أتساءل في نفسي: مَنْ يسخرُ مِنْ مَنْ؟ ومَنْ يضحكُ على مَنْ؟ ومَنْ يخدمُ مَنْ؟ ومَن يستخدمُ مَن؟ إيران أم روسيا أم أمريكا أم تركيا أم الخليج؟ ما معنى المناطق المنخفضة التوتر والمناطق العالية التوتر؟ في الشكل التمثيلي لهذا المؤتمر، ما معنى أن تقرر الدولة/الدول الإقليمية المتدخلة في الشأن السوري، ومعها الدول العظمى الممسكة بجناحي السياسة الدولية، أن(المرحوم)المجلس الوطني هو من يمثل الثورة السورية والشعب السوري، ثم يلحس المجتمع الدولي حبرَ قراره بلسانه، ويصحح مستأنفاً: لا، بل(المغفور له) الائتلاف.. ائتلاف أنس العبدة ومعاذ الخطيب وسهير الأتاسي، هو الممثل الشرعي(الوحيد)لقوى الثورة والمعارضة.. ثم يلحس حبر قراره للمرة الثانية، ويعلن أن هيئة المفاوضات العليا، هيئة رياض حجاب ورياض نعسان آغا(والحمد لله الذي أيد السوريين بكِلا الرِياضَيْن)؛ هي المفوض وممثل الثورة والمعارضة وقائد مسيرة السوريين نحو الخلاص من عظام النظام المترمم المتعفن، وهي الجاهزة أو التي سوف تتجهز لدفنه والصلاة على جثته، ثم يلحس حبر قراره ثالثة، ويتجاهل الهيئة وما تهيأت له.. ثم يتم الإعلان عن وفد من أمراء حرب، وخلايا استخباراتية نائمة، بكونها هي المرشحة للفصل في قضايا في منتهى الحساسية والجوهرية، قضايا تمس سوريا ومستقبل السوريين النهائي، وعلى المجتمعين في(أستانة 4)أن يأخذوا قراراً حاسماً؛ بأن يقرروا هذا المستقبل في “حفلة زار أو تحضير أرواح مشبوهة”، تحت مسمى أستانة 4، ولا ندري متى يلحس هذا المجتمع الدولي قراره للمرة الرابعة..
يقال بأن المتنبي قد تورط مرة، في إحدى مدائحه لسيف الدولة الحمداني.. حيث قال:
إذا كان بعضُ الناس سيفاً لدولةٍ*ففي الناسِ”بوقاتٌ”لها وطبولُ
فغضب منه أهلُ البلاغة واللغة، وراجعه علماء النحو والرواية والدراية، هاتفين في وجهه في احتجاج مستنكر: يا أبا الطيب.. العرب لا تجمع كلمة”بوق”على “بوقات”، ولا تعرِفُ لها قاعدة ولا قياس، ولم يرِدْ في كلامهم أبداً مثل هذا الجمع المُنكر.. فأجابهم بعنجهية اللامبالي: أنا أقول ما أقول، وأنتم عليكم أن تُقَعِّدُوا القواعدَ، وتنحتوا من قولي ما يقاس عليه، وتجعلوا من كلامي ما يصبح فيما بعد قاعدة للكلام..
مثل هذه البغددة والفحش والاستعلاء قد يجوز لشاعر، أما أن يصبح قاعدة في السياسة الدولية، ومنطقاً وسابقة في العرف الدولي، يصل إلى حدود تعريف واقع مايجري عليه حال سوريا وأهلها بأنها”جغرافيا مرتفعة التوتر”و”جغرافيا منخفضة التوتر”، وأن تُقَسَّمَ البلادُ إلى أربع مناطق، خارج استهداف الطيران(طيران مَنْ؟ لم يحدد الاتفاق هوية الطيران الممنوع من التحليق فوق المناطق الأربع)، فهو سابقة في العلاقات الدولية، إن تؤشرْ على شيءٍ فإنما تؤشرُ على تفكك القيم الحاملة للتوازن العام الذي حكم العلاقات الدولية خلال قرن مضى.
أما في المضمون والجوهر العام، بعيداً عن شكلية تمثيل مؤتمر(أستانة 4)، فإننا اليوم نعيش واقع تصفية حسابات غير نظيفة، بين مجاميع أممٍ اتخذت السوريين دريئةً وكيسَ رملٍ للتدرب واللكم، وقد”لحِقْنا الكذابَ إلى ماوراء الباب” لمدة تزيد عن خمس سنوات بلا جدوى ولا طائل، وعِيْلَ صبرُنا وفاض بنا كأس الغضب من هذا العبث الذي يدعى دبلوماسية، وهذه الخلاعة البائسة المسماة تفاوضاً، وهذا الهُرَاء الذي دُعيَ مؤتمراً..
وليست المصيبة في كل ماتقدم ذكره، بل المصيبة في هذا التمثيل المسرحي الفاشل، والتخثر عند بلاهة وغباوة وسقوط هؤلاء الأذكياء جداً، والأقوياء جداً، والمتحكمون بكل المصائر والقرارات الدولية التي يُفترض أنها مدخل الانسانية إلى عالم أفضل، وإلى رقي وتقدم، هذه الدول التي يفترض أنها عظمى ورائدة وقائدة نحو المستقبل، إنما تسجل عارها في كيفية تعاملها في الملف السوري، منقوشاً على حجارة التاريخ الذي لاينسى ولا يأسى على سمعة أحد من الساقطين والمبتذلين..
معبد الحسون 8/ 9/ 2017

مؤتمر أستانة 4: حيثُ”الكلاش الديري” أصدقُ أنباءً من الكتب..!!
by
Tags:
اترك تعليقاً