عملياً، الهدنة صامدة في حلب بنسبة 100%! هذا مفهوم بعد أن خلت حلب من الفصائل المعارضة، لكن المثير أن الهدنة صامدة في معظم المناطق المحكومة من داعش، فمدينتا تدمر والرقة آمنتان بالمطلق من النظام وروسيا. كذلك دير الزور، والبوادي الموشومة بالسواد بين كل هذه المدن في سوريا غير المفيدة.
الأمم المتحدة اكتفت بأخذ العلم باستمرار الهدنة في سوريا بعد يومين من بدئها. كما اكتفت بـ”الاطلاع” على الضمانات الخاصة بعدم خرقها، فهي لا تريد المشاركة في الحرب، أو السلام، على الطريقة الروسية – الأسدية – الإيرانية. فمرَّ القرار الروسي في مجلس الأمن بعد أخذ ورد في الكواليس يتعلق بالتفاصيل واللغة.
أما الفصائل التي وقعت على اتفاق الهدنة فقد اكتشفت بعد أكثر من 24 ساعة من التوقيع أن روسيا خدعتها، كونها قدمت للنظام السوري نسخة لطيفة وقعها صاغراً، وقدمت نسخة مختلفة للفصائل فوقعوها في أنقرة بعد أن “مانت” عليهم تركيا وهم في أضعف حالاتهم، كالعادة.
مصدر سطوة روسيا على النظام، وسطوة تركيا على الفصائل المعارضة، أبسط من أن يُفسَّر. وللتذكير: روسيا هي الناطق الرسمي باسم النظام السوري حتى لو لم ترضَ إيران، وتركيا أغلقت حدودها مجففة مصادر الدعم العسكري للفصائل التي “تمون” عليها. وبذلك تحقق الاتفاق الروسي التركي بإطلاق يد أنقرة، بل دعمها، في حربها ضد داعش، والأكراد، مقابل قص أجنحة الفصائل المدعومة منها، أو عبرها، للاستسلام في حلب.
ذلك الاتفاق “المعلن” وغير المكتوب بالضرورة، بين روسيا وتركيا، هو اتفاق الضرورة بالنسبة لتركيا، أبرمته أنقرة مضطرةً بعد استقالة كل من الولايات المتحدة والأمم المتحدة من دورهما المفترض، فكلا الطرفين أظهرا عجزهما أمام “الجبروت” الروسي، وهو ما لم يحصل، تاريخياً، في أي من القضايا التي اصطدمت فيها روسيا/ الاتحاد السوفييتي مع الولايات المتحدة، حتى في ذروة الحرب الباردة.
إذاً، ضعف الأمم المتحدة تجاه القضية السورية يفسره ضعف الولايات المتحدة نفسها. وما دامت واشنطن غير متحمسة لن يكون في مقدور الأمم المتحدة فعل شيء، سواء مع قلق بان كي مون المنصرف من وظيفته، أو مع جحافل الخبرة في المساعدات واللاجئين التي يحمل عبئها الأمين العام الجديد، أنطونيو غوتيريس.
لكن ضعف الولايات المتحدة يحمل، عموماً، سمات الخداع البصري، إذا اقتصرنا على مجرد النظر إلى ظاهر إنجازات روسيا في سوريا، ونجاح موسكو في احتواء الطموح التركي. تدعم هذا الظن، أو تضعفه، محاولة تفكيك ذلك بالقول إن لا مصلحة سياسية، أو اقتصادية، للولايات المتحدة، في حل القضية السورية. فالظن باستقالة أمريكا لا يصمد أمام الواقع المتحرك، حتى لو كانت واشنطن مطمئنة الآن على مستقبل إسرائيل بوجود روسيا في سوريا.
لكن الظن باستمرار الانسحاب الأمريكي، مع تدشين دونالد ترامب عهده الرئاسي في 20 يناير الجاري، محقق في المدى القصير. وقد لا تتضح الرؤية في العام الجاري كله، فالرجل صديق لروسيا بوتين، وتركيا أردوغان، بمشاريعه العقارية في البلدين. ما يرجح أنه سيسعى في أوقات فراغه إلى إدارة البيت الأبيض دون أن يتأثر الإقبال على أبراجه التجارية في العالم القديم.
وعلى الرغم من وجاهة المنطق القائل إن أمريكا تحكمها مؤسسات، لا مزاج، أو رغبات، رجل منفرد، إلا أن الاختيار بين يمينية بوش الابن، ويسارية أوباما، المؤسسيتين، يرجح أن سلوك أمريكا سيحافظ على انسحابية عهد أوباما، خاصة أن بعض صقورية أوباما لم تؤثر في مافيوية بوتين، فكيف الحال وترامب يغرد كل يوم متغزلاً بحكمة سيد الكرملين.
على كل حال، سوريا لا تمتلك الموارد الكافية لإحداث ثورة عقارية يسيل لها لعاب الرجل البرتقالي، إلا إذا تخيلنا أن ترامب سيكون شريك رامي مخلوف في سوريا التي سيحكمها بشار الأسد في الأبد الثاني، بعد الثورة!
ضعف هذا الاحتمال يدعم استمرار تدشين الطريق إلى أستانة، كخطوة في اتجاه “جنيف4″، لتحضر الأمم المتحدة إلى جنيف مع الولايات المتحدة. وهنا، وهناك، سيحضر ممثلو المستويين السياسي والعسكري للثورة السورية بعد تشكيلهما وفداً موحداً يستبعد “العناصر الإرهابية” غير المرغوبة من روسيا.
وفي أستانة، يتوقع أن تلجم روسيا النظام السوري، كي يدخر جهوده للتعطيل في “جنيف 4″، لتبدأ هناك روسيا في لعب دور “بابا نويل”، خاصة إذا ضمنت الرشد العقاري من واشنطن ترامب.
هذه الظنون كلها، ومن ضمنها تفضيل ترامب العقارات، وتويتر، ستحمل المعارضة في باصات/ طائرات خضراء إلى الأستانة، ثم جنيف، وما بعد جنيف، ربما.
24
اترك تعليقاً