التمييع قبل التصنيع
مدير التحرير
غداً يصادف التاريخ مرور خمسة أشهر مضت على صدور القرار الدولي 2254 الصادر عن مجلس الأمن في 18 ديسمبر/كانون الأول 2015، والذي ينصُّ على بدء محادثات السلام في سوريا في يناير/كانون الثاني2016، فضلاً عن أنه أكد بأن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلاد، ودعا إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي وإجراء انتخابات برعاية أممية، مطالباً بوقف أي هجمات ضد المدنيين بشكل فوري.
تضمن القرار الدولي الذي يحمل رقم 2254 –(وهو مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة)- عدداً من البنود، فقد اعتمد (بيان جنيف)، ودعم كل بيانات فيينا الخاصة بسوريا، باعتبارها الأرضية الأساسية لتحقيق عملية الانتقال السياسي بهدف إنهاء النزاع في سوريا، وشدد على أن الشعب السوري هو من سيحدد مستقبل سوريا. ونصَّ القرار على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة ممثلي النظام والمعارضة السورييْن للمشاركة “على وجه السرعة” في مفاوضات رسمية بشأن مسار الانتقال السياسي، على أن تبدأ تلك المفاوضات مطلع يناير/كانون الثاني 2016، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة .كما أقرَّ بدور المجموعة الدولية لدعم سوريا، باعتبارها المنبر المحوري لتسهيل جهود الأمم المتحدة الرامية إلى تحقيق تسوية سياسية دائمة في سوريا. وأعرب عن دعم مجلس الأمن للمسار السياسي السوري تحت إشراف الأمم المتحدة لتشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، وتشمل الجميع و(غير طائفية)، واعتماد مسار صياغة دستور جديد لسوريا في غضون ستة أشهر . كما جدد القرار دعم مجلس الأمن إجراء انتخابات حرة ونزيهة على أساس الدستور الجديد في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة.
وبالعودة مرة أخرى إلى مخرجات مؤتمر فيينا الذي عقد في 14 تشرين الثاني من عام 2015، والذي انفض على وعد مبهم وغامض بتشكيل هيئة حكم انتقالية تكون بديلاً عن النظام، وفيما تبدو أطراف الصراع العليا: الأميركان والروس، غير مستعجلة في التقدم نحو حل ما للبدء بإنهاء الواقع السوري، أو وضعه في طريق الحل، تبدو أطراف الصراع السفلى على اختلافها وكأنها تدفع ضريبة التماوت الذي لا ينتهي بموت ولاحياة في سوريا .
تمييع واقع مايجري على الارض في سوريا قبل تصنيعه من جديد، وبعد استدامة تعفينه لزمن طويل، بغية إعادة تصنيعه وفق قياسات أمريكية(حصراً)، سوف يضع الإدارة الأميركية الحالية أمام خيارات النصر الجاهز في الوقت الجاهز، ولما كان هذا النصر الجاهز محكوماً بالوقت المناسب، والذي نتوقع له موعدين ـ أو أحدهما بالأحرى ـ لا ثالث لهما: إما أواخر أسابيع الرئيس الأمريكي أوباما في البيت الأبيض، أو أوائل أسابيع الرئيس الأمريكي المنتخب والجديد أوائل عام 2017. يؤكد هذا التوقع ذلك الإضطراب والأداء الذي يقارب العبث في جدواه الذي يحكم حركة المبعوث الأممي ” ديمستورا”، من تسريب خطة نهائية مفترضة، إلى تسريب أخبار الميديا الإعلامية عن مناقشة مشروع دستور سوري أو مقترحات لدستور سوري، واستدعاء فريق غير متخصص، هزيل الرمزية والإمكانات، إلى فيينا لمناقشة هذه الورقة الدستورية.
التميّع إذن في الملف السوري بات ضرورة، وفعل اللاحل هو أحد أجزاء الحل، والجمود شكل من أشكال الحركة في المفترض الذهني، مثلما أن جميع المكونات اللاعاقلة وغير المنطقية التي حكمت كل الملف السوري منذ البداية كانت صدوراً من عقل عالمي كلي الصنعة، ذي منطق باطني، يتأول النتائج التي يتوخى ترتيبها بمقدمات فسيفسائية لاتتعرف إلا بالتجميع وإعادة التشكيل . قد يصعب على العقل الأحادي الفردي البسيط أن يستوعب محددات لوحة فسيفسائية وهي في طور التشكل، فكيف به لو أراد أن يستوعب اللعبة الكبرى في وطن تتشكل ملامحه من جزئيات غير متقاربة أو متجانسة، ناهيك عن أنه هو نفسه جزء من لوحة شرق أوسطية أشمل في تضاريس تفصيلاتها، ومفردات تعقيداتها الأولية .
لا يعني ما تقدم من الكلام أن نختزل حركات الشعوب وإرادتها بإرادة دولية تبتغي المؤامرة وتنشدها، فليست الإنسانية مادة جامدة لا طور لها ولا إرادة سوى الإستجابة للمؤمرات والمخططات؛ إن درس التاريخ العميق يولي للإرادة الإنسانية وللكفاح الإنساني الأسبقية على ترتيبات المؤامرة وصناعتها، بحيث يصح القول إن قدر العالم أن يمضي في تمييعه للواقع السوري قبل إعادة إنتاجه وتصنيعه، مثلما هو قدر السوريين أن يمضوا بعيداً، وحتى الشوط الأخير في كفاحهم من أجل بناء وطن حر مستقل . وذلك في حدوده الدنيا أقل ما نقدمه لشعبنا ونعتذر به لشهدائنا وتضحيات من ضحى من السوريين .