Views: 194 مياه الشرب بالبطاقة الذكية في “سوريا الأسد” – الرقة بوست-Raqqa Post

مياه الشرب بالبطاقة الذكية في “سوريا الأسد”

عندما أُطلقت تجربة البطاقة الذكية في سوريا مطلع العام 2019، كبديل عن نظام البونات الورقية الذي كان معمولاً به في الثمانينيات من أجل توزيع المواد الغذائية “المدعومة” حينها من حكومة النظام السوري، لم يكن أكثر السوريين تشاؤماً ليتوقع أن البطاقة المخصصة حينها لمواد قليلة كالبنزين والخبز ستتطور مع الزمن لتشمل حتى مياه الشرب.

وفي بلد تتفتت فيه الدولة أكثر من أي وقت مضى وتتخلى عن وظائفها الطبيعية لصالح الخصخصة والإهمال، على الطريقة اللبنانية تماماً، يبدو أن الحكومة السورية لن تتجه فقط إلى خصخصة الكهرباء أو التعليم والطبابة، وكلها مقترحات تناقش من حين إلى آخر في الإعلام السوري والاجتماعات الحكمية، بل سيشمل ذلك حتى مياه الشرب.

وأعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عن إمكانية حصول المواطنين على مخصصاتهم من مادة المياه المعدنية مباشرة من دون رسائل اعتباراً من يوم الجمعة، ضمن صالات “المؤسسة السورية للتجارة” عبر “البطاقة الذكية”. ونقلت وكالة الأنباء الرسمية “سانا” عن مدير “السورية للتجارة” زياد هزاع أن الهدف من هذه الخطوة تأمين المادة للراغبين بشرائها مباشرة لكونها مادة أساسية لا يمكن انتظار الحصول عليها.

وفيما يبدو أن الدولة توفر المياه لمواطنيها، إلا أن ذلك مختلف عن أن تكون المياه متوفرة في المنازل أولاً، وكانت الخطوات المماثلة في السابق لمواد أخرى تمهيداً لقطعها أو تقنينها وتحويلها للسوق السوداء. وفيما يبدو ذلك بعيداً عن التصديق إلا أن التجربة اللبنانية القريبة تظهر أن المياه ولو كانت مادة لا يمكن الحياة من دونها، يمكن أن تكون ثمينة في التداول. فمياه الشرب في بيروت غير متوفرة في معظم الأحياء بل يضطر الأفراد لشراء عبوات المياه من المتاجر، كما أن تعبئة خزانات المياه رائجة حتى من أجل أغراض أخرى كالاستحمام.

وبحسب هزاع، هنالك “كميات كبيرة جداً من الجعب لدى المؤسسة تغطي الطلب المباشر في صالاتها”، فيما يحق لكل بطاقة ذكية شهرياً ثماني جعب عبوات كبيرة وأربع جعب عبوات صغيرة، وتُباع جعبة العبوات الكبيرة بسعر 3150 ليرة سورية وجعبة العبوات الصغيرة بسعر 4200 ليرة.

وشهدت معظم المحافظات الواقعة تحت سيطرة النظام السوري أزمة في مياه الشرب الصيف الماضي، ومضاعفة أسعاره المياه إن وجدت. وأعلنت المؤسسة بدء بيع المياه المعدنية للمواطنين في صالاتها عبر “البطاقة الذكية”، من دون تسجيل طلب، اعتباراً من 25 أيلول/سبتمبر 2021.

وكان مدير “المؤسسة السورية للتجارة” السابق أحمد نجم، أعلن في آب/أغسطس 2021 إجراء اتفاق مع “المؤسسة العامة للصناعات الغذائية”، يتضمن شراء كامل إنتاج معامل المياه المعدنية في مناطق سيطرة النظام لمصلحة المؤسسة، “لمنع الموزعين من احتكار المياه وضبط أسعارها”. لكن “المؤسسة العامة للصناعات الغذائية” تراجعت عن اتفاقها مع “السورية للتجارة” في الشهر نفسه، مبررة ذلك بأنها اتخذت قراراً مؤقتاً أساساً هدفه إجراء “فركة أذن” للوكلاء بهدف عدم لجوئهم للبيع بأسعار زائدة، حسب تعبيرها.

كما أوضحت أنها سمحت للوكلاء ببيع المياه المعدنية مجدداً نتيجة عجز المؤسسة عن إيصال المياه إلى جميع المستهلكين، وهو ما نفاه نجم الذي قال حينها أن المؤسسة استطاعت تأمين المياه في جميع صالاتها بالأرياف والمدن، وحتى في الأماكن التي لا توجد فيها صالات خاصة عبر سيارات جوالة أصبحت تبيع في الأحياء والقرى.

المثير للسخرية أن النظام يروج للبطاقة الذكية على أنها حل سحري لحل مشاكل السوريين الاقتصادية والخدمية، وبأنها طريقة فعالة لمحاربة الفساد، رغم أنها في الواقع طريقة يحتكر بها النظام بيع المواد الغذائية الأساسية عبر نظام “المؤسسات الاستهلاكية” مثلما كان الحال في الثمانينيات والتسعينيات تماماً. ومعها يصطف الناس للحصول على حصتهم من تلك المواد، بحيث يضع النظام نفسه في مرتبة صاحب الفضل أمام السوريين، قبل المطالبة بشكره وحمده والصبر معه على تجاوز المؤامرة الكونية.

على أن التجربة تكذب نفسها بنفسها وتظهر بوضوح كيف يتحكم النظام والمسؤولون وطبقة رجال الأعمال المرتبطة به بالأسعار وكيف تتم إدارة الاحتكار بطريقة ممنهجة. فعلى سبيل المثال أثارت قضية السكر تحديداً جدلاً واسعاً في الداخل السوري في شباط/فبراير 2021، إثر فضيحة سرقة مديرة إحدى صالات المؤسسة السورية للتجارة في مدينة حمص، لكمية 6 أطنان من السكر وتخزينها في منزلها، ضمن قضية فساد أثارت استياء واسعاً.

يذكر أن مشروع “البطاقة الذكية” يدار من قبل شركة “تكامل” التي تعود ملكيتُها لمهند الدباغ، ابن خالة أسماء الأسد، بحصة 30%، بينما يملك الحصةَ الكبرى فيها شقيق أسماء، فراس الأخرس.

 

المدن


Posted

in

by

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »