خالد الخطيب
وأوضح العقيد كردي، أن المعارضة كانت واثقة من أن النظام يكذب، بشأن “الهدنة”، فهو لم يلتزم بها أبداً منذ إعلانها، وبقي القصف الجوي والبري كما هو، واستهدف المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة بالكثافة ذاتها. المعارضة كانت واثقة من زيف الهدنة، بعدما رصدت تعزيزات ضخمة لقوات النظام وللمليشيات خلال اليومين الماضيين تمركزت في الشمال بالقرب من منطقة الملاح.
وكان النظام قد أعلن، الأربعاء، وقفاً لإطلاق نار “هدنة” لـ27 ساعة، بمناسبة حلول عيد الفطر. وكعادة النظام، فقد استخدم “الهدنة” للاستهلاك الإعلامي الخارجي، واستغلّها كخدعة مكررة، لإحراز تقدم على الأرض ومواصلة العمليات العسكرية التي تهدف بالدرجة الأولى إلى حصار حلب وفصلها عن ضواحيها الشمالية.
وجاء تقدم قوات النظام والمليشيات بعد معارك عنيفة شهدتها مزارع الملاح ومخيم حندرات، منذ منتصف ليل الأربعاء/الخميس، مع المعارضة المسلحة. ومهّدت القوات المقتحمة لتقدمها بقصف مركز وعنيف بالمدفعية والصواريخ وقذائف الهاون وصواريخ أرض-أرض من نوع “فيل”.
وتجاوز عدد القذائف الصاروخية والمدفعية التي ضربت معاقل المعارضة 2000 قذيفة، ترافقت مع قصف جوي روسي، استهدف طرق الإمداد، ومقار وخطوط المعارضة الأمامية في محيط الكاستيللو. كما نفّذ الطيران الروسي أكثر من 50 غارة جوية طاولت مدن وبلدات المحيط القريب، في عندان وحريتان وحيان وأسيا وكفر حمرة.
وأشار العقيد كردي إلى أن المليشيات تدفع بكامل ثقلها في معركة الشمال للسيطرة على الكاستيللو، مستفيدة من الدعم الجوي الروسي والغطاء الناري الكثيف، وهي تسعى لتثبيت مواقعها وتحصينها، والتمركز للتحضير لمعركة فاصلة تسيطر من خلالها على الطريق بشكل كلي. والمعارضة الآن أمام تحد كبير، لكنها ستنجو بفضل تكاتفها الذي أبدته كما في كل مرة منذ بدء الهجمات لقطع الكاستيللو.
وألقى الطيران المروحي التابع لقوات النظام عشرات البراميل المتفجرة طاولت مواقع المعارضة المتقدمة، في الضواحي الشمالية وبالقرب من خطوط الجبهات، بالإضافة إلى قصف مماثل تعرضت له أحياء بني زيد والخالدية والأشرفية والسكن الشبابي في أطراف مدينة حلب الجنوبية.
وعملت قوات النظام والمليشيات على إشغال جبهات متعددة في المدينة وريفها الشمالي، بالتزامن مع محور المعارك الرئيس نحو الملاح، بهدف تشتيت جهود المعارضة، ومباغتتها وتفويت فرصة رد الفعل في الملاح. وشهدت جبهات الطامورة شمالي عندان وبني زيد والخالدية والأشرفية وشيحان، اشتباكات عنيفة بين الطرفين، ترافقت مع قصف متبادل بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة.
وتمكنت المعارضة الحلبية من صدّ هجمات المليشيات في الملاح خلال ساعات الهجوم الأولى، وقتلت المجموعات الأولى التي استطلعت المنطقة، وسقط أكثر من عشرين عنصراً منها بعدما انفجرت فيها ألغام أرضية كانت المُعارضة قد زرعتها كتحصينات هندسية لحماية مواقعها. لكن سرعان ما انهارت خطوط المعارضة الأولى على وقع القصف العنيف الذي تعرضت له مواقعها، ما أجبرها على التراجع نحو الخطوط الخلفية بالقرب من الكاستيللو.
صباح الخميس أرسلت المعارضة المسلحة تعزيزات عسكرية ضخمة، في أرتال آتية من حلب ومن الضواحي الشمالية والغربية، وبدأت بهجوم معاكس ضد المليشيات.
مدير مركز عندان الإعلامي سامي الرج، قال لـ”المدن” إن قوات النظام والمليشيات و”الحرس الثوري” الإيراني لا تزال تسيطر حتى اللحظة على مزارع عرب سلوم، وكتلة الجامع في الملاح. والمعارضة تستهدف المواقع المذكورة بقصف عنيف بالدبابات والمدفعية، وأوقعت في صفوف المليشيات أكثر من عشرين قتيلاً. وتهدف المعارضة من ذلك إلى تشتيت القوات المعادية وحرمانها من تحصين المواقع الجديدة.
وأوضح الرج أن معارك عنيفة تخوضها المعارضة الآن بعدما عززت خطوطها، وبدأت تتقدم فعلياً في منطقة المزارع، لكن القصف العنيف من قبل القوات المعادية، والقصف الجوي الروسي بمختلف أنواع القنابل العنقودية والفوسفورية والصواريخ الفراغية، يحول دون الاشتباك المباشر مع المجموعات المتقدمة من المليشيات “التي تتفادى المعركة وجهاً لوجه لأنها ستهزم حتماً وستخسر الدعم الناري بحكم قرب خطوط الاشتباك وعدم قدرة الطائرات والمدفعية على تحديد أهدافها”.
وقُتل عقب إعلان الهدنة، عشرة مدنيين على الأقل، وجُرح ثلاثون، خلال غارات شنها الطيران الحربي والمروحي، على أحياء حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة؛ في طريق الباب والميسر ودوار جسر الحج وبعيدين وقاضي عسكر. وفي الوقت ذاته، طاول القصف الجوي وبوتيرة أعلى من قبل إعلان الهدنة بلدات ومدن الشمال الحلبي في عندان وحيان وكفر حمرة وحريتان، بالإضافة إلى الغارات التي استهدفت ريف حلب الغربي. وشهدت أيضاً بلدات العيس وتل ممو والزربة والقراص وزيتان جنوبي حلب غارات جوية روسية.
مصير الأحياء الخارجة عن سيطرة النظام في حلب، وأكثر من 300 ألف مدني قاطن فيها، وآلاف مقاتلي المعارضة المتمركزين على مختلف جبهات المدينة، بات على المحك اليوم. وعلى المعارضة الحلبية أن تفكر ملياً في هجوم واسع تبعد هذا الكابوس عنها وتسيطر على التلال المهمة؛ تلة المضافة الاستراتيجية وحندرات البلدة. وذلك إذا ما نجحت في معركتها المعاكسة الجارية حالياً، واستعادت نقاطها بالقرب الكاستيللو، الذي بات شبه مقطوع.