الرقة بوست – قاسم الهندي
ظل محملقا في علبة السكر الموضوعة على الطاولة امامه دون ان يضيف الى كأس شايه شيئا من السكر لتحليتها.
و كأنه كان ينتظر من احد ان يبادر الى تحلية كأسه قبلا منه ،حتى يحذو حذوه.
اجال بصره في كل المقهى عله يرى احدا غيره امامه كأس من الشاي ، الى ان رأى شابا منزويا بزاوية المقهى قد انزل له النادل كأسا من الشاي ، فحمل كأسه وعلبة السكر و اتجه الى طاولة ذاك الشاب المنزوي ، و قبل أن يستأذن بالجلوس، بادره الشاب بابتسامة قائلا له: اجلس.
اعلم أنك قد جئت لترى كيف اذيب السكر بالشاي.
هز برأسه موافقا دون ان يتكلم و وضع علبة السكر امامه منقلا نظره بين مضيفة و بين علبة السكر و ماذا يمكن ان يفعل مضيفه بالسكر .
و بدأ قلبه بالخفقان لدى تناول الشاب لأول ملعقة للسكر و وضعها في الكأس .
نظر الشاب في عيني ضيفه بكل هدوء و بدأ بتحريك نحو اليسار قائلا له بهدوء هكذا يتم الامر .
فهمس الضيف و هو يرتعش خوفا و مجيلا نظره فيمن حوله ان كان احد قد رأه ام لا .
ارجوك لا أريد أن احسب على اليسار .
و بنفس الهدوء و لا زالت يده ممسكة بملعقة الشاي و دون ان ينظر في عيني محدثه ادار حركة الملعقة نحو اليمين لتحريك السكر قائلا و هكذا يتم الامر احيانا .
و قف متأملا الشاب و بخوف اكثر من ذي قبل سائلا اياه :الا يوجد غير الشاي في هذا المقهى؟
رشف الشاب من كأسه رشفة قوية و اجاب ان بنعم، يوجد قهوة سادة لا هي بذات اليمين و لا ذات الشمال ، و انظر لكل من حولك يحتسون قهوتهم بكل هدوء ،اذهب اليهم و دع لي علبة السكر و دعني احرك كأسي كما أشاء .
بعد ان ترك طاولة الشاب و التحق بطاولات القهوة السادة ، بدأوا بالهمس جميعا نحو الشاب ان تحريكه للسكر و صوت ارتطام الملعقة بالكأس و طريقة شربه للشاي تزعجهم ، و لا بد من اخراجه من المقهى .
و هذا هو المطلوب في سورية ثقافيا و سياسيا و حتى اجتماعيا ،ان يكون كل شيء بلا طعمة و لا رائحة .
فالمثقف سادة و السياسي سادة و رجل الدين و المواطن و الوطن كلهم سادة لا لون لهم و لا طعم و لا رائحة.
و السوريون بثورتهم ارادوا ان يعطوا للحياةما غاب عنها من تنوع و اختلاف .
و قد يكونوا قد اسرفوا في ثوريتهم”سكرهم” قليلا لكنهم سيتفقون اخيرا على ما يناسبهم جميعا .
اترك تعليقاً