اياس المحمد
كل يوم يأتي على هذه المدينة يبدو أصعب من الذي سبق مع وجود أكثر من 650 ألف شخص يعيشون في داخلها في ظروف معيشة أصبحت قاسية جدآ، مثلما أنه لايزال التنظيم المتشدد يعمد إلى إجبار الناس على عدم ترك المدينة نتيجة لسياساته الطائشة التي تشبه سياسات النظام سابقا ولوضعهم دروع بشرية ..فمن غلاء فاحش في كل مايحتاجه الناس في حياتهم اليومية إلى اعتقالات وجَلدٍ وإهانة للمدنيين على وجه الخصوص.
الكثير من المدنيين ترك المدينة في الفترة الأخيرة هرباً من ظروف معيشة شبه مستحيلة، ومن قصف شبه يومي لطيران التحالف الذي أصبح يستهدف المدنيين في بعض الأحيان بشكل متعمد وواضح جدآ وبقصف من الطيران الروسي ، أما أرتال التنظيم التي تجوب أطراف المدينة وريفها يومياً فهؤلاء لاتراهم طائرات التحالف ابداً، وتعمى راداراتها عنهم.
آخر هذه الغارات كانت قرب مدرسة ذي قار ـ قريباً من منطقة الحديقة البيضاء ـ حيث قصفت الطائرات المدينة بعد سلسلة غارات متعددة، أطراف المدرسة وأربع أبنية بجانبها كل من يقطنها هم مدنيون..كان ذلك القصف في منتصف الليل، حيث استشهدت طفلة وشابين وأدت إلى إصابة كل من كان داخل هذه الأبنية. هذا سبب واحد من أسباب عديدة تدفع عائلات كاملة إلى ترك منازلهم يومياً غير الغلاء في المواد الغذائية والتموينة وارتفاعها يومياً وصمت التنظيم عن كل هذه الأمور، حتى أصبح سعر خمسة أرغفة من الخبز تباع بـ200 ل.س في مدينة الرقة، وأغلب الناس عاجزين عن شراء هذه المادة وهي أهم شيء في حياتهم، ناهيك عن مادة السكر التي وصل سعرها إلى 900 ل.س للكيلو الواحد في بعض الأحيان.
وعندما تغيب الشمس يختفي الناس في بيوتهم، حيث أكثر من 75 % من السكان لايخرجون من بيوتهم خوفاً من القصف الهمجي وحواجز التنظيم اليومية في كل أنحاء المدينة.
يفرض التنظيم على السكان رسوماً مالية تشمل كل شيء من كهرباء وماء وهاتف وغيرها، مجبراً الجميع على دفعها عندما ربطها مع الهاتف الأرضي وكل من لايدفع هذه الرسوم خلال عشر أيام يصادر هاتفه ويلغى رقم اشتراكه.. الأمر الذي يجبر الجميع على دفعها مكرهاً رغم انعدام مواردهم المالية التي تبخرت تماماً، مع أن الكهرباء شبه مفقودة، فهي لا تصل إلى المنازل حال وجودها إلا لقريب من ثلاث ساعات في اليوم فقط لاغير.
هنا الرقة..يحتاج الناس هنا إلى من يسلط الضوء عليهم ليرى العالم الظلم والمعاناة اليومية والحياة القاسية جداً التي يعيشونها في ظل صمت العالم أجمع، وغض طرف وتجاهل عن رؤية ما يجري ويحدث في حياة الناس هنا، والذين يتهمون من هذه الجهة أو تلك بأنهم هم من جلبوا التنظيم الذي يسومهم سوء العذاب إلى مدينتهم، وإنكار العالم بأسره لحقيقة أن الناس هنا لاحول لهم ولاقوة، فمن يتذمر أو يفكر مجرد تفكير بأي استنكار واعتراض في الرقة يختفي من الوجود على الفور. والناس لا يحتاجون ولا يطلبون أكثر من أن تحس معاناتهم وأن يُشعر بهم وبما لحقهم من بلاء وينقل عنهم مايتعرضون له.
كان الله في عون أهل عاصمة التحرير..الرقة الأبية.. درة الفرات.. درة الحرية..