الرقة بوست – خاص
أصبح استخدام الإنترنت في القرن الواحد والعشرين شيئاً مهماً وضرورة حياتيّة يوميّة لدى جميع البشر، فالخدمات التي يوفرها ساعدت الجميع على جعل حياتهم اليومية أسهل بكثير مما كانت عليه قديماً، وكان لوسائل التواصل الاجتماعي دور مهم لتقريب الناس من بعضهم البعض، واختصار المسافات التي قد تقدر بالأميال، إضافةٍ لسرعة طرح الأفكار والآراء بين الناس.
في الرقة الوضع مختلفٌ تماماً، فهذه البقعة من الأرض تُعد أخطر بقعة في العالم أجمع، فمن الأفضل أن تلزم أفكارك وآراءك محلّها المناسب وتحتفظ بها لنفسك فقط، لأنّها من المؤكد إن فلتت من عقالها ستقودك إلى حتفك.
وسائل التواصل الاجتماعي، هي أحد الكوابيس التي تراود تنظيم “الدولة الإسلاميّة” داعش، وتُعد في منظوره وسائل للتجسس ونقل الأخبار والمعلومات لصالح التحالف الدولي الذي يشنّ حرباً بجميع أنواعها بقيادة واشنطن ضد التنظيم.
الرقة بوست قامت برصد وضع مقاهي الإنترنت في مدينة الرقة وريفها، وحصلت على بعض المعلومات فيما يخصّ موضوع الإنترنت وخطره ورقابة داعش عليه.
يضع التنظيم شروطاً صعبة على جميع من يفكر في فتح مقهى انترنت في الرقة وهي:
– أن لا تقل مساحة المقهى أو الصالة عن الخمسين متراً.
– أن تكون الصالة على شارعٍ عام أو بالقرب من سوقٍ تجاري.
– إنشاء قسم خاص بالنساء، وتوفير مدخل ثانٍ له دون المدخل الخاص بالرجال، وأن تتم إدارته من قبل امرأة حصراً.
– وضع ستائر فاصلة بين كل حاسوب وآخر.
– الحصول على “تزكية” من قبل عنصرين من عناصر التنظيم على الأقل.
فإذا توافرت هذه الشروط يستطيع المرء الذهاب إلى “مركز ترخيص صالات الإنترنت في ولاية الرقة” وملء استمارة طلب فتح مقهى انترنت، ثم مراجعة المركز بعد مدّة زمنية معينة قد تصل الى أسبوع أو أكثر للحصول على القرار النهائي بشأن طلب الموافقة أو الرفض.
يحتكر التنظيم بيع أجهزة “التوّاي”، فهو الوحيد الذي يبيع أصحاب المحلات والصالات باقات الإنترنت الخاصة بها، فيقوم ببيع كل 25 غيغا بايت بمبلغ 310 دولار أمريكي أي ما يعادل 12,30 دولار لقاء الغيغا بايت، ويقوم أصحاب المحلات ببيع الناس كل 20 ميغا بايت بمبلغ 100 ليرة سوريّة، ويجلب التنظيم أجهزة الإنترنت من العراق وتحديداً من مدينة الموصل.
يفرض التنظيم رقابة صارمة على جميع المقاهي والصالات في مناطق سيطرته، خصوصاً في الرقة، كونها العاصمة الإدارية له، فقد قام بفرز عناصر أمنيين ومخبرين لغرض مراقبة مقاهي الإنترنت والتلصص على الناس، ولهم الحق أيضاً في الاطلاع على سجلات البيانات الخاصة بالصالة، ويقوم في بعض الأحيان بزرع برامج فيروسيّة للتجسس على بعض الأجهزة، كما يفرض عليهم وقتاً محدداً لإغلاق المحلات، وهو الساعة الحادية عشر ليلاً كحدٍ أقصى فضلاً عن إغلاقها في أوقات الصلاة.
لتصفح الإنترنت أو محادثة الأشخاص خارج أراضي التنظيم خطورة كبيرة في الرقة، فقد يداهم التنظيم الصالة في أي وقت، ويقوم بتفتيش جميع الأجهزة والهواتف، والاطلاع على المحادثات، وكل محتوى الهاتف، أو قد يقوم أحد العناصر الأمنيين أو المخبرين فجأةً بأمر جميع المستخدمين بالوقوف على أقدامهم ووضع جميع الهواتف على الطاولة ليتم تفتيشها والدخول إلى أي حاسوب يشك فيه لتفتيشه ومعرفة ماذا يفعل هذا المستخدم.
من يتم الإمساك به وقد ذكر على سبيل المثال أي كلام عن “داعش” أو كلام عن القصف أو تحديد أحد المواقع، فيتعرض للاعتقال، ويلقى شتّى أنواع التعذيب في سجون التنظيم، وقد تصل العقوبة في بعض الأحيان إلى الإعدام إذا تم الاشتباه به كعميل “للتحالف الصليبي” على حدّ وصف عناصر التنظيم.
يستخدم الناس في مدينة الرقة أجهزة الإنترنت ذات الاتصال بالأقمار الصناعية الفضائية، ذلك أن خطوط النت النظامية مقطوعة عن المدينة منذ تحريرها من قبل قوات المعارضة السورية في مطلع مارس 2013، فقد عمدت قوات النظام السوري على قطع كافة وسائل الاتصال داخل المدينة في محاولة لعزلها عن سائر المدن السورية المنتفضة، وقام المواطنون لاحقاً بجلب أجهزة الاتصال الفضائية، وكانت أعمدة النواشر هي من تتكفل بإيصال شبكة الإنترنت إلى جميع البيوت في المدينة، الأمر الذي كان يشكّل خطورة على التنظيم الذي قام مؤخراً بإزالة تلك النواشر وإجبار الناس على تصفح الإنترنت من المقاهي والصالات حصراً.
تصفح الإنترنت قد يُكلفك حياتك اليوم في الرقة، وبمجرد الشك في نشاطك على الإنترنت قد يُعرضك إلى العقاب والاعتقال من قبل عناصر “الدولة الإسلامية” داعش، وقد قام التنظيم بإعدام العديد من المواطنين في الرقة وريفها بتهمة التعامل أو التخابر مع جهات خارجية، فهو يحاول جاهداً عزل مدينة الرقة عن العالم، وقد قام عدّة مرات بإغلاق جميع صالات الإنترنت، ولكنّ احتجاج عناصره وخصوصاً المهاجرين أجبره على التراجع عن هذا الأمر، فهم لديهم عوائل في الخارج بحاجة لسماع أخبارهم، إضافةً إلى محاولته لاستقطاب المزيد من العناصر والتغرير بمزيد من الناس للمجيء إلى دولة الخلافة المزعومة، “والجهاد في سبيل الله” على حدّ زعمهم.