Views: 280 الدحرجة السياسة – الرقة بوست-Raqqa Post

الدحرجة السياسة

محمد صبحي

قد يبدو هذا العنوان غريباً، لكنه ليس ببعيد عن توصيفات الواقع التمثيلي السياسي السوري لجهة الممارسة الفعلية والواقعية، في بلدنا سوريا وما يجري فيها من تدابير لشؤوننا العامة، تؤكده تلك السياقات المتعددة التي تفرزها وتتمسك بها مجمل الفعاليات السياسية التي ننتجها واقعاً عملياً يؤطر مشاريع التغيير الديمقراطي ويجرها الى الفشل والجمود. لن أناقش آليات الوصول في إدارة النظام لسوريا، لأنها باتت معروفة وهي التي تفتقر إلى أدنى معايير الممارسة الديمقراطية، وهي من أوصل البلاد إلى هذا المأزق المدمر. ولكن الغرابة في الأمر ان تجري المعارضة وفق هذا المجرى.

ما هو معهود أن تبدأ حركات التغيير السياسي بأبسط زعم لها على ادعاء الديمقراطية، وسرعان ما تطلق هذا المفهوم في التداول السياسي والتنظيرات التي تدبّجها في مقدماتها حين تتقدم لقيادة الشأن العام، لكننا نحولها إلى نصوص جامدة مؤجلة التطبيقات في الممارسة الفعلية، ونستبدلها بممارسة مفاهيم الضرورة والأمر الواقع، فهنالك مما تفرضه علينا عقدنا وأمراضنا السياسية المزمنة، في مسألة حب السلطة والاستئثار بالمنصب والتربية السياسية التي كرسها هذا النوع من التحايل المستمر، ليغيب التداول السياسي ويحل محله التمسك بالمواقع والاستئثار بها، وبفوائدها، والمقاتلة لأجلها من خلال تعبئة الأنصار والمحازبين، وخلق الاصطفاف الذي يفضي إلى نزاعات بينية تصل إلى استخدام العنف، فتؤكد وتتمسك بالحق المطلق في سلطتها السياسية عند هذا الفريق او ذاك أو هذه الجماعة أو تلك ويتم القفز على الآليات السلمية ودحض الحقوق في استخدامها بطريقة العنف المشرع والمستند على الايديولوجيا أو الإثنية أو المذهبية أو الطائفية.

يبدو أننا نتجاهل عفوياً أو قسرياً في الواقع كل ما يدعم هذا السلوك التبريري في الممارسة السياسية، فيجري تشتيت الاهتمام لدينا بإيجاد مجموعة من اللاعبين يتسابقون في المشهد العاصف ثم ما يلبثون أن يتدحرجوا وراء كرات الفساد والمحسوبية والاستئثار بالسلطة، بينما يقف الجمهور ليصفق لهم في مجريات اللعبة وبأكف خالية الوفاض من أي مكتسبات سياسية، فنتوج ابطال اللعبة المحليين والاقليميين والدوليين في لعبة التدحرج السياسي.

إن ما ينطبق على سلطة الاستبداد في دمشق ينطبق كذلك على سلطات وحكومات الأمر الواقع (بأنواعها) لجهة عدم ممارستهم العمل الديمقراطي وتطوير آلياته في التداول السلمي للسلطة. فقد أمضى نشطاء الثورة السورية ومنظروها كحالات منفردة ما يقارب عقد من الزمن وهم يطلقون صيحاتهم المختلفة واحتجاجاتهم في نقد الممارسة الثورية وما لبثوا يعرون في كل مناسبة انحرافاتها الكبيرة التي أودت بكفاحهم ونضالاتهم من أجل انجاز التغيير في سوريا. لكنها على ما يبدو وكما يقال في المثل “مجرد صرخة في واد” وان قدر بقائهم متناثرو المسعى والاتجاه دون مؤسسة جامعة لهم سيبقى في إطار الحلم، وأن من يستأثر في المشهد السوري هم لاعبون تمرسوا في لعبة الدحرجة السياسية القائمة على التشبث بالمناصب والاستئثار بمقدرات البلاد. في هذا الموضع لابد من الاستشهاد بشواهد حية من الواقع حتى لا يبدو الكلام مجرد نقد أو تنظيرات منفصلة عن الواقع السياسي المعاش في سوريا منذ ٢٠١١ التاريخ الرسمي للثورة السورية وموعد انتفاضة التغيير التي حصلت فيها.

برز حينها الائتلاف المعارض ومارس فساده العام إلى جانب حكومته المؤقتة ومجالسه المحلية المعينة تعيينا عبر أروقة المشغلين، وبرزت الفصائلية التي استحكمت بالموارد والمصائر، ثم برزت تنظيمات متطرفة يحاربها التحالف الدولي لأنها موصومة بالإرهاب الدولي، وتاليا ظهور قسد كقوة ثالثة على المسرح ولاعب مثير للجدل على الساحة السورية، لا تنسق مع الائتلاف أو النظام وتستأثر بالإدارة في مناطق السيطرة، برعاية دولية، كل ذلك يجري في داخل سوريا وخارجها دون استراتيجية واضحة لدى الجميع اتجاه مسألة الحل والانتقال السياسي في سوريا، ولايوجد على الساحة سوى ما يفرضه اللاعب الدولي من مسارات ومقترحات للتفاوض بين النظام ومعارضته التي تشبهه إلى حد كبير.

يجري كل ذلك من مجريات، وأقرب إلى الفوضى على مدى ما يقارب العشرة أعوام، والسؤال الذي يردده كثيرون: أين قرار الجمهور الذي عارض وقدم كل هذه التضحيات وأين صوته في إفراز هذه القيادات السياسية، وأين البرنامج السياسي الذي يستميت هذا الجمهور في الدفاع عنه، من أجل انجاز المصالح العليا والمبادئ التي تقرها كل وثيقة من وثائق المعارضة في كل مناسبة او تجمع للثورة. واستدراكاً ينبثق سؤال آخر كتعبير عن وجدان المعذبين والمشردين قسراً، إذا كان جمهور الثورة مستبعد يا ترى ولا يساهم في قيادة الدفة فمن الذي يقود العملية في لعبة الدحرجة السياسية إن كان أمام الستار أو خلفه؟.

لا شك بأننا نسمع المعارضة الرسمية لا تمل من بيعنا أوهامها حين تبرر عجزها وعدم تفانيها، فتفهمنا أن الحل السياسي موجود في جعبة المجتمع الدولي وأنه لم يأزف الوقت المناسب لإطلاق سهامه في مسألة تغيير النظام وانجاز الانتقال السياسي في سوريا. بينما تلقي الكثير من الدول الفاعلة في الملف السوري باللائمة على المعارضات، وتشرذمها، وعدم وجود تصور استراتيجي يوحد رؤيتها الجامعة أمام النظام لإطلاق مشروع التغيير في سوريا.

إن ما نحن عليه من سوء الحال والانسداد في الأفق السياسي لن يتغير مالم تتخذ القوى السياسية مبادرة الحلول الضاغطة على الائتلاف وغيره ممن غرق في مستنقع النظام، ومطالبته من الجمهور والقوى الفاعلة بالاستقالة الجماعية وهي مبادرة تضع حدا لكل هذا الترهل والمماطلة وتطالب المجتمع الدولي باستحقاقات الحل السياسي وتطبيق ما تضمنه بيان جنيف ومقررات مجلس الأمن ذات الصلة تطبيقا غير منقوص لإنجاز الانتقال السياسي في سوريا والخروج دون رجعة من هذا التيه المظلم إلى دولة الحريات والمواطنة المتساوية.


Posted

in

by

Tags:

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Translate »
best microsoft windows 10 home license key key windows 10 professional key windows 11 key windows 10 activate windows 10 windows 10 pro product key AI trading Best automated trading strategies Algorithmic Trading Protocol change crypto crypto swap exchange crypto mcafee anti-virus norton antivirus Nest Camera Best Wireless Home Security Systems norton antivirus Cloud file storage Online data storage