Views: 275 موسم التقارير عن الأكراد العلويين والعشائر في سوريا الجديدة – الرقة بوست-Raqqa Post

موسم التقارير عن الأكراد العلويين والعشائر في سوريا الجديدة

علي العائد

تناول تقريران مثيران للجدل صدرا في شهر مارس (آذار) الماضي، تعقيدات المشهد السوري من الداخل، في منطقة تبدو بعيدة عن السياسة والسلاح، لكن أثرها في السياسة والسلاح المستقبليين سيكون حاسماً، كما ألمح التقريران.

التقرير انتقى أن يتحدث عن أربعة عشائر فقط من بين عشرات العشائر، هي: البياطرة، والعجيل، والبريج، والنعيم

التقرير الأول صادر عن “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، ويتناول دور العشائر العربية في الرقة من جهة كونها “حاضنة لداعش”، افتراضياً، إضافة إلى دورها المحتمل في مجابهة داعش وإدارة المدينة بعد طرد داعش منها والسيطرة عليها.

التقرير الثاني صحفي وصادر عن وكالة الأنباء الإيطالية “آكي”، ويقرر فيه كاتبه أن 30% من القادة العسكريين في “حزب الاتحاد الديموقراطي” الكردي من علويي تركيا.

ويصف التقرير الثاني هذه النسبة بـ “الغالبية العظمى” دون أن يوضح معنى “العظمى” المقترنة بنسبة 30%. لعل الكاتب أراد القول إن الأكراد العلويين الأتراك يشكلون 30% من الأكراد الأتراك، ورغم ذلك هم القادة الميدانيون والسياسيون لأكراد “شمال كردستان”.

ولأن التقريرين يخلطان بين الظواهر، والسياسات المنهجية، ويقدمان نسباً وأرقاماً غير موثوقة، سنتداول هنا بعض الملاحظات التي تنسف التقريرين من جذورهما.

نسب اعتباطية
النسب الاعتباطية تحتاج إلى كشف مصدر الأرقام المقدرة للأكراد. فعدد أكراد تركيا يتراوح بين 11 مليوناً، و35 مليوناً، بين تحفظ المصادر التركية المعادية للأكراد، ومغالاة الأكراد في تقدير عدد أبناء جلدتهم “المسلوبي الحقوق”. ولا ينفع هنا اللجوء إلى وسط حسابي بين أعلى التقديرات وأدناها، والصحيح هو إجراء إحصاء دقيق فور توافر الظروف الآمنة لمثل هذه العملية المعقدة في الأراضي المتفرقة التي يعيش فيها الأكراد في إيران والعراق وتركيا وسوريا، ودول الشتات.

وعليه، فالنسب التي يقدمها التقرير غير موثوقة، خاصة أن التنظيمات الكردية سرية، وخاصة على المستوى العسكري.

والقادة العسكريون الميدانيون الذين يشير إليهم التقرير هم “وحدات حماية الشعب” (ميليشيات عسكرية مدربة وتقوم مقام الجيش)، و”وحدات حماية المرأة” (جيش رديف)، و”قوات الأسايش” (شرطة وأمن داخلي). وهذه تشكل النواة الصلبة الغالبة على عديد “قوات سوريا الديمقراطية”.

وتضم “قسد” 27 ميليشيا: كردية، وعربية، وسريانية، وأرمنية، وتركمانية، لكن القيادة والعديد الطاغي هو من نصيب “وحدات حماية الشعب”. ويتراوح عددها ما بين 30 ألفاً، و45 ألف مقاتل، بينهم 10 آلاف مقاتل من مسلحي القبائل العربية، على أكبر تقدير.

الأكراد العلويون

يقول تقرير “آكي” إن “تغييرات طرأت على تركيبة وطبيعة هذه الميليشيات الكردية المسلحة، مشيرة بالخصوص إلى أن القيادات الميدانية العسكرية التي كانت تضم أكراد عراقيين وإيرانيين، صارت في غالبيتها العظمى من الأكراد العلويين الأتراك، من المنطقة التي يدعوها الأكراد بـ(كردستان تركيا)، والتي تضم ما يقرب من مليوني كردي علوي”.

ويضيف التقرير أن أرقاماً غير رسمية تشير إلى نحو 30% من أكراد تركيا هم من الأكراد العلويين، وهم على صلة تاريخية ومتواصلة مع النظام في دمشق، حتى بعد تسهيل الأخير اعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني التركي عبدالله أوجلان. وغاية ذلك القول إن اللقاء بين نظام حافظ الأسد، وعبدالله أوجلان، وحزبه، أتى على خلفية تحدر عدد وازن من الحزب من خلفية علوية.

هنا يبدأ الخلط، وعدم التدقيق، فنسبة الـ30%، وفق أقل التقديرات عن عدد أكراد تركيا تعني أن عدد أكراد تركيا العلويين يصل عددهم إلى 3.6 ملايين، ويصل العدد وفق التقديرات المغالية إلى 7.5 ملايين! بينما يتحدث بعض الكرد على شبكات التواصل الاجتماعي عن وجود ستة ملايين كردي علوي تركي، أكثرهم ينحدرون من ولاية (تونجلي) في جنوب شرق تركيا.

والجدير بالذكر أن القائد الكردي “جميل بايق” هو القائد العسكري الحالي لـ”حزب العمال الكردستاني”، وهو تركي – كردي – علوي، وأحد المؤسسين الخمسة لـ”حزب العمال الكردستاني”، وأحد أعضاء اللجنة القيادية في منظومة مجتمع الكردستاني (KCK).

تجنيد القاصرين

وينسحب خلط هذه التقديرات على تفاصيل الحديث عن تجنيد “حزب الاتحاد الديمقراطي”، الذي يتزعمه صالح مسلم، للقاصرين في المناطق التي يسيطر عليها، من عرب وكرد وطوائف وقوميات سورية أخرى. وعلى الرغم من صحة ظاهرة التجنيد الإجباري للقاصرين في الميليشيات الكردية، لكن الشك في حجمها يأتي من عدم وجود مصادر متقاطعة تتحدث عن حجم هذه الظاهرة، وبالتالي يبقى الأصل في انتماء المقاتلين الأكراد أنهم مسيسون متطوعون، أو مجندون طوعاً، أو مرتزقة، سواء كانوا قاصرين، أو بالغين، رجالاً أو نساء.

مع ذلك، “يحرص” القائمون على ميليشيات صالح مسلم على ترك هذه التقديرات المشكوك فيها تنتشر، من باب التعظيم من قدرة الحزب وميليشياته على التحكم بالحاضر والمستقبل، ومن باب تخويف المدنيين الكرد قبل العرب، خاصة أن الدعم الأمريكي للحزب يغنيه عن الرد الحاسم على المتخوفين منه. كما يغنيه عن نفي الارتباط بـ”جبال قنديل” التي يدير منها القادة هناك سياسة ومعارك الكرد في تركيا، وفي سوريا الآن.

“عشائر واشنطن”
وحسب معهد واشنطن، يُتوقع أن يكون للعشائر العربية دور محوري في تحرير مدينة الرقة من تنظيم داعش. لكن التقرير انتقى أن يتحدث عن أربع عشائر فقط من بين عشرات العشائر، هي: البياطرة، والعجيل، والبريج، والنعيم.

وبغض النظر عن صحة المعلومات، التي لا يملك أحد أن يصدقها أو يكذبها، فإن مجموع نفوس العشائر الأربعة يبلغ، وفق التقرير، 115 ألفاً (البياطرة 10 آلاف، العجيل 50 ألفاً، البريج 40 ألفاً، النعيم 15 ألفاً). بالطبع التقدير اعتباطي على الرغم من محاولة الكاتب التقدير إن الأرقام تعود إلى عام 2011، وما قبل، وكأن الإحصاءات كانت تأخذ في ذلك الوقت “الانتماء العشائري”.

وحتى لو افترضنا أن الأرقام مقاربة للحقيقة، لن يتجاوز عدد القادرين على حمل السلاح، أو ممارسة عمل إداري، 10% من هذا الرقم الإجمالي، باستثناء النساء، والأطفال، وكبار السن، ودون أن نتحدث أن نسبة كبيرة من العدد الكلي نزحوا، أو لجؤوا، أو أصبحوا مقيمين في أوروبا والدول الصناعية.

أما إطلاق أوصاف مثل “عشيرة البياطرة تحتضن الجيش السوري الحر، وتعارض بشدة النظام السوري”؛ و”عشيرة العجيل ينحدر منها أمير داعش في الرقة، أبو لقمان، وتتميز بعدائها الشديد للأكراد”؛ و”عشيرة البريج حاضنة لداعش؛ و”عشيرة النعيم تتأرجح ولاءاتها بين داعش والنظام السوري والأكراد”، فتلك تعميمات لا تحتاج إلى خبير لدحض منطقها، على الرغم من الصحة الجزئية لكل معلومة من المعلومات الأربع عن العشائر الأربعة، كونها تعميمات تنطبق على عشرات العشائر التي انتسب بعض أبنائها إلى داعش، طمعاً في سلطة، أو تسلط، أو مال وجاه، فداعش سلطة أمر واقع طال زمانه، وينطبق عليه ما كان ينطبق على النظامين الأسديين، وعلى حزب البعث، من استزلام للسلطة، بطرق تتراوح بين “القانونية”، والمافيوية.

وابتداءً، يبدو أن المعهد والوكالة المذكورين، وما شابههما، أفلسا من الابتكارات، ولم يعد لديهما من المبررات السياسية والعسكرية والمخابراتية والمؤامراتية ما تلجأ إليها لتفسير أسباب الصراع على سوريا ومآلاته، فتجنبت هذه المرة تفسير ما يحدث من ثنائية “سني – شيعي”، لتفتح باباً جديداً لـ”الأنثروبولوجيين الجدد”، كمصطلح مرشح للصعود في سماء التيه السوري.

المصدر 24

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »