أحمــد شـعـبـان
منذ أن انجلى غبار معركة الرقة التي قادها التحالف الدولي بمساندة ما يسمى بقوات سورية الديمقراطية “قسد” لإخراج تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من المدينة في بداية تشرين الأول 2017، يتم الحديث عن حجم الدمارالرهيب في إطار عام ولا يجري الحديث عن المرافق العامة كالمدارس والحدائق والمشافي والمستوصفات والمراكز الصحية والمساجد ودور العبادة، بل يقتصرالحديث والعمل على البنى والخدمات الضرورية؛ من كهرباء، ومياه شرب، وشبكات صرف الصحي .
تضم مدينة الرقة قرابة 50 مسجداً وجامعاً، دمّر التحالف منها قرابة 29 مسجداً بشكل كلي، وسبقه نظام الأسد بتدمير عدة مساجد، وتضرر عدد منها بشكل جزئي، في حين يفترض أن يأخذ المجلس المحلي أو لجنة الشؤون الدينية التابعة له، موضوع إعادة إعمار المساجد المدمرة، وإصلاح المتضرر منها بشكل أقل، إلا أنهما تركتا الأمر على عاتق سكان المحافظة.
مآذن الرقة تاريخياً:
تعتبر المآذن، وهي البناء أو البرج المرتفع الطويل الملحق بالمسجد، جزءاً هاماً من فن العمارة الإسلامية، و جزءاً من هوية البلد، حيث تختلف المآذن بأشكالها وأحجامها وزخرفتها من حقبة تاريخية إلى حقبة ومن دولة إلى أخرى.
ازدهرت في الرقة عبر مسمياتها القديمة وصولاً لاسمها الحالي، ومنذ دخول الإسلام لبلاد الشام ومنذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب، بدأت بالازدهار بشكل كبير، وتبدّت ملامحه أكثر في بداية العصرين الأموي والعباسي، زاد الاهتمام أكثر ببناء المساجد، وأُدخل على بنائها مهارات ولمسات معمارية فريدة، وأصبحت المآذن جزءاً أصيلاً من عمارة المساجد.
عندما تولى سعيد بن عامر ولاية الرقة عام 20هـ/640م زمن الخليفة عمر بن الخطاب أمر ببناء جامعين متماثلين في كل من الرقة عاصمة الجزيرة وحران إحدى مدنها الهامة وعاصمة مروان بن محمد (72-132هـ/691-750م) (آخر خلفاء بني أمية في الشرق) وفي فترة الحكم الأموي تم الاهتمام بالجامعين وأصبحا قريبين من الجامع الأموي الكبير في دمشق حتى من حيث الأبعاد وفن العمارة.
لكن للأسف لم يبقَ من الجامع الأموي الكبير في الرقة القديمة التي تقع أطلالها تحت بيوت حي المشلب سوى المئذنة (مئذنة القنيطير)، والتي أزيلت بدورها مطلع القرن العشرين لتندثر معالم ذلك الصرح الأموي الكبير والهام والذي كان أحد المعالم الفريدة في الرقة البيضاء (حي المشلب)، أما الجامع العباسي الكبير (المنصور- العتيق) التوأم لجامع بني أمية الكبير في الرقة فلازالت آثاره باقية إلى يومنا هذا.
مئذنة الجامع العباسي الكبير
عندما أمر المنصور ببناء الرافقة (الرقة العباسية) عام 154 هـ/772 م أرادها أن تكون حاضرة لا تقل جمالاً عن الرقة الأموية التي اشتهرت بقصورها وأسواقها وجامعها الكبير فبنى العباسيون الجامع العباسي الكبير (جامع المنصور-العتيق) بأبعاد وتفصيلات قريبة من الجامع الأموي الكبير في كل من الرقة ودمشق، حيث يتألف من صحن وحرم وأروقة شمالية وشرقية وغربية.
المئذنة الأساسية كانت في الجهة الشمالية الشرقية من الجامع وهي مربعة الشكل على شاكلة مئذنة الجامع الأموي الكبير في الرقة، وفي عام561هـ/ 1166م في عهد نور الدين الزنكي تم ترميم المسجد والمئذنة. وبناء المئذنة بشكلها الأسطواني، مع مثيلاتها في كل من قلعة جعبر ومسكنة وأبي هريرة. ومكانها الحالي في النصف الشمالي الشرقي من صحن الجامع .
مئذنة جامع أبو هريرة
تعود إلى فترة الزنكيين القرن السادس الهجري، بنيت في عهد نورالدين الزنكي، هريرة نقلت بعد بناء سد الفرات إلى مدينة الطبقة، وهي مئذنة مستديرة الشكل.
مئذنة جعبر
كان موقعها الأساسي في المنطقة التي غمرتها بحيرة الفرات، تم تفكيكها إلى أجزاء بموافقة منظمة اليونسكو؛ لكيلا تغمر بمياه البحيرة بعد انتهاء تشييد سد الفرات، ونقلت إلى جوار البحيرة، على مقربة من أحياء مدينة الطبقة، استغرقت عملية النقل حوالي تسعة أشهر.
مئذنة الجامع الحميدي
هي ما تبقى من الجامع الحميدي، يقع الجامع في وسط مدينة الرقة القديمة، في مكان ليس ببعيد عن سورها الجنوبي الذي يحاذي نهر الفرات سابقاً، وتحديداً شمال شرق السرايا القديمة «متحف الرقة حالياً» والمبنى الحالي كبير جداً، بني على أنقاض المسجد القديم الذي لم يتبقَ منه سوى المئذنة القديمة، وبعض الغرف الملحقة بالمسجد. بني الجامع ومئذنته في أواخر القرن التاسع عشر، في عهد السلطان عبد الحميد الثاني.
من يقوم بمهمّة إعادة الإعمار اليوم:
في سؤال لموقع الرقة بوست عن الجهات التي تشرف على إعادة إعمار الجوامع يقول أبو خالد وهو أحد المساهمين والمتابعين لهذا الموضوع “إن من يقوم بتمويل إعمار المساجد هم من أبناء المحافظة من المغتربين في الخارج وبعض ميسوري الحال في الداخل، عن طريق لجان أهلية تشكلت في معظم أحياء المدينة”، وحول سؤالنا له عن دور المجلس ولجانه، أضاف أبو خالد “موضوع المساجد يجري التعامل معه اليوم كما كان يفعل أيام نظام البعث (لا نريد منكم ولا نعطيكم) وأنّ عمل لجنة الشؤون يقتصر على تعيين الخطباء وأئمة المساجد، وموضوع خطبة يوم الجمعة، وهذا الشيء بمثابة عرف سائد لذا يتكفل السكان بإعمار مساجدهم”.
وعن سير عمل إعادة بناء المساجد يقول عثمان “بعض المساجد شارفت الأعمال بها على الانتهاء، وهناك مهندسون متطوعون، يقومون بوضع المخططات اللازمة لبناء المساجد مرة أخرى، لكن بعض عمليات الإعمار لا تسير بالكفاءة المطلوبة”، وأضاف عثمان “بدأت تظهر علامات البناء والإكساء السيّئ على بعض المساجد من خلال تشققات كبيرة ظهرت على جدران بعض المساجد”. وعن السبب في ذلك تقصير أم فساد في عملية البناء تابع عثمان: “لا توجد أدلة عن وجود فساد، وإن وجدنا أية شبهة فساد لن نتوانى عن نشرها عبر المنصات الاجتماعية والإعلامية، لكن هناك قلّة خبرة لدى من يتولون الإشراف على عمليات البناء، وبالطبع ضعف المخصصات المالية لها دور مؤثر في جودة وصلابة البناء”.
غياب المآذن بعمارة المساجد الحالية :
على الرغم من بساطة المساجد في محافظة الرقة، والتي عادة ما تكون بسيطة يبنيها سكان الأحياء لحاجتهم لوجود مساجد يصلون فيها، ويقيمون فيها صلاة الجمعة، ويصلّون على موتاهم فيها، إلا أنّها كانت تبرز فيها نهوض المآذن فأنت تشاهد عن بعد مئذنة الجامع القديم والجامع الحميدي (الكبير) والمنصوري والروضة والفردوس، ومآذن مقام أويس القرني ( المقام الذي حاول الإيرانيون جعله مقام شيعي؛ كان لفترة ماقبل الثورة السورية، شاهد على تمدد النفوذ الإيراني، فقد حاولوا جعله مركز تشيع، في محاولة لنشر التشيع في المحافظة ) فجز مآذن المقام تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بعد بسط سيطرته على المحافظة بشكل كامل في فبراير\ شباط 2014.
أما اليوم فلا وجود للمآذن في الرقة، وآخرها هدم مئذنة مسجد الفردوس، في الأسبوع الماضي؛ بسبب تضررها من القصف، وعدم القدرة على عملية ترميمها وإصلاحها، وفقاً لأعضاء اللجنة الأهلية، القائمة على جمع التبرعات للمسجد .
يظهرغياب المآذن في عدد من الجوامع التي تم إعادة بنائها حديثاً، في محاولة البحث عن إجابة لهذا التساؤل وجدنا عدة إجابات، حيث نقل عن م.ن المشرف على أحد جوامع المدينة المعروفة بأنّ المتبرعين من السعودية اشترطوا عدم إقامة مآذن بدعوى أنها “بدعة، ولم تكن موجودة على عهد النبي ص، بل كان يكتفى بالصعود لمكان مرتفع ليصل الآذان، واليوم بوجود مكبرات الصوت انتفت الحاجة لها” – لم يتسن لنا التأكد من دقة المعلومة من مصادر ثانية-.
لكن لدى سؤالنا لبعض المتابعين لهذا الموضوع من مساهمين ومتابعين، أكد لنا أبو خالد “سبب عدم بناء المآذن يعود بالدرجة الأولى لعدم توافر الموارد المالية الكافية، ونقص في اليد العاملة الخبيرة، حيث كان يستجلب بنائين من خارج المحافظة للقيام ببناء المآذن، فلا يكفي وجود مهندسين بل الأمر يحتاج لخبرات لا تتوافر حالياً في محافظة الرقة”.
السؤال الاستشرافي الهام الذي يود هذا التحقيق طرحه، ماهو مستقبل مآذن الجوامع في الرقة ؟!.
هل ستمحى مآذن الرقة من جوامعها، وتبقى الجوامع والمآذن بانتظار تبرعات أبناء المحافظة على محدوديتها وبساطتها ؟!.
أم هناك إرادة من مليشيات قسد، ومن خلفها التحالف الدولي لترك الجوامع والمآذن مدمرة ومهدمة ؟!.
اترك تعليقاً