خالد الخطيب
ومن المقرر أن تبدأ الخميس حركة العودة للأهالي إلى منازلهم ومنشآتهم الخاصة في تلك المناطق، بموجب التفاهم الذي توصل إليه الطرفان برعاية روسية، ومن فرع “حزب البعث” في حلب.
“وحدات الحماية” كانت قد سيطرت على تلك الأحياء في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2016، بعدما شنّت هجوماً برياً على مواقع المعارضة فيها، بالتزامن مع الحملة العسكرية لمليشيات على أحياء حلب الشرقية. وحظيت حينها “الوحدات” بتغطية نارية مدفعية وصاروخية قدمتها مليشيات النظام والطائرات الروسية التي سهلت دخولها إلى القسم الشمالي من حلب الشرقية. وكانت “الوحدات” مشتركة في غرفة العمليات التي أدارتها روسيا للسيطرة على القسم الشرقي من المدينة.
وبقيت الأحياء الثمانية التي تمددت إليها “الوحدات” انطلاقاً من مواقعها السابقة في الشيخ مقصود والأشرفية وبني زيد، تحت سيطرتها خلال العام 2017. وأشرفت “الوحدات” على إدارة تلك الأحياء من خلال 8 مجالس “إدارة ذاتية” تم تشكيلها نهاية العام 2016، و”مجالس الأحياء” والتي تألف كل واحد منها من 14 عضواً، وكذلك عبر مخاتير وشخصيات مقربة من النظام و”الوحدات”.
ومنعت “الوحدات” أعداداً كبيرة من السكان الأصليين من العودة إلى منازلهم ومنشآتهم، مبررة ذلك بـ”الدواعي الأمنية”. وكانت تعطي أصحاب البيوت والأملاك إجازات مرور، بما لا يتجاوز 24 ساعة، لتفقد أرزاقهم، بين الحين والآخر.
وعجزت مجالس “الإدارة الذاتية” في الأحياء الخاضعة لسيطرة “وحدات الحماية” عن تقديم أي نوع من الخدمات. ولم تولِ “الوحدات” اهتماماً بالكهرباء والمياه والصرف الصحي. وتجاهل النظام والمؤسسات الخدمية التابعة له حاجات الأحياء الخاضعة لسيطرة “الوحدات”، بل وامتنعوا عن تقديم أي خدمة تذكر. وبدت سياسة النظام مقصودة بهدف دفع الأهالي للمطالبة بدخوله وتسلمه إدارة الأحياء المقاتلين الأكراد.
دخول مؤسسات النظام الأحياء التي تسيطر عليها “وحدات الحماية” جاء قبل أيام قليلة من الاحتفالية التي سيقيمها فرع “حزب البعث” في ساحة سعدالله الجابري، بمناسبة مرور عام على السيطرة الكاملة للنظام على أحياء حلب الشرقية، والتهجير القسري لآخر دفعة من المعارضة المسلحة منها في 22 كانون الأول/ديسمبر 2016. ويحاول النظام توظيف دخوله مناطق سيطرة “الوحدات”، في هذا التوقيت، إعلامياً.
“الوحدات” وافقت على تسليم إدارة الأحياء للنظام، برعاية روسية، وفق شروط تُمكّنها من الاحتفاظ بخصوصية مواقعها ومعسكراتها داخل الأحياء التي تقطنها غالبية كردية كالشيخ مقصود والأشرفية. التفاوض جرى على مدى الأسبوعين الماضيين. وحضر الاجتماعات الدورية ممثلي “الوحدات” و”مجالس إدارة الأحياء الذاتية”، وممثلي محافظة حلب وفرع “حزب البعث”، وبحضور ضباط روس. وتلا اللقاءات زيارة لمحافظ حلب حسين دياب، الخميس، إلى حي الهلك الفوقاني.
والتقى دياب، كذلك، بممثلين عن إدارة الأحياء و”وحدات الحماية” الكردية في مدرسة عبدالكريم الصالح، ووعد بتقديم الخدمات البلدية والمياه والكهرباء إلى تلك المناطق. وبدأت فعلياً ورشات الصيانة التابعة لمجلس محافظة حلب، بالدخول، منذ الجمعة، وعملت على إصلاح خطوط شبكات مياه الشرب الرئيسية في حي الهلك والأحياء المجاورة. وقامت لجان تابعة للمحافظة بإجراء جولات تفقدية على الأفران وعدد من المرافق الخدمية في الأحياء الخاضعة لسيطرة “الوحدات” في المدينة.
لم تتحدث “الوحدات” ولا النظام عن الاجتماعات التي جرت بينهما خلال الأيام القليلة الماضية في حلب، كذلك بقيت زيارة محافظ حلب لمواقع “الوحدات” في الهلك سرية، ولم يعلن عنها بشكل رسمي. وتحاول “الوحدات” انهاء عملية التسليم بعيداً عن الإعلام، في الوقت الذي تبدو فيه علاقتها مع النظام متوترة على خلفية اتهام بشار الأسد، الأكراد بالخيانة.
الناشط الإعلامي شيرو علو، أكد لـ”المدن”، أن “وحدات حماية الشعب” تتصرف وفق مصالحها، وتعتبر كل إدارة ذاتية أن لها الحق في تنفيذ الإجراءات الملائمة بحسب الظروف المكانية المحيطة بها، ولا علاقة للتصعيد الإعلامي مع النظام بتطبيق الاتفاق الذي جرى في الأحياء التي تسيطر عليها “الوحدات”. زيارة محافظ حلب، كانت بحسب علو “الخطوة الأولى في طريق تطبيق التفاهم غير المعلن حتى الآن بسبب الحرج الذي من الممكن أن يسببه للوحدات مثل هكذا قرار”.
ولم يستبعد علو أن يمتد تطبيق الاتفاق بين الطرفين إلى عفرين، أي رفع أعلام النظام فيها، وتسلم النظام إدارة المدينة من “الوحدات” في ظل الضغط الذي تتعرض له “الوحدات” في الشمال لتفادي العملية العسكرية المتوقعة التي قد تشنها تركيا في أي وقت. ووفق علو، هناك سيناريوهات أخرى في عفرين، غير تلك الخطوة التي قامت بها “الوحدات” في أحياء حلب، ومن بينها توسيع انتشار القوات الروسية في عفرين والمناطق التي تسيطر عليها “الوحدات” في ريف حلب، وذلك كفيل بمنع أي تدخل تركي في المنطقة.
وكانت القوات الروسية قد أرسلت، الإثنين، مزيداً من الجنود والمدرعات إلى قرية الشيخ هلال بالقرب من مدينة تل رفعت التي تسيطر عليها “الوحدات” في ريف حلب الشمالي. وقالت مصادر محلية في تل رفعت، لـ”المدن”، إن القوات الروسية تسعى لإقامة نقطة عسكرية في المنطقة وتأتي في إطار التوسع والانتشار في المناطق التي تسيطر عليها “الوحدات” في ريف حلب.
وتكذب “الوحدات” إن بررت تسليمها الأحياء الخاضعة لسيطرتها في حلب الشرقية للنظام، بالحاجة للخدمات، وفي مقدمتها المحروقات مع بداية فصل الشتاء، وذلك كي تبدو في موقع المهتم بمصالح الأهالي. فالعملية تبدو أشبه بالمقايضة؛ حصلت من خلالها “الوحدات” على ضمانة روسية لحماية مواقعها في عفرين، من أي عملية عسكرية تركية. مقايضة تلبي رغبة النظام في الظهور بالمسيطر الفعلي على كامل الأحياء الشرقية في حلب، والاحتفال بمضي عام كامل على سيطرته عليها، وإخراج المعارضة منها.
إلا أن الأحياء التي سلمتها “الوحدات” للنظام ليست وحدها من عانت الافتقار لأدنى مقومات الحياة. أحياء حلب الشرقية الـ60، تعيش منذ سيطرة النظام عليها في وضع خدمي مزري، وتهيمن عليها المليشيات المسلحة التي تتحكم في تفاصيل الحياة اليومية للأهالي. وعود النظام بتخديم الأحياء التي تنازلت عنها “الوحدات” ليست أكثر من مزحة سمجة أخرى، لن تجد من يصدقها.
اترك تعليقاً