الثلاثاء. نوفمبر 11th, 2025

 

أحبط الطيران الحربي الأميركي بالتنسيق مع ميليشيا “وحدات حماية الشعب” ليل الخميس/الجمعة، تحركاتٍ على الأرض لتنظيم “الدولة الإسلامية” في محيط قرية الهيشة في ريف بلدة تل أبيض الجنوبي، شمالي مدينة الرقة. وجاء هذا الرد الأميركي أوسع نطاقاً وأشد عنفاً، من تحركات التنظيم؛ إذ شمل قصفاً لمواقع “داعش” على طول خط الجبهة معه الذي ترابط فيه “قوات سوريا الديموقراطية”، وتركز أشده على مواقع للتنظيم في محيط قرية الهيشة شرقاً ومحيط قرية خربة هدلة غرباً. وتضمن ذلك تنسيقاً بين طائرات “الآباتشي” الأميركية ومدفعية “وحدات الحماية”. وتزامن القصف مع خمس غارات على الأقل نفذها الطيران الحربي ضربت أهدافاً للتنظيم داخل مدينة الرقة.ويأتي هذا التطور الميداني بعد أكثر من أسبوع على زيارة وفد ضمّ عشرة خبراء أميركيين ترافقهم قوة عسكرية صغيرة من “المارينز” إلى بلدة تل أبيض على الحدود السوريّة التركيّة. أهداف تلك الزيارة بدأتْ تتكشف تدريجياً، بعدما بدت للوهلة الأولى رسالة سياسية لتركيا مفادها أن ما جرى في جرابلس غربي الفرات لن يتكرر في تل أبيض شرقه. على الأقل، فذلك ما حاولت مليشيا “وحدات الحماية” ترويجه واستثماره رمزياً عندما رفع مقاتلوها ومناصروها أعلاماً أميركية في تل أبيض. وتسيطر مليشيا “وحدات الحماية” المكوِّن الرئيس لـ”قوات سوريا الديموقراطية”، على تل أبيض وريفها منذ منتصف حزيران/يونيو من العام 2015، بعد إخراج “داعش” منها.وكان قد سبق وصول لجنة الخبراء الأميركيين تجميعاً وتحشيداً لمقاتلي الجيش الحر و”أحرار الشام”، وتحركات للجيش التركي في مدينة آقجي قلعة التركية المقابلة لتل أبيض. وهدمتْ قوة تركية سواتر ترابية وأزالتْ أسلاكاً شائكة على الخط الحدودي في ما بدا استعداداً لدخول تل أبيض بالقوة على غرار ما حدث في 24 آب/أغسطس في جرابلس.وغادرت لجنة الخبراء الأميركيين تل أبيض في 20 أيلول/سبتمبر، بعدما أنهتْ أولى مهامها، بحسب ما قاله قائد فصيل من الجيش الحر في آقجي قلعة، لـ”المدن”. وتمثلت مهمة اللجنة برسم خرائط ديموغرافية وأخرى عسكرية لمنطقة تل أبيض. وتلك الخرائط يُرجح أنها حددتْ منافذ لدخول الجيش الحر والقوات التركية المساندة مع ضمان الحد الأدنى من الاحتكاك مع مليشيات “وحدات الحماية” المدعومة أميركياً. إلّا أن مهمة أخرى لا تزال قيد الإنجاز ويُحتمل أن تتطلب تفاوضاً إضافياً بين الأتراك والأميركيين لإتمامها؛ فالأميركيون يحملون “قائمة سوداء” بأسماء المئات من عناصر “أحرار الشام” أعدتها مليشيا “وحدات الحماية” وتتهم فيها هؤلاء بارتكاب جرائم “قتل وسلب وتهجير بحق أكراد في مناطق سبق لهؤلاء العناصر القتال فيها”.وفي السياق، يرفض “لواء ثوار الرقة” دخول “أحرار الشام” إلى أي بقعة في محافظة الرقة. و”ثوار الرقة” جزء من “قوات سوريا الديموقراطية” وينتشر في عدد من قرى وبلدات ريف الرقة الشمالي ويجابه تنظيم “داعش” في مناطق عين عيسى وغربها وشرقها. وقال عضو “المكتب السياسي” في اللواء محمود الهادي، لـ”المدن”، “نرفض دخولهم لما قامت به حركة أحرار الشام بعد تحرير الرقة من النظام والدور الذي قامت به في إجهاض هذا التحرير وتسليمه لداعش في ما بعد”. والهادي يذكر هنا ما جرى في ربيع وصيف العام 2013، ويُحمّلُ فيه “أحرار الشام” الدور الأكبر في تفريغ النصر العسكري الذي تحقق في الرقة من أي مضمون سياسي.قد يكون كلام الهادي مرتكزاً على وقائع حدثت، إلا أن توظيفه سياسياً في هذه اللحظة، يبدو أكبر من دور “لواء ثوار الرقة”؛ إذ يصب رفض “ثوار الرقة” لـ”أحرار الشام” في سياق ممانعة “وحدات الحماية” والولايات المتحدة لدور تركي في الشمال السوري. ويقوّض الدور التركي، الاستمرار الترابي لما يسميه قوميون أكراد بـ”إقليم روجآفا”، ويفرض من جانب آخر، على الولايات المتحدة شريكاً كـ”أحرار الشام” قد لا يلتزم باستراتيجيتها في “محاربة الإرهاب” طويلاً.وكان صدى الحراك العسكري والسياسي على الأرض، قد تردد جدلاً شرعياً واصطفافات سياسية داخل تنظيمات إسلامية سوريّة. وحصل جناح سياسي براغماتي في “أحرار الشام” من “مجلس شرعي” تشارك فيه “الأحرار” على فتوى تقول “بجواز التنسيق مع الجيش التركي والاستعانة به في تحرير تلك المناطق التي تتقاطع فيها مصالح الطرفين، آخذين بالاعتبار مصلحة دفع أكبر الضررين ودرء كبرى المفسدتين”. في حين أن التيار الجهادي الذي مثَّلته شخصيات، ولواء “أشداء”، سارعوا إلى الانشقاق.بدورها “جبهة فتح الشام”، خرجت بفتوى مضادة أعلنت فيها “حرمة القتال بريف حلب الشمالي تحت أي طرف إقليمي أو تحالف دولي”. في حين أن “المجلس الإسلامي السوري” أصدر فتوى نُشرت الجمعة، تتسق في مضمونها مع التوجهات التركية وتوجهات “أحرار الشام” المستجدة وتقضي بأن “قتال الدواعش والـPYD قتال مشروع لأنهما صائلان معتديان”.كما تتردد شائعات عن “اتفاق” على توزيع أدوار بين مكونات “قوات سوريا الديموقراطية” بإرادة وإدارة أميركيتين؛ وتقوم “قسد” بموجبه بـ”تحرير” الرقة ومن ثم تسليم إدارتها لـ”لواء ثوار الرقة”. اتفاق يبدو رغبوياً وملبياً لحاجات كل واحد من الفرقاء المنخرطين في هذا التشكيل، إذ تحصل “وحدات الحماية” على ريف الرقة الشمالي، ذي الغالبية العظمى من السكان العرب، كما يحصل “لواء ثوار الرقة” على إدارة الرقة منفرداً.وبعيداً عن تسويق “وحدات الحماية” لذاتها، تبقى حاجة الأميركيين إلى شريك عربي ذي قدرة عالية على التعبئة، إذا ما تقاطعت مع حاجة الأتراك لضمان أمنهم القومي على حدودهم الجنوبية، قد تُشكّلُان معبراً حقيقياً لـ”تحرير” الرقة.
عن صحيفة المدن

By

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *