في بيان “القيادة العامة لقوات سوريا الديموقراطية”، لإعلان انطلاق “المعركة الكبرى لتحرير الرقة.. وتنفيذ الخطة العسكرية التي تم إقرارها مع شركاءنا في قوات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب”، ذُكرَت اسماء 17 فصيلاً عسكرياً مشاركاً في “المعركة التاريخية”، ليس من بينها أي فصيل محلي له علاقة بالثورة السورية. لا بل إن البيان سمّى “لواء صقور الرقة” وهو فصيل محلي موالٍ للنظام، وتشكيلات صغيرة الحجم وقليلة التأثير من محافظات ديرالزور وحمص والحسكة تعمل تحت مظلة “قسد”. ولا يرفع علم الثورة من هذه الفصائل إلّا “قوات النخبة” التابعة للرئيس الأسبق لـ”الائتلاف الوطني” أحمد الجربا، و”مجلس ديرالزور العسكري” المُشكل بمعظمه من أبناء عشيرة الشعيطات.
التوليفة السياسية للمجموعات المساهمة في عملية “تحرير الرقة”، بحسب خطاب “قسد”، تأتي مؤكدة لمخاوف أبناء الرقة من أنهم ومدينتهم يدفعون ضريبة لعبة تجري على أرضهم، مرتين: الأولى عندما تُركت لتتحول إلى مرتع ومعقل لتنظيم “الدولة” ضمن مبارزة الاستقطابات والتحالفات الإقليمية والدولية، والثانية عندما تُقدَّم اليوم سُلماً لصعود الأكراد السياسي.
عضو سابق في المكتب السياسي لـ”لواء ثوار الرقة”، الفصيل المحلي الثوري المُستبعد من المشاركة في “تحرير الرقة”، يرى في الاستبعاد رسالة واضحة وقاطعة ليس لـ”اللواء” فحسب، بل لعموم المعارضة السورية، ومفادها أن لا أجندة خارج الأجندة الأميركية في “محاربة الإرهاب”. و”لواء ثوار الرقة” هو أول جماعة سورية مقاتلة حاربت تنظيم “الدولة الإسلامية” لحظة انطلاقته الأولى في مطلع العام 2014، والفصيل العربي الوحيد الذي حارب منذ البداية في معركة عين العرب إلى جانب التشكيلات الكردية.
عضو المكتب السياسي السابق، قال لـ”المدن”، إن ترتيبات منطقة الجزيرة السورية، سياسياً وعسكرياً وأمنياً، باتت شأناً أميركياً-كردياً؛ بل حتى “الأتراك أخذوا من الأميركيين ضمانات جعلتهم يهدأون ويغضون النظر عن معركة الرقة؛ ضمانات لا نعرف فحواها وهذا ما يزيد من قلقنا”.
و”معركة تحرير الرقة” بحسب القيادي في “لواء ثوار الرقة”، هي لعبة إعلامية أكثر منها عملاً عسكرياً، لأن مَنْ “بقوا من مقاتلي داعش في الرقة لا يتجاوز عددهم 500 مقاتل، ومعظمهم من أبناء الرقة ولا يريدون القتال، بل حلاً على طريقة (المنصورة والكرامة)”. وذلك في إشارة إلى رغبة عناصر التنظيم المحليين في تسليم سلاحهم وإجراء “مصالحات” عبر وجهاء وشيوخ عشائر، كما فعل أبناء بلدتي المنصورة والكرامة في وقت سابق. ويتابع: “لكن الخوف على المدينة والمدنيين فيها يأتي من جهة داعش من ثلاثة مصادر: من قطاعات الجبهة التي يقودها مهاجرون، ومن السيارات المفخخة الموزعة في الأحياء، ومن بعض المحلات التجارية المغلقة في أسواق المدينة التي كان التنظيم قد حولها مؤخراً إلى مخازن للأسلحة”.
ويتفق ناشطون وإعلاميون من الرقة مع التحليل السابق، ما عدا مسألة تقدير عدد مقاتلي التنظيم داخل المدينة الذي يرجحون أن يكون أكبر قليلاً، إلا أنهم يرون أن استبعاد “لواء ثوار الرقة” هو خطوة طبيعية لأن الأكراد يطمحون إلى شراكة استراتيجية مع النظام، ويأملون في إعادة تشغيل الدوائر الحكومية بتنسيق وتمويل من النظام والإيرانيين، كما يراهنون على ضعف النظام عسكرياً وأمنياً وبالتالي استمرار دورهم “شرطياً” للأميركيين والنظام والإيرانيين.
إلَا أن حجم الدمار في البنى التحتية لا بد أن يتطلب دخول أطراف أكثر ثقلاً وفاعلية عندما يأتي دور إعادة البناء والإعمار بالتزامن مع صياغة نظام سياسي جديد للبلاد. وهنا، سيتجسد الخلاف بين ما نلمسه اليوم من تباين في وجهات النظر بين الأميركيين والأوروبيين. إذ يصر الأوروبيون على إشراك المعارضة في أي عملية سياسية مستقبلية، كشرط لمساهمتهم في إعادة الإعمار، وليس واضحاً إذا ما كان موقف الأميركيين تجاه المعارضة سيلين بعد التخلص من “داعش”.
بين أن تكون الجزيرة السورية، ومن ضمنها الرقة، نوعاً من محمية ومنطقة نفوذ أميركية يديرها الأكراد، أو أن تعود إليها سلطة نظام الأسد بالتعاون مع الأكراد وبتغاض من الأميركيين لئلا يكرروا أخطاءهم في العراق، لا يبدو أن ثمة يقيناً حول مستقبل هذه المنطقة. على الأقل لا يملك أبناء المنطقة أي تصور عن مستقبل مدنهم وعائلاتهم وأملاكهم وبيوتهم ولا إن كانوا سيعودون إليها أم لا. كما لا يبدو أن “الدولة الإسلامية” ستنتهي قريباً، لا تنظيمياً ولا عقائدياً، ولا كإحتمال قائم لمشروع أو دور ما. كل ما يحيط بهذه المنطقة السورية وأهلها، يبدو مؤقتاً وأولياً وغامضاً، وكأنه صلصال بيد نحات لا يعرف ما الذي يُريد تجسيده.
المدن
اترك تعليقاً