محمد أمين
تراوح العملية السياسية في سورية مكانها ودخلت في مرحلة “انسداد الآفاق”، بحسب ما يعتقد مراقبون، مرجحين أن الجهود الدؤوبة للمبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، من أجل التوصل إلى حل سياسي، ستذهب سدى في ظل تعنت وتصلب نظام بشار الأسد واستمراره مع حلفائه في قتل المدنيين، ما يطرح احتمال أن يعمد الموفد الأممي إلى إعلان “يأسه” وتخليه عن مهامه على غرار أسلافه.
ورمى دي ميستورا الكرة في ملعب مجلس الأمن الدولي، عندما أشار أول من أمس الخميس إلى أن فرص عقد جولة جديدة من محادثات السلام السورية ستكون أوضح بعد أن يناقش مجلس الأمن الخيارات المختلفة في 29 يونيو/ حزيران الجاري، أي يوم الأربعاء المقبل”.
في موازاة ذلك، كانت الولايات المتحدة، تؤكد من جديد خلال الأيام الماضية، أنها لن تتدخل عسكرياً للضغط على نظام الأسد كي ينصاع للقرارات الدولية ويبذل ما يكفي لتسهيل التوصل لاتفاق سياسي يسهم في وضع حد لسفك الدماء الذي يمارسه بحق المدنيين، ويؤسس لمرحلة انتقالية تقودها هيئة حكم كاملة الصلاحيات من دون وجود للأسد. وهو ما ترجم بتصريحات المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إرنست، يوم الأربعاء، والتي قال فيها إن بلاده ليست في صدد التفكير باستخدام القوة ضد نظام الأسد، مشيراً إلى أن ذلك قد يؤدي إلى حرب شاملة، ويشتت الجهود لإلحاق الهزيمة بتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
في غضون ذلك، تقول مصادر في الائتلاف الوطني السوري لـ”العربي الجديد”، إنها باتت مقتنعة أن الرئيس الأميركي باراك أوباما “سيرحّل القضية السورية إلى الإدارة المقبلة، وأنه ليس في صدد مواجهة الإصرار الروسي على دعم بشار الأسد ونظامه، والضغط أكثر على المعارضة من خلال اتباع سياسة التوحش والفتك بالمدنيين”، على حد وصفها. وتشير المصادر نفسها إلى أنها “باتت مقتنعة أن دي ميستورا لم يعد بإمكانه فعل أي شيء قادر على الإسراع بعقد مفاوضات جدية من شأنها أن تفضي إلى بدء مرحلة انتقالية في سورية خلال الصيف الجاري، كما تأمل الأمم المتحدة”. ووفقاً للمصادر فإن “اجتراح الحلول مهمة صعبة في ظل تمسك بشار الأسد بالسلطة، وعدم الاكتراث بالقرارات الدولية، مستفيداً من دعم روسي وإيراني، وعدم قدرة الحلفاء الإقليميين للمعارضة السورية على فعل شيء قادر على موازنة الكفة السياسية، إثر تكبيل الولايات المتحدة لهم”.
وكان الموفدان الدوليان السابقان إلى سورية، كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، قد أعلنا عن استقالتهما عقب اصطدام جهودهما بحائط رفض الأسد التخلي عن السلطة، وعدم قبوله بحلول سياسية تساعد على إنهاء مأساة ملايين السوريين. وأعلن عنان في بداية شهر آغسطس/آب من عام 2012 تخليه عن مهامه كموفد من قبل الأمم المتحدة إلى سورية، مشيراً إلى أنه لم يتلق دعماً من المجتمع الدولي، ومؤكداً أن “تصاعد العسكرة على الأرض، وانعدام الإجماع في مجلس الأمن الدولي غيرا دوري بشكل جذري”.
في غضون ذلك، علمت “العربي الجديد” أن إفطاراً في مدينة إسطنبول التركية جمع قادة في الفصائل العسكرية وعدداً من أعضاء الائتلاف الوطني من أجل “توحيد العمل العسكري، وتشكيل لجنة تنسيق استعداداً للمرحلة المقبلة والتي تبدو أشد تعقيداً من المراحل السابقة، إذ سيشتد الضغط على المعارضة السورية من قبل الروس والإيرانيين والنظام”، وفق مصادر أشارت إلى أن “ورشة عمل ستجمع الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق الوطنية في بروكسل، خلال أيام، لمناقشة ورقة تتضمن رؤية للحل السياسي في سورية، أنجزتها الهيئة العليا للمفاوضات”.
في هذا الصدد، يؤكد نعسان آغا أنه لا يرى أملاً في متابعة العملية السياسية مع تصاعد القصف على المدنيين إلى درجة استخدام أسلحة محرمة دوليا، مضيفاً: “القنابل العنقودية والفوسفورية أشعرت شعبنا بأنه لم يبق سوى استخدام السلاح النووي لإبادة هذا الشعب”.
واتهمت المعارضة السورية روسيا باستخدام أسلحة محرمة دولياً في سورية، داعيةً الأمم المتحدة إلى فتح تحقيق بهذا الشأن، مشيرةً في رسالة وجهها منسق اللجنة العليا للتفاوض، رياض حجاب، إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، إلى أن قوات جوية روسية “أطلقت بصورة متكررة قنابل حارقة وقنابل عنقودية لقتل وترهيب المدنيين السوريين ومن بينها عشر حوادث موثقة على الأقل”. وأضافت الرسالة: “لقد انتهكوا معاهدة حظر وتقييد أسلحة تقليدية معينة وخرقوا القانون الإنساني الدولي”. ووثق ناشطون سوريون استخدام مقاتلات روسية لقنابل حارقة، وأخرى عنقودية في قصفها لمناطق تسيطر عليها المعارضة السورية في ريف حلب الشمالي خلال الأيام القليلة الماضية.
وتصر المعارضة السورية على أن تنحي الأسد عن السلطة شرط أساس من أجل بدء عملية انتقالية مجدية في سورية، تساعد في تجنيب البلاد سيناريوهات “مفزعة”، في مقدمتها التقسيم. في المقابل، يتمسك الأسد بالسلطة مهدداً بمواصلة “سفك الدماء” لتحقيق غايته وفرض نفسه، وهو يبدو غير مكترث بالجهود الدولية، مكتفياً بالسيطرة على جزء من الجغرافيا السورية، ومسلطاً مقاتلاته على المناطق التي تقع تحت سيطرة قوى المعارضة وتنظيم “داعش” ومرتكباً المجازر باستمرار. وفي السياق، يشير مصدر في الائتلاف الوطني إلى أن السوريين “ضحايا الصمت الدولي، وهم وحدهم يدفعون ثمن لعبة الكبار في حلبة الصراع الدولي”، وفق المصدر.