الرقة بوست ـ هيئة التحرير
ما عادت الرقة تلك المدينة المنسية على كتف الفرات، ولا تلك الموسومة –زوراً- بعاصمة الخلافة، فاجتمع الإنس والجن على تدميرها، بل أضحت اليوم مرتكزاً لمستقبل تسعى القوى المتصارعة للفوز به.
وفي الوقت الذي تتهافت فيه القوى الإقليمية والدولية لحجز موطئ قدم فيها، لا تجد من أغلب أهلها إلا مزيداً من التنازع والتشتت والضياع! لقد كنا في متاهة الصراع على المجالس المحلية، وما زلنا، لأن الأفق ضبابي، والطبخة لمّا تجهز بعد، وفي الوقت نفسه كان الصراع محتدماً لتشكيل مجلس عسكري، وهو الآخر – يبدو- لمّا يجهز بعد، لا لخلل في تركيبته وحسب، بل بغموض دوره والمهمات التي ستوكل إليه. ليس في الأمر عيب غير أن الرقة لم تُعطَ الفرصة للتعبير عن نفسها كما يجب، فما من أمر يقرّ بشأنها دولياً أو إقليمياً بعلم أهلها أو إرادتهم، ولا من أفق يُرسم للرقة إلا بغياب أهلها، وهم أصحاب الشأن!
عندما أبدى ترامب رغبته الانسحاب من “شرق الفرات” وترك سورية لمن يريدها، كان مشروع الإتيان بقوات خليجية-مصرية لملء الفراغ الأمريكي، لا حباً بالرقة وشرق الفرات، بل تنفيذاً لتوافقات دولية، وحفظاً لتوازنات إقليمية، انتظاراً للخطوة التالية في مسيرة التيه السوري الطويلة.
لكن هذه الاستعراضات في المواقف السياسية دفعت روسيا للتباكي على الرقة وما جرى فيها، وشجّع النظام أيضاً للمطالبة بخروج المحتلين ومحاسبة أو التفاهم مع القوة المسيطرة “قسد”، وكذلك لا يمكن تناسي الطموح الإيراني لوضع اليد عليها، ولا التغاضي عن العمل التركي الحثيث على الفوز بها دون سواه. كل ذلك يجري وما زال أهل الرقة بعيدين ومبعدين، فلا مشروع يجمعهم، ولا قيادة منهم تقنعهم، ولا قدرة لهم لفرض إرادتهم فيما يخص مستقبل بلدهم. وكأنما الأنغام النشاز التي تُعزف حول الرقة غير كافية كي تدفعهم للصحوة والعمل ورسم خارطة طريق لاستعادة بلدهم، ليزيد في الطنبور وتر دخول القوات الفرنسية شرق الفرات، وليس بعيداً أن يكون لها مواقعها في الرقة قريباً! تُرى، ماذا تعدّ المجالس بأسمائها المتنوّعة للرقة وأهلها في هذا الزحام؟
اترك تعليقاً