكّد القادة العرب “ضرورة اتخاذ خطوات عملية وفاعلة للتدرّج نحو حل الأزمة” السورية التي أتمّت عامها الثاني عشر.
ورغم هدوء الجبهات في السنوات القليلة الماضية فإن الحرب لم تنته خصوصاً مع وجود قوات أجنبية داخل البلاد تقدم الدعم لأطراف داخلية متنازعة، بينها القوات الأميركية الداعمة للمقاتلين الأكراد، والقوات التركية الداعمة لفصائل المعارضة المنتشرة قرب حدود تركيا، والتي بدأت تبدي في الأشهر الأخير مرونة أكبر تجاه دمشق.
وفشلت الكثير من جولات التفاوض بين ممثلي النظام والمعارضة، والتي قادتها الأمم المتحدة بجنيف، في إرساء تسوية سياسية للنزاع. ويتفاوض الطرفان منذ سنوات لصياغة دستور جديد، لكن دون جدوى.
وتقول الخطيب “ثمة آمال أقل حاليا من ناحية إحياء عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة وإمكانية أن تؤدي إلى انتقال سياسي ذي مغزى”.
وفي السياق ذاته يعتبر الباحث في معهد “نيولاينز” نيك هيراس أن الجامعة العربية “ابتعدت عن المعارضة السورية” وتدفع اليوم نحو “توازن بين إيران والدول العربية التي تنافسها”.
وتسارعت التحولات الدبلوماسية على الساحة العربية إثر إعلان اتفاق بين السعودية وإيران، أحد أبرز حلفاء دمشق، في مارس الماضي، على خطوة بدت انعكاساتها جلية على الخارطة السياسية الإقليمية في منطقة لطالما هزتها النزاعات بالوكالة.
ماذا عن اللاجئين والمخدرات؟
أوراق للضغط
في قمة جدة اتفق القادة العرب -في ما يتعلّق بسوريا- على “تعزيز التعاون العربي المشترك لمعالجة الآثار والتداعيات المرتبطة باللجوء والإرهاب وتهريب المخدرات”.
وتعدّ هذه القضايا أساسية بالنسبة إلى دول عربية عدّة، مع وجود أكثر من 5.5 مليون لاجئ سوري في دول الجوار، وفي وقت يشكّل فيه تهريب المخدرات أحد أكبر مصادر قلق دول خليجية وخصوصا السعودية التي باتت سوقاً رئيسية لحبوب الكبتاغون المصنّعة بشكل رئيسي في سوريا.
وتُعد حبوب الكبتاغون اليوم أبرز الصادرات السورية، وتفوق قيمتها كل قيمة صادرات البلاد القانونية، وفق تقديرات مبنية على إحصاءات توثّق الحبوب المصادرة خلال العامين الماضيين.
والمسألة أكثر تعقيداً من كون الكبتاغون مجرد حبوب مخدرة ارتبط اسمها بتنظيم الدولة الإسلامية؛ فهذا المخدر يدرّ مدخولاً هائلاً على أطراف متنوعة في بلد أنهكت الحرب اقتصاده.
من شمال سوريا إلى جنوبها، مرورا بباديتها وسواحلها، وبغض النظر عن القوى المسيطرة عليها، سواء أكانت قوات موالية للنظام أم معارضة له، تتخطّى حبوب الكبتاغون الانقسامات، واستطاعت أن تحوّل سوريا الغارقة في نزاع منذ 2011 إلى دولة مخدرات. وتشمل دورة إنتاج وتهريب هذه الحبوب المخدرة لبنان المجاور الذي ينوء أيضا تحت ثقل انهيار اقتصادي.
ويشدّد أبوعبدالله على ضرورة أن تقدّم الدول العربية “يد العون والمساعدة”، خصوصا في ما يتعلق بملف اللاجئين، معتبرا أن الأمر “يحتاج إلى تمويل وبنى تحتية”.
وتشكّل العقوبات الغربية المفروضة على دمشق عائقا أمام تمويل دولي شامل لإعادة الإعمار، بمعزل عن تسوية سياسية تدعمها الأمم المتحدة.
وتشكّك الخطيب في إمكانية عودة اللاجئين إلى ديارهم بشكل آمن. وتعتبر أنّ النظام “ليس راغبا ولا قادرا على تقديم مساعدة مفيدة” في قضايا مرتبطة بالسكن والتوظيف وتوفير الأمن.
وترجّح “أن تتباهى دمشق بعودة اللاجئين كورقة لاستقطاب التمويل للأسد وأعوانه”.
وفيما بدا بمثابة تفعيل لتعاون عربي – سوري في ملف مكافحة تهريب المخدرات، قُتل مهرّب مخدرات بارز مع عائلته الشهر الحالي جراء غارة على منزله في جنوب سوريا، نسب المرصد السوري لحقوق الإنسان تنفيذها إلى الأردن الذي تحوّل إلى طريق عبور لتجارة الكبتاغون.
وترجّح الخطيب ألا توقف دمشق تجارة المخدرات المربحة لها بشكل غير مباشر، إذ تتحدث تقارير عن تورط مقربين من نظام الأسد فيها، لكنها ستتظاهر بأنها “تقلّص بعض تدفّق الكبتاغون إلى الخليج مقابل حصولها على تعويض مالي من قنوات أخرى”.
وبينما يبدو النزاع “مجمدا”، يرى هيراس أن الدول العربية “تتعامل مع القضايا كافة، بما في ذلك إعادة إعمار المناطق تحت سيطرة الأسد، والمعتقلين السياسيين وتدفق المخدرات كما لو أنها أمور حصلت وانتهت”.
ويضيف “يستطيع الأسد حاليا أن يتاجر بهذه القضايا كلّها مع الدول العربية”.
صحيفة العرب
اترك تعليقاً